وجوه لا تنسى وقصص خالدة فى الدراما

آية مجدى
لم يكن دور الأم على الشاشة مجرد شخصية ثانوية، بل كان دائمًا القلب النابض للأحداث، سواء كحاضنة للأبطال أو كمحرك رئيسى للصراع الدرامى، فمنذ بدايات السينما، برزت نجمات قديرات قدمن شخصية الأم بأداء استثنائى ترك أثرًا خالدًا فى وجدان المشاهدين، من فردوس محمد وأمينة رزق إلى هدى سلطان وكريمة مختار، ورسمت الشاشة صورًا متنوعة للأم المصرية، ما بين الحنون، القوية، المتسلطة، والمضحية، وكذلك لعب الأدب المصري دورًا محوريًا فى تشكيل هذه الصورة، كما ظهر فى ثلاثية نجيب محفوظ، التي قدمت نماذج متعددة عن شخصية الأم، فى هذا التقرير، نستعرض آراء النقاد حول صورة الأم فى الأعمال الفنية:
فى البداية ترى الناقدة ماجدة خيرالله، أن دور الأم فى السينما المصرية مر بمراحل متعددة، بدأت بالصورة التقليدية للأم التي تربى أبناءها، ثم ظهرت الأم المكافحة، من خلال شخصيات عديدة أبرزهن فردوس محمد وأمينة رزق، ثم تطورت الصورة لاحقًا إلى الأم العصرية، التي قد تكون موظفة وتتحمل مسؤولية أسرتها، كما جسدت الفنانة فاتن حمامة فى فيلم «إمبراطورية ميم»، إذ قدمت نموذجا للأم المثقفة ذات المكانة الاجتماعية، التي تواجه تحديات كبيرة دون وجود رجل فى حياتها، لكنها تنجح فى حماية أسرتها.
وأضافت خيرالله: «هناك أيضا نموذج للأم الفقيرة، كما قدمته الفنانة شادية فى فيلم «لا تسألنى من أنا»، حيث اضطرت إلى منح إحدى بناتها لعائلة غنية مقابل مساعدتها فى تربية باقى أطفالها،هذا نوع آخر من الأمومة يتطلب تضحيات صعبة».
وأشارت، إلى أن هناك أدوارًا بارزة فى الدراما المصرية، أبرزهن هدى سلطان فى «الوتد»، وكريمة مختار التي قدمت نموذج الأم المثالية، بالإضافة إلى يسرا فى «أين قلبى»، حيث رأينا أشكالًا مختلفة من الأمهات ينتمين لبيئات اجتماعية وثقافية متنوعة، بالإضافة إلى الأم الشابة وهى الفنانة دينا الشربينى فى مسلسل»كامل العدد»، فرغم صغر سنها، استطاعت الحفاظ على تماسك أسرتها ورعاية أطفالها.
وعن وجود فكرة تتمنى تقديمها كمؤلفة فى عمل فنى، قالت خيرالله: «هناك أمهات لم يتم ذكرهن فى تاريخ السينما والدراما، مثل المرأة العاملة فى البيوت ولديها أربعة أبناء، هذه السيدة لاتكتفى برعاية أولادها فقط، بل تتحمل مسؤولية أحفادها أيضًا، خاصة عندما يتخلى عنها زوجها، هذه السيدة أدهشتنى لأنها نموذج متكرر فى المجتمع، إلا أنها لم تحظَ بالاهتمام الكافى فى الأعمال الفنية، وإذا كتبت يومًا عن الأم، فأعتقد أن هذه المرأة تستحق أن يكون لها عمل فنى يبرز معاناتها وتضحياتها».
ومن جانبه، قال الناقد طارق الشناوي:»شاهدت أمينة رزق وهى تمثل على مسرح الهناجر، وقد تجاوزت التسعين عامًا، حيث جسدت دورًا فى مسرحية «شهرزاد»، وهى ميلودراما مسرحية، وشعرت وقتها بطاقة وأداء فنانة شابة، إيقاعها يبدو عصرى، لأنها كانت تمتلك مفاتيح الأداء الدرامى المتجدد، وهو ما جعلها قادرة على التألق حتى سنواتها الأخيرة».
وأشاد الشناوى، بالفنانة كريمة مختار فى دور ماما نونا والذي يعتبر واحدًا من أهم الأدوار فى تاريخ الدراما المصرية، مضيفًا: «الفنانة كريمة مختار قدمت دورًا راقيًا فى تاريخ الدراما والسينما أيضًا، وكذلك الفنانة سميرة أحمد، لكن تبقى أمينة رزق هى الأم التي اخترقت الشاشة ووصلت إلى قلوب الجمهور المصري، ورغم أنها لم تتزوج ولم تمارس الأمومة بمعناها الحقيقى، فإنها استطاعت أن تجسدها بصدق لدرجة جعلتنا نصدقها فى كل أدوارها».
وعلق الشناوى عن صورة الأم فى ثلاثية نجيب محفوظ قائلًا: «شخصية أمينة كانت مختلفة تمامًا، حيث ارتبطت بالسيد عبد الجواد وكان هناك تناقض كبير بينهما فى كل شىء، هذه الشخصية كانت حالة روائية خاصة، وتفوقت الفنانة آمال زايد فى تجسيدها ببراعة، لكنها ظلت حالة أدبية ودرامية لهدف أو معنى كان يريد أن يوصله الكاتب نجيب محفوظ».
وأوضح الناقد محمود قاسم، أن السينما المصرية قدمت عبر أجيالها المتعاقبة العديد من النجمات اللواتى تألقن فى تجسيد دور الأم، وكانت فردوس محمد من أبرزهن، حيث يعتبرها «أم السينما المصرية» بلا منازع، نظرًا لقدرتها على تقديم صورة الأم المصرية التقليدية بواقعية كبيرة، من خلال أدائها الطبيعى وبساطتها فى التمثيل.
وأضاف قاسم: «أقوم حاليًا بكتابة مجموعة مقالات بعنوان أمهات جميلات فى السينما المصرية، والتي تتناول نجمات بدأن حياتهن الفنية فى أدوار الفتيات الأرستقراطيات، أبرزهن شادية، فاتن حمامة، ومريم فخر الدين، ثم انتقلن إلى تقديم أدوار الأمهات، مع احتفاظ كل فنانة بأسلوبها وسحرها الخاص ،فعلى سبيل المثال، قدمت فاتن حمامة نموذج الأم القوية والمثالية فى فيلم «إمبراطورية ميم»، بينما جسدت أمينة رزق شخصية الأم العاطفية وكذلك الأم القوية فى آنٍ واحد، كما رأيناها فى فيلم بائعة الخبز».
وتابع: «أحب أن أهنئ أمًا حقيقية ليست فقط على الشاشة، بل فى الواقع أيضًا، وهى مارى كوينى، فبعد وفاة زوجها المخرج أحمد جلال، حافظت على استوديو جلال، وتولت تربية ابنها نادر جلال، الذي أصبح مخرجا معروفا، بل إنها أيضا أنتجت له فيلمه الأول بعنوان «ولدى»، الذي قام ببطولته الراحل أحمد زكى، وكانت دائمًا سندًا له طوال مشواره الفنى، هذه هى أم مثالية فى السينما المصرية وفى الحياة أيضًا».
وعلق قاسم عن صورة الأم فى ثلاثية نجيب محفوظ، قائلا: «أتذكر صديقة أمريكية، وهى أستاذة أدب فرنسى، قرأت الثلاثية وقالت لي: هل لديكم أمهات بهذا الشكل فى الواقع؟!، والحقيقة أننى لا أفضل هذه الصورة للأم، لأنها تبدو بعيدة عن الواقع إلى حد كبير».
وعند الحديث عن صورة الأم فى الدراما، يرى قاسم أن الفنانة هدى سلطان فى مسلسل «الوتد»، وكريمة مختار بدور ماما نونا فى «يتربى فى عزو»، كانتا من أبرز المحترفات فى تجسيد دور الأم فى الدراما المصرية، مستطردا: «بالنسبة لكريمة مختار، كان أول أدوارها كأم كان فى فيلم «ثمن الحرية»، المقتبس عن المسرحية الفرنسية بعنوان مونتسيرات، ثم قدمت العديد من الأعمال المهمة أبرزهما الحفيد وبالوالدين إحسانًا، وكانت بالفعل تجسيدًا للأم المثالية بشكل وأداء أكثر من رائع».
وتابع قاسم «فى الوقت الحالى، أرى أن الفنانة منى زكى قدمت دور الأم بشكل رائع فى مسلسل «لعبة نيوتن»، حيث استطاعت تجسيد صورة الأم المعاصرة التي تواجه تحديات مختلفة».
واختتم قاسم حديثة قائلاً:»ولا يمكننا أن ننسى أيضًا السيدة العظيمة دولت أبيض، التي أبدعت فى تجسيد دور الحفيدة والأم فى العديد من الأعمال، وتركت بصمة لا تُنسى فى تاريخ السينما المصرية».