الإثنين 16 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر وروسيا.. «شراكة استراتيجية شاملة»

شهدت العلاقات المصرية ــ الروسية تناميا فى العديد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية فى ظل تفعيل الشراكة الاستراتيجية الشاملة.



من المنطقة اللوجستية بقناة السويس إلى محطة توليد الطاقة النووية السلمية بالضبعة، إلى المشروعات الاقتصادية والاستثمارية، والتفاهمات حول ملفات القضايا الدولية، فى ظل توازن مصر الاستراتيجى فى علاقاتها الخارجية.

فخلال العقد الماضى، نسجت مصر علاقات استراتيجية مع كل من روسيا والصين، وفتحت قطاعات اقتصادها الواسعة لاستثماراتهما، وسهلت استخدام العملات المحلية فى التبادلات التجارية الثنائية، فهذه الروابط ليست وليدة اللحظة، لكنها باتت تكتسب أهمية متزايدة فى ظل التحولات الدولية والإقليمية.

وتبنى روسيا محطة نووية ضخمة فى المنطقة الغربية من البلاد، وتقيم مركزًا صناعيًا كبيرًا بالقرب من قناة السويس، إلى جانب تدفق السلع الروسية إلى الأسواق المصرية.

ولقد تطورت العلاقات المصرية الروسية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وشهدت زخمًا كبيرًا على كل الأصعدة والمستويات سواء سياسى واقتصادى، وظهر ذلك جليًا  منذ ثورة 30 يونيو 2013، فالعلاقات المصرية - الروسية شهدت نقلة جديدة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، إذ أعلنت موسكو مرارًا أن مصر هى أكبر حليف استراتيجى لموسكو بالمنطقة.

وتتميز العلاقات بين البلدين بالتعاون الاستراتيجى فى مختلف المجالات، ويعكس هذا التعاون المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين البلدين، ويأتى فى إطار السياسة الخارجية المصرية التى تهدف إلى تنويع الخيارات وتعزيز الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية ، ويأتى ذلك فى ظل التطورات الإقليمية والدولية والتحديات المشتركة التى تجابه البلدين.

 ومع الظروف الدولية التى يغلب عليها عدم الاستقرار والاضطرابات ازدادت قوة ومتانة العلاقات بين القاهرة وموسكو ارتباطًا وثيقًا، إذ كان لتلك الظروف السياسية دور كبير فى التقارب بين البلدين الحليفين.

وتنعكس قوة العلاقات بين البلدين من خلال الزيارات المتبادلة بين قيادتى البلدين، وآخرها زيارة الرئيس السيسى إلى موسكو للمشاركة فى احتفالات عيد النصر، تلبية لدعوة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

 وفى السياق نفسه، عززت كل من مصر وروسيا تعاونهما الاقتصادى من خلال مذكرات تفاهم فى مجال الاستثمار والتعاون الدولى، خاصة فى إطار عضوية كليهما فى مجموعة بريكس كما تعد المنطقة الصناعية المصرية الروسية من الفرص الاستثمارية الواعدة.

وفى عام 2015 وقّعت الحكومة المصرية والروسية اتفاقية تعاون تقضى بإنشاء موسكو أول محطة نووية تضم أربعة مفاعلات لإنتاج الطاقة الكهربائية فى منطقة الضبعة،  ويتضمن العرض الروسى، أفضل الأسعار التمويلية الخاصة بأفضل تمويل وفترة سماح أو فائدة.

ويعتبر مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية إنجازًا كبيرًا يعكس الجهود المصرية فى مجال الطاقة النووية فمصر تمثل الشريك التجارى الأول لروسيا فى أفريقيا، بنسبة تعادل 83% من حجم التجارة بين روسيا والدول الإفريقية غير العربية.

 ووصل عدد الشركات الروسية فى مصر إلى 467 وهى تعمل بمجالات مختلفة مثل البترول والغاز، كما أن المنطقة الصناعية الروسية فى مصر يتوقع أن تضخ استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وتوفر 35 ألف فرصة عمل.

كما يمثل المشروع الصناعى المصرى الروسى فى شرق بورسعيد خطوة نحو انطلاقة استثمارية واعدة، تجعل من مصر منصة محورية للمنتجات الروسية فى الأسواق العالمية.

وسياسيًا، تتسم العلاقات المصرية الروسية بأنها نموذج للتكامل السياسى والاقتصادى يخدم مصالح البلدين ويعزز الاستقرار الإقليمى والدولى فى ظل الصراعات والاضطرابات التى تؤثر سلبًا على الأمن والاستقرار الإقليميين، والعلاقات المصرية الروسية متجذرة منذ عقود طويلة، فمصر كانت من أوائل الدول التى أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية عقب انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، وطوال السنوات الماضية اكتسبت العلاقات بين البلدين زخمًا استثنائيًا رغم التحديات الإقليمية والدولية.

وحقق التعاون بين مصر وروسيا نتائج ملموسة عادت بالنفع على الطرفين، حيث شهدت الفترة الأخيرة توقيع صفقات كبيرة فى المجالات العسكرية والتنموية، مما يعكس نموًا فى الاستثمارات بين الدولتين، فروسيا ترى فى مصر شريكًا استراتجيًا هامًا بفضل دورها الإقليمى الفاعل مع دول الجوار، خاصة فى مناطق التوتر مثل سوريا وليبيا، مما يعزز التعاون المشترك ويفتح آفاق جديدة للتعاون الاستراتيجى بين البلدين.

وتتشارك مصر وروسيا فى العديد من المواقف حول القضايا الإقليمية، مثل مكافحة الإرهاب والاستقرار فى الشرق الأوسط، كما أن هناك تعاونًا أمنيًا وعسكريًا بين البلدين.

وفى سياق متصل، ازدهرت العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا من خلال التبادل فى مجالات الفنون والعلوم والتعليم، إذ أن العديد من الطلاب المصريين يتلقون تعليمهم فى روسيا، وتوجد برامج تبادل طلابى تعزز التفاهم والتعاون بين البلدين، وبشكل عام تتميز العلاقات المصرية الروسية بقوتها وتنوعها، وتستند إلى تاريخ طويل من التعاون المشترك والاحترام المتبادل، مما يعزز الروابط بين الشعبين ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون فى مختلف المجالات.

«أهم المشاريع» بين البلدين

منطقة تجارة حرة

أكد وزير الصناعة والتجارة الروسى أنطون أليخانوف أن إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الاقتصادى الأوراسى سيمثل المحرك الرئيسى لنمو التبادل التجارى بين روسيا ومصر، مضيفًا أنه رغم الديناميكية الإيجابية فى التجارة، لا تزال هناك إمكانات كبيرة لزيادة حجم وتنويع التبادل التجارى بين البلدين، ويجب أن يكون التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوراسى المحفز الرئيسى لهذا النمو.

سيارات لادا

أكد رئيس شركة «أفتوفاز» الروسية ماكسيم سوكولوف، أن مصر على الطريق لتصبح  مركزًا للتوسع الإضافى لمنتجات «أفتوفاز» فى دول القارة الإفريقية، منوهًا بأن مصر تعد من الدول الصديقة لروسيا وتتمتع الدولتان بصداقة قوية، ونهدف من خلال شركة «الأمل» الممثل لـ«أفتوفاز» فى مصر استعادة الإنتاج والتصنيع، وتتوقع شركة «أفتوفاز» الروسية استئناف إنتاج سيارات «لادا» فى مصنع الأمل فى مصر، حيث تتحدث الشركة عن إنتاج السيارات من طراز «جرانتا» فقط.

مشروع الضبعة النووى

يشهد مشروع محطة الضبعة النووية فى مصر تقدمًا ملحوظًا، حيث تم إنجاز 21.4% من المشروع، الذى يتضمن بناء 4 مفاعلات نووية بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، وتستهدف مصر وروسيا تسريع العمل بالمشروع وتسليم أول مفاعل فى عام 2028.

والمحطة مزودة بمفاعلات الماء المضغوط من الطراز الروسى من الجيل الثالث المطور، التى تعد أحدث التقنيات، والمطبقة بالفعل بمشاريع تعمل بنجاح فى الوقت الحالى، حيث هناك أربع وحدات طاقة نووية قيد التشغيل من هذا الجيل، بحسب هيئة الطاقة النووية فى مصر.

المنطقة الصناعية الروسية  

40 % من المعاملات التجارية بين البلدين تسوى بعملات أخرى بخلاف اليورو والدولار، حيث وقعت روسيا ومصر اتفاقًا بشأن الحق طويل الأجل فى استخدام قطعة أرض داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك فى إطار إنشاء منطقة صناعية روسية على الأراضى المصرية، حيث ينظم الاتفاق الشروط التجارية لاستخدام الأرض وفق صيغة «حق الانتفاع».

وتم توقيع الوثيقة بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركة روسية خاصة تم تأسيسها مؤخر، ستتولى دور المطور للمشروع.

التعاون فى مجال الطاقة

اتفقت روسيا ومصر على زيادة إمدادات الطاقة وتوسيع مشاركة شركات النفط والغاز الروسية فى مشاريع جديدة، من خلال زيادة إمدادات النفط إلى مصر وتوسيع مشاركة شركات النفط والغاز الروسية فى مشروعات جديدة لإنتاج الهيدروكربونات.

كما أعلنت مجموعة الشحن والنقل الروسية العملاقة «فيسكو» إطلاق خط شحن مباشر بين روسيا ومصر، حيث تعتبر»فيسكو»  أكبر شركة نقل فى روسيا ولديها أكبر أسطول بحرى فى البلاد وستصبح جسرًا بين الاقتصادين الروسى والإفريقى، بما فى ذلك دول المغرب العربى وشمال إفريقيا ككل.

من جانبه، قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن العلاقات المصرية الروسية شهدت فى السنوات الأخيرة تطورات إيجابية للغاية فى عدة مجالات خاصة فى مجال المشروعات والتعاون، على سبيل المثال مشروع الضبعة وهو مشروع ضخم جدًا، لتوليد الطاقة الكهربائية بالمفاعلات النووية، مشيرًا إلى أن روسيا قدمت عرضًا مغريًا لتمويل المشروع من بدايته حتى إتمامه، وهذا سيقوى العلاقات بين البلدين لقرابة ثلاثة أو أربعة عقود أو ربما يزيد، على أساس التعاون الفنى فى المشروع، واستيراد المادة النووية التى يدار بها المشروع، أو التخلص من النفايات من المفاعل، وهو مشروع عملاق جدًا.

 وأضاف «رخا»، إن هناك مشروعًا آخر يعكس التعاون المصرى الروسى، هو مشروع المنطقة الحرة فى قناة السويس، إذا بدأت روسيا العمل فيه سيكون من المشروعات الضخمة الاستثمارية التجارية لروسيا فى الشرق الأوسط، وبحسب الدراسات فإن إنتاجه يغطى ليس فقط مصر، انما أيضًا دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى التبادل التجارى بين البلدين والتعاون العسكرى، حيث تستورد مصر الكثير من الأسلحة من روسيا، وبالتالى فإن هناك استمرارًا للتعاون فى استيراد قطع الغيار وتحديث الأسلحة بالتكنولوجيا الحديثة وتطويرها والحصول على الأسلحة الجديدة سواء فى مجال السلاح الجوى أو المدفعية والصواريخ. 

وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أهمية التعاون المصرى الروسى فى الجانب السياسى، حيث أن هناك مواقف روسية إيجابية من كل القضايا العربية، تتوافق مع الدول العربية ومع مصر بشكل خاص فى موقفها من التركيز على ضرورة حل الأزمات العربية وفقًا لقرارات الأمم المتحدة بالوسائل السلمية وإنهاء الصراعات فى المنطقة والاتجاه نحو التنمية الشاملة سواء الاقتصادية أو البشرية، وهذا ينعكس فى أن روسيا عضو دائم فى مجلس الأمن، وتصويتها دائمًا يكون لصالح المشروعات التى تقدم للمجلس إلا إذا رأت فى هذه المشاريع ما يضر بالمصالح أو القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية. 

 من جانبه قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن التنامى الذى يحدث بين البلدين أمر طبيعى بسبب العلاقات الوثيقة بين الرئيس السيسى وبوتين، وتدرج طبيعى من 2014 حتى اليوم، وتقدير من روسيا لدور مصر فى الشرق الأوسط حيث أن روسيا تدرك الدور السياسى لمصر فى المنطقة وأهميتها الاستراتيجية، ومصر أيضًا تدرك دور روسيا فى إعادة تشكيل النظام العالمى ودورها الاقتصادى. 

وأكد «سلامة» فى تصريح خاص لجريدة «روزاليوسف» أن ما يحدث من تعاون مشترك بين البلدين دليل على كفاءة العلاقات الدبلوماسية المصرية التى تعمل على جذب استثمارات وتعاون اقتصادى كبير للاستفادة من دولة بحجم روسيا.