الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فرانشيسكا ألبانيز سيدة كسرت صمت العالم

«لا يمكننا أن نسمح بأن تُبث الإبادة على الهواء ثم نعتادها. هذا ما لا يجب أن يحدث»، هكذا فى عالم تسيد فيه الصمت كل المحافل الدولية ، وطغى فيه صوت المصالح على آهات الضحايا، علا صوت فرانشيسكا ألبانيز.



  فى زمن تبلّد فيه الضمير الإنسانى أمام مشاهد البث المباشر للإبادة، ظهرت  فرانشيسكا كمثال نادر للضمير الحى فى زمن الخوف.

  ليست مجرد خبيرة قانون دولى أو موظفة فى منظمة أممية، بل امرأة اختارت أن تصوغ القانون بروح الإنسان، وأن تقف فى صف الحقيقة مهما كلفها ذلك.

بملامحها الإيطالية ولهجتها القانونية الصادقة،اعتلت المنصات الدولية لتقول ما يخشاه كثيرون، بأن الاحتلال الإسرائيلى نظام استعمار، والشراكة فى الصمت عليه هى خيانة للقيم التى تأسست عليها الأمم المتحدة.

«ألبانيز» بدأت مسيرتها من مكاتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين، لكن طموحها لم يكن مكتبيًا، كانت تريد أن تكون فى قلب المعركة الأخلاقية التى يخوضها العالم تجاه القضية الفلسطينية، وعندما تسلمت منصب المقررة الخاصة لحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، لم تكن تبحث عن مجد وظيفى، بل عن دور حقيقى، إذ اختارت أن تُنصت لصوت من لا صوت لهم، أن تكتب باسم المحاصرين، وأن توثق الحقيقة كما هى، لا كما يراد لها أن تُروى.

قوة «ألبانيز» ليست فى صرامة لغتها القانونية، بل فى دفء نبرتها حين تتحدث عن أطفال غزة، عن كرامة الفلسطينى المحاصر، عن اللاجئ الذى يحمل مفتاح بيته فى يده منذ سبعين عامًا.. تستند تقاريرها إلى القانون الدولى، لكن روحها منحازة للإنسان.

فرانشيسكا رفضت أن تكون «محايدة» فى وجه الجريمة، وقالت بوضوح: «الصمت أمام الظلم خيانة للعدالة».

لم تتأخر الولايات المتحدة فى الرد على جرأتها، عقب تقريرها الذى فضح السياسات الإسرائيلية والأمريكية، واجهت حملة منظمة، مطالبة بإقالتها، وإدراجها على قوائم العقوبات، واتهامها بمعاداة السامية، لكن «ألبانيز» لم تتراجع، بل كتبت على منصة «إكس» تقول: «ما يحدث هو ترهيب مافياوى. وسأواصل تذكير الدول بالتزاماتها القانونية تجاه الإبادة الجماعية».

فرانشيسكا لم تكتفِ بذلك، بل وجهت تساؤلات صريحة لحكومات أوروبية سمحت لطائرات نتنياهو -المطلوب للعدالة الدولية - بالتحليق فى أجوائها.

وسط كل هذا الهجوم، كانت هناك أيضًا موجات دعم دولى، إذ دعا عضو البرلمان الأوروبى ماتياز نيميتش إلى ترشيحها لجائزة نوبل للسلام لعام 2026، مؤكدًا أنها أصبحت «صوت الملايين»، واصفًا تقاريرها بأنها «رصينة، موثقة، ولا يمكن تجاهلها».

«نيميتش» رأى فيها توازنًا أخلاقيًا نادرًا فى وجه نفاق السياسات الغربية، خاصة أن دفاعها عن غزة والضفة لم يكن مجرد موقف حقوقى، بل مقاومة ناعمة ومؤثرة ضد التطبيع مع الجريمة.

فى تقريرها الأخير، ذهبت «ألبانيز» أبعد من مجرد توصيف الجرائم، لتتحدث عن الشركات العالمية التى تجنى أرباحًا من العدوان على غزة، وتفتح ملفًا مسكوتًا عنه فى الدوائر الاقتصادية الدولية: «اقتصاد الإبادة الجماعية»، وكانت رسالتها واضحة: «من يدعم العنف ليس فقط من يمارسه، بل من يستفيد منه أيضًا».

فرانشيسكا ألبانيز ليست فقط شاهدة على المأساة، بل شريكة فى معركة الكرامة، لا تحمل سلاحًا، بل قلمًا، لا ترفع شعارات، بل تكتب تقارير تستند إلى القانون، وتصرخ باسم الحق فى وجه القوة.