السبت 20 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الحرب على  المسرح المصرى

الحرب على المسرح المصرى

أثناء متابعتى لتحضيرات الموسم المسرحى الشتوى القادم لاحظت تكرر اعتذار عدد من الممثلين المسرحيين المختصين أصحاب التجربة المسرحية التراكمية لعدد من الزملاء المخرجين الذين حاولوا بدء ترتيبات تكوين فريق العمل، معظم هؤلاء ليسوا من نجوم الصف الأول فى السينما والدراما التليفزيونية، لكنهم بموهبتهم ونورهم ونجوميتهم زاد المسرح المصرى بجوار الموهوبين الجدد فى المسرح المصرى وأعضاء فرق مسرح الدولة. 



وتقصيت الظاهرة فعلمت أن التحضير لموسم الدراما التليفزيونية قد بدأ، وأن توقيع العقود مع النجوم يضع شرطًا للتفرغ تمامًا للتمثيل بالدراما المتعاقد عليها. 

كما يتضمن العقد بندًا بالاستئذان للارتباط بأعمال أخرى، وعلى رأسها المسرح، فالممثل المرتبط بمسرحية يتم عرضها فى الموسم يكاد يضع نفسه فى موضع الاستبعاد من الموسم الدرامي. 

البعض يردد أيضاً أن العقود تتضمن شرطًا بالتواجد فى ذات اليوم الذى يتم الاتصال فيه بالممثل كى يحضر لموقع التصوير. 

الأمر إذًا يتعلق بالحضور الفورى وفقًا لأمر العمل فى ذات اليوم. 

المدهش أيضا أن تلك البنود الجديدة والأعراف الجديدة على ما بها من تصور يضمن تفرغ الممثل للعمل الدرامى المتعاقد عليه، إلا أنه يحمل نوعًا مهنيًا قاسيًا من ضمان انتظام العمل، يكاد يساهم فى توقف الأعمال الأخرى فى المسرح خاصة، بل فى السينما أيضًا والتى أصبحت تنتظر مثلها مثل المسرح انتهاء موسم الدراما التليفزيونية. 

كانت الدراما التليفزيونية تسير وفقاً لخطط عمل منتظمة تسمح للممثلين المشاركين بمعرفة جداول التصوير ونوع المشاهد وترتيبها، بل كانت هناك جلسات قراءة جماعية لكل المشاركين مع المخرج. 

لم يكن ممكنًا استدعاء فنان من البيت ليحضر فى نفس اليوم لينفذ مشاهد تم اقتراحها عليه فجأة. 

أما أن يفكر صناع الدراما التليفزيونية والتى تحتشد جميعها للعرض فى شهر رمضان هذا التفكير الذى يرى المسرح مسألة تعطل عملية التصوير، فهذا أمر بلا شك ضد المسرح المصرى الذى يعانى أزمات عديدة، وحديثى هنا عن المسرح المحترف، وليس عن المهرجانات المتصلة المحتشدة بأعداد كبيرة من الجدد.  

ولذلك فقد بدأ المخرجون المسرحيون فى حصر الممثلين الذين هم خارج سباق الدراما التليفزيونية، كى يقوموا بعملية ترشيح الأدوار، مما يقلل قدرتهم وفرصتهم فى تكوين فريق عمل محترف بوجوده يعرفها الجمهور العام. 

أما العمل بالجدد الذين لا رصيد جماهيرى لهم فهو البديل المتاح لصناع الأعمال المسرحية.

وعندما يثبت أحدهم جدارته يصعد إلى عالم الدراما التليفزيونية بأجورها المرتفعة تاركًا عالم المسرح الذى أصبح كفاحًا مجهدًا من أجل الفن فقط. 

كانت الأعراف المهنية تعمل وفقًا لقاعدة أن التصوير عند الممثل يؤجل التدريب، أما العرض وميعاده فهو ثابت يقوم فريق العمل فى التصوير بضبط جدول العمل خارج ميعاد العرض، والعرض عادة ما يكون ساعتين فى فترة المساء فقط. 

هكذا عمل نجوم مصر فى فترة ازدهار المسرح والسينما والدراما التليفزيونية، عندما لم تكن الفنون التعبيرية تعمل كل منها فى عالم منفصل، فقد كان الجميع فى حالة تفاعل دائم.  

ولكن حقاً ولأن معظم رؤوس الأموال الكبرى تدور فى الدراما التليفزيونية فقد أصبحت هى المجال الأكثر جذباً للفنانين من حيث الأجور والانتشار الجماهيرى، وتأتى السينما والمسرح فى مرتبة تالية لها، ويمكن ملاحظة ذلك فى الأفلام السينمائية الأخيرة، كما يمكن ملاحظة ذلك فى العروض المسرحية فى مواسم عدة سابقة، إلا أن هذا العام ومع تراجع ميزانيات العروض المسرحية فى المؤسسة الرسمية يظهر هذا العامل المضاد الجديد ليصنع حصارًا قاسيًا للمسرح المصري. 

حقاً يجب التوقف عن جعل الدراما التليفزيونية فعلاً إنتاجياً يؤثر بالسلب على الفنون التعبيرية المصرية، وخاصة المسرح المصرى. 

ذلك لأن ازدهار المسرح والسينما حقًا هما ضرورة لازدهار الدراما المصرية ككل، وهو أمر متصل بمسألة عدم تصوير العروض المسرحية الجادة معرفيًا وجماليًا، وعدم عرضها تليفزيونيًا. 

أما المسرح المصرى الذى بات يتلقى الضربات من كل اتجاه فتلك آخر ضربة قوية تهدد الموسم المسرحى القادم، بينما تبقى الفنون الدرامية المصرية جميعها تحتاج لتفكير مشترك ولخطة موحدة جماعية الطابع، فالفنون التعبيرية المصرية لا يمكن أن تترك فى يد مديرى الإنتاج بمفردهم، لأننا لسنا فى حرب ضد المسرح المصرى، وليست الفنون التعبيرية المصرية ضد بعضها البعض، بالتأكيد فهى فنون تكاملية الطابع تصنع قوة مصر الناعمة.