
محمد صلاح
ما وراء السطور
الانتماء إلى مؤسسة «روزاليوسف» كان حلمًا داعب خيال أبناء جيلى، مثلما راود أجيالًا قبلنا وأخرى بعدنا، فالمؤسسة التى ولدت من رحم معارك التنوير والثقافة فى عشرينيات القرن الماضى، لم تتوقف يومًا عن أداء رسالتها، كانت دائمًا مدرسة فريدة فى فنون الصحافة، وصوتًا سابقًا لعصره، ومصنعًا للرأى والانفرادات التى شغلت اهتمامات الرأى العام، وقدمت للوطن رؤى جريئة للمستقبل.
مهابة المكان كانت تسبقنا، نشعر برهبة عندما نمر أمام أبوابها وأسوارها، ونبطئ خطانا مهابة واحترامًا، علنا نظفر بلقاء عابر مع أحد عمالقة المهنة ووجوهها المضيئة ممن كتبوا بالحبر مجدًا، ومن الورق ساحة لمعركة الحقيقة.
مع ميلاد الإصدار الثانى من جريدة «روزاليوسف» اليومية على يد الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ عبد الله كمال، ورغم أننى كنت عضوًا بنقابة الصحفيين وأعمل بمؤسسة دار التحرير، إلا أننى حرصت على تحويل الحلم تدريجيًا إلى واقع، لم يكن لقائى الأول به عاديًا، فقد جاء بحضور الصديقين العزيزين مصطفى رجب وعماد سيد أحمد، كانت الجلسة الأولى مشبعة بالود والتقدير، ألهمتنا وشحذت فينا الهمم، لتكون البداية الفعلية فى مسيرة حافلة بالشغف، عنوانها الثقة ومفتاحها الإيمان بأن العمل فى صاحبة الجلالة رسالة لا تؤدى إلا بالحب.
بعد وقت قصير، توليت رئاسة قسم الأخبار، ومن قلب صالة التحرير، كانت الانفرادات تتوالى، تهز أركان المكاتب العليا، وتوقظ عيون المسئولين فى الوزارات والهيئات، وملفات صحفية كان هدفها وعنوانها الرئيسى الدفاع عن مقدرات الوطن.
وبتعاون زملائى، الذين صاروا فيما بعد من نجوم الإعلام، وصناع الرأى، صنعنا معًا مجدًا يوميًا، وتفوقنا على صحف كبرى، وحققنا ما لم يتوقعه أحد، وكان الراحل العظيم الأستاذ عبد الله كمال، الرجل الذى يقرأ ما وراء السطور، يؤمن بنا، ويعترف بأن قسم الأخبار، كان مميزًا وحقق إنجازات عظيمة شأنه شأن باقى الأقسام، حيث كنا جميعًا نعزف سيمفونية واحدة، ولذلك كان النجاح حليفنا.
كان الاجتماع الصباحى لقسم الأخبار موعدًا يوميًا للعصف الذهنى، والمنافسة الإيجابية، تليه اجتماعات مجلس التحرير، بمتابعة دقيقة من الأساتذة الكبار محمد عبد النور، حازم منير، طارق حسن، ومحمد حمدى وسمير راضى - رحمهم الله - الذين تركوا لنا إرثًا مهنيًا وشخصيًا نعتز به.
تعلمنا من الأستاذ عبد الله كمال ما لم نتعلمه فى قاعات الجامعة، تعلمنا أن الصحافة لا تعترف بنصف الحقائق، وأن الانفراد لا يأتى صدفة، وأن من يعمل معك يستحق الدعم لا التهميش، والثقة لا الشك، وأن على الصحفى أن يرى ما لا يراه الآخرون، ليكون مرآة الحقيقة.
عندما أعود بذاكرتى إلى تلك السنوات، أتذكر تلك الوجوه الشابة التى جاءت من قراها بأحلام كبيرة، وملامح لا تعرف التعب، تبحث عن فرصة لصنع الفارق، لم نبخل عليهم بخبرتنا وكنا لهم ظهرًا وسندًا.
واليوم، وبعد عشرين عامًا على انطلاق الإصدار الثانى من جريدة «روزاليوسف» اليومية، لا أملك إلا أن أقول: «طوبى لمن مر من هنا، وخرج منها محملًا بوهج التجربة، وفروسية القلم، وبوصلة الحقيقة».
مدير تحرير جريدة روزاليوسف