
عصام عبد الجواد
غدر الذكاء الاصطناعى
البيضة والحجر كانت أشهر ألاعيب الدجالين والمشعوذين فى السينما المصرية فى القرن الماضى لإثبات مصداقية صاحبها أمام من يأتون إليهم لتحقيق مطالبهم، ولكن مع تطور الزمان وتطور التكنولوجيا بات الأمر يقتصر على جهاز كمبيوتر وصور ومقاطع صوتية قصيرة لكى يتمكن من استحضار الأموات ومحاكاتهم مرة أخرى بالصوت والصورة بالذكاء الاصطناعى وبرامجه المرعبة، مما جعل الأمر أكثر رعبًا من التعامل مع الجن والعفاريت والدجالين والمشعوذين.
ففى الأيام الماضية أصيب العالم أجمع بصدمة كبيرة عندما شاهد فيديو لا يتعدى مدته ثلاث دقائق لجيسكا مدربة الحيتان فى صالة عرض ضخمة وأمام جمهور كبير وهى تقفز فى الهواء وفى الماء مع أحد أكبر وأضخم وأشرس الحيتان الذى ربته ودربته منذ سنوات عديدة، عندما كان صغيرًا وارتبطت به، وارتبط بها بشكل كبير، إلا أنه هذه المرة عندما طارت فى الهواء فتح فمه وسقطت فى بطن الحوت مباشرة ولم يتوان الحوت فى بلعها وهضمها أمام الجميع، ورغم محاولات إنقاذها إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل، وأصبح خبر مقتل جيسكا على يد حوتها حديث الكرة الأرضية من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها والكل يطالب بمحاكمة الحوت أو إطلاق سراحه فى أحد المحيطات، وبعد أن تحول الأمر إلى تريند عالمى وصلت مشاهدته إلى ملايين ضخمة من المشاهدين، اكتشف العالم أن ما حدث ما هو إلا خدعة كتب لها السيناريو والحوار والإخراج الذكاء الاصطناعى بدقة، وأن ما حدث ليس له وجود على أرض الواقع، وليس هناك مدربة فى الأصل تدعى جيسكا، وأن الواقعة لم تحدث على الإطلاق، الأمر الذى أذهل الجميع من قدرة الذكاء الاصطناعى فى تزييف الواقع والحقائق معًا، فبرامج الذكاء الاصطناعى أتاحت لأى شخص أن يعطيها صورة ومقطعًا صوتيًا لشخص متوفى مثلًا لكى يتعرف على طبيعة صوته ومخارج ألفاظه ويبدأ التعرف عليها ليستطيع أن يولد منهما فيديو متحركًا، وتقليد نفس طبيعة صوت الشخص الأصلى، مما يجعل أى شخص يستطيع عمل محادثة معه من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة عن تعبيراته الإنسانية، ومن هنا تبدأ المحاكاة مع الشخص المتوفى، ويزداد أكثر دقة بعد أن يقوم الشخص بإدخال معلومات أكثر عن الشخص المتوفى مثل تعبيراته الإنسانية وطريقة تفكيره ومعتقداته وثقافته وتعليمه بحيث يستطيع محاكاة لجزء من شخصية المتوفى ويتخيل أنه يستحضر روحه ويتحدث معها ،ولكن فى الواقع هو مجرد تلاعب بالبرامج الإلكترونية.. وهذا أمر خطير جدًا فرغم أن الذكاء الاصطناعى تقدم علمى مذهل له مكاسبه الكبيرة التى يستطيع أن يستفيد منها الإنسان وتستفيد منها البشرية، إلا أن مثل هذه الأشياء لها خطورتها الكبيرة وأضرارها النفسية والمادية، فهناك من شاهد فيلم جيسكا وعرف بقصتها، ولم يقرأ بعد ذلك أن القصة ذكاء اصطناعى ليس لها حقيقة فى الواقع، وكذلك استحضار الموتى وغيرها من الأشياء التى ليس له أصل على أرض الواقع، لذلك علينا جيدًا أن ننتبه لمثل هذه الألاعيب، وعلينا أن ندرب ونعلم أولادنا طريقة استخدام الذكاء الاصطناعى الذى أصبح علمًا مهمًا جدًا يمكن أن نستفيد منه فى كل نواحى الحياة بطريقة علمية سليمة بعيدًا عن الدجل والشعوذة. حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا.