الإثنين 22 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رسائل مصر الحاسمة..  وأوهام «سوبر إسبرطة الكيان»

رسائل مصر الحاسمة.. وأوهام «سوبر إسبرطة الكيان»

 

 



كان القادة العرب يلقون كلماتهم بالقمة العربية الإسلامية الطارئة، فى العاصمة القطرية الدوحة، فيما كان وفد أمريكى بقيادة ماركو روبيو وزير الخارجية يضم 250 عضوًا بالكونجرس يلتقون بنيامين نتنياهو فى القدس الغربية المحتلة.

 

ورغم الرمزية القوية للتضامن العربى الإسلامي، فى مواجهة الغطرسة الصهيونية المتضخمة، بمواصلة جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وتجاوزها إلى عدوان امتد من اليمن إلى لبنان وسوريا وصولًا إلى قطر، إلا أن القمة لم تسفر مخرجاتها عن قرارات بآليات تنفيذية لردع عدوان الكيان الصهيونى ومخططاته وأطماعه التوسعية. 

 

فى حضرة نتنياهو بدت ازدواجية الخطاب الأمريكى واضحة، حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكى الدعم الكامل للكيان الصهيوني، وفى اليوم التالى كان فى الدوحة معلنًا توقيع اتفاقية دفاع مُعزز بين قطر وأمريكا، بينما مهد نتنياهو للزيارة بإعلانه مسئوليته الكاملة عن استهداف قطر. 

لم تمر ساعات معدودات على البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية، حتى واصل جيش الاحتلال غطرسته، باجتياح برى لمدينة غزة، ومواصلة جرائم الإبادة وتدمير البنية التحتية، لتحقيق مخطط التهجير، ودفع مليون مواطن للنزوح القسرى إلى رفح الفلسطينية.

 

فى القمة العربية كانت رسائل مصر حاسمة، وقاطعة، وواضحة مُباشرة لكل أطراف القضية، العالم الذى تنتهك قوانينه وأعرافه ويتهدد سلمه، وزعماء وشعوب العالمين العربى والإسلامي، وفلسطين الصامدة، والعدو ثم الشعب الإسرائيلى ذاته الذى إذا لم يتصد لإرهاب قيادته المتطرفة سيندم يوم لا يجدى الندم.

 

فى 1083 كلمة شاملة الاستهلال والختام، بعث الرئيس عبدالفتاح السيسى برسائل بليغة شديدة الوضوح على مدار 11.5 دقيقة، اخترقت عمق الجبهة الداخلية للكيان، شغلت مؤسساته، ونخبة محلليه وسائل الإعلام العبرية، لتحليلها وتوقع دلالتها ومآلات تحذيراتها.

 

قبل كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى بساعات، كان ذات الإعلام العبري، ينتقد تصريحات أدلى بها نتنياهو خلال مؤتمر لوزارة المالية، تحدث خلاله عن اضطرار حكومته لاتخاذ سياسات اقتصادية وعسكرية جديدة، لتكون إسرائيل «سوبر إسبرطة»، إسبرطة العظمى، للتكيف مع اقتصاد يعتمد على الاكتفاء الذاتي.

 

زاد نتنياهو طين سلوكه-المنفلت وغطرسته وأحلامه الأسطورية- بلة، فخرج معارضوه يؤكدون أنه واهم فمن أين سيتحقق اكتفاء ذاتى مع تنامى العزلة واقتصاد بلده قائم على التصدير والاستيراد؟ فعاد بتصريح أنه قصد الاكتفاء الذاتى من التصنيع العسكري، فذكره منتقدوه أن المواد الخام كانت تستورد من تركيا قبل توقفها.

 

«إسبرطة» كانت مدينة يونانية عرفت تاريخيًا بأنها كانت منغلقة، نظامها عسكري، شعبها كله يحمل السلاح، دائمة العدوان على جيرانها، منعزلة، وانتهى الصراع بدمارها وزوالها فى القرن الرابع قبل الميلاد، وهى اعتراف ضمنى من نتنياهو أن بلاده تزداد عزلة لسلوكها العدواني، ويعكس نيته لمواصلة العدوان.

 

شخّص الرئيس عبدالفتاح السيسى التحديات الراهنة فى كلمته الحاسمة: التوقيت «بالغ الدقة»، والواقع «تحديات جُسام تواجهها المنطقة»، وإسرائيل تسعى لتحويلها إلى «ساحة مستباحة للاعتداءات»، تخطت «جميع الخطوط الحمراء» واصفًا سلوك إسرائيل بـ«المنفلت المزعزع للاستقرار»، محذرًا من أنه «يدفع المنطقة نحو دوامة خطيرة من التصعيد»، محددًا الموقف «لا يمكن القبول به أو السكوت عليه». 

 

أكد الرئيس لقطر وشعبها: «تضامن مصر الكامل»، وللأشقاء: تضافرها معهم فى «مواجهة العدوان الإسرائيلى»، وللفلسطينيين: «تواصل مصر دعمها الثابت لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه، وتمسكه بهويته وحقوقه المشروعة»، والتمسك بالرفض الكامل «لأى مقترحات من شأنها تهجير الفلسطينيين من أرضهم». 

 

ويجدد الرئيس السيسى فى رسالة واضحة لقادة الأمتين العربية والإسلامية، تقديم الحل الجذري: «آن الأوان للتعامل بجدية وحسم مع القضية الفلسطينية باعتبارها مفتاح الاستقرار فى المنطقة.. الحل العادل والشامل إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية». 

 

والرسالة للأمم المتحدة: «تتطلع مصر لأن يمثل مؤتمر حل الدولتين الذى سيعقد 22 سبتمبر الجارى على هامش الشق رفيع المستوى بالأمم المتحدة فى نيويورك، محطة مفصلية على طريق تحقيق حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية». 

 

لخص الرئيس السيسى رسالة المُجتمعين لمن يهمه الأمر بإيجاز: «لن نقبل الاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام، وسنقف جميعًا صفًا واحدًا دفاعًا عن الحقوق العربية والإسلامية وفى مقدمتها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة والعيش بحرية وكرامة وأمن». 

 

هكذا ترى مصر ما هو كائن وتؤكد ما ينبغى أن يكون بكل وضوح: «يجب أن تغير مواقفنا من نظرة العدو نحونا، ليُرى أن أى دولة عربية مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام». 

 

بعد أن رصد الرئيس فى كلمته العرض، وشخص المرض، قدم العلاج، حيث يكمن العلاج فى اتخاذ العرب قرارات من شأنها أن تجبر العدو على تغيير نظرته نحونا، مواقف عربية إسلامية، وليس خطابات حماسية، تشجب وتدين وتندد بل «تتطلب قرارات وتوصيات قوية، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونية صادقة، حتى يُرتدع كل باغٍ، ويتحسب أى مُغامر». 

 

رسائل واضحة.. العرب يجب أن يتخذوا قرارات وتوصيات قوية، وأن يصدقوا النية ويعملوا على تنفيذها، وفى سبيل ذلك اقترحت مصر «إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون تمكننا جميعًا من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية..». 

 

وضع الرئيس السيسى الأمور فى نصابها ومسمياتها، طالب المجتمع الدولى بتحمل «مسئولياته الأخلاقية والقانونية»، ومحاسبة قادة إسرائيل ووضع حد لـ«الإفلات من العقاب»، مشددًا على أن «الغطرسة الإسرائيلية الآخذة فى التضخم»، تتطلب من العالمين العربى والإسلامى التوافق «على إطار حاكم للأمن والتعاون الإقليميين ووضع الآليات التنفيذية اللازمة..».

 

وهو تأكيد للمرة الثانية فى ذات الخطاب ودعوة صريحة، لبناء تحالف عربى إسلامى بآليات تنفيذية تعزز القدرة العربية الإسلامية الشاملة لـ«الحيلولة دون الهيمنة الإقليمية لأى طرف أو فرض ترتيبات أمنية أحادية تنتقص من أمن الدول العربية والإسلامية واستقرارها».

 

انتقل الرئيس السيسى برسائل مصر الحاسمة لإسرائيل: «أن أمنها وسلامتها لن يتحققا بسياسات القوة والاعتداء.. وأن سيادة الدول العربية والإسلامية لا يمكن أن تُمس تحت أى ذريعة، وهذه مبادئ غير قابلة للمساومة». 

 

ليصل الرئيس السيسى برسائله للعالم: «على العالم كله، إدراك أن سياسات إسرائيل تقوض السلام بالمنطقة، وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية، والأعراف والقيم الإنسانية.. واستمرار هذا السلوك سيكون له تداعيات خطيرة على الأمن الدولي». 

 

سلوك الحكومة المتطرفة بالكيان الصهيوني، يقابل بتنامى حالة السخط الداخلي، ما بين أسر أبنائها فى جيش الاحتلال تطالب بوقف العدوان على غزة خشية مقتل أبنائها، وآخرون يستهدفون استعادة الرهائن، ومن تضررت مصالحهم، ومن يدركون أهداف نتنياهو الشخصية من إطالة أمد الحرب.

 

لعل هذا وغيره، ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى للنفاذ إلى الجبهة الداخلية بمخاطبة الشعب الإسرائيلي، متجاهلًا نتنياهو وعصابته المتطرفة، فما بات تحذيرهم ولا نصيحتهم تجدي، الشعب هو من سيذوق ويلات تصدع جدار السلام، واتساع رقعة الحرب.

 

بكل وضوح قال الرئيس السيسى لشعب إسرائيل: «إن ما يجرى حاليًا يقوض مستقبل السلام، ويهدد أمنكم.. ويضع العراقيل أمام أى فرص لأية اتفاقيات سلام جديدة.. ويجهض اتفاقات السلام القائمة مع دول المنطقة.. وحينها ستكون العواقب وخيمة».

 

كما يحذر الرئيس السيسى الشعب الإسرائيلى من «عودة المنطقة إلى أجواء الصراع، وضياع ما تحقق من جهود تاريخية لبناء السلام، ومكاسب تحققت من ورائه، وهو ثمن سندفعه جميعًا بلا استثناء».

 

داعيًا شعب دولة الاحتلال؛ «ألا يسمحوا بأن تذهب جهود أسلافنا من أجل السلام سدى»، يومها لن يجدى الندم.

 

وما إن انتهى الرئيس عبدالفتاح السيسى من خطابه، حتى انشغلت الأجهزة الصهيونية بتحليل مضامينه، ووسائل الإعلام العبرية فى تحليله ومستقبل اتفاقية السلام مع مصر، وما يمكن للعرب والمسلمين تفعيله مما دعت إليه مصر ورئيسها.

 

فى حين كان نتنياهو يواصل أكاذيبه، خلال حديثه للوفد النيابى الأمريكى الأكبر فى تاريخ الوفود التى زارت الكيان الصهيوني، شاكيًا الحصار الدولي، ورئيس وزراء إسبانيا الذى ألغى اتفاقيات مع تل أبيب وصفقات سلاح، متحدثًا عن ترامب الصديق الأكثر دعمًا لإسرائيل فى تاريخ سكان البيت الأبيض.

 

نتنياهو زعم أن إسرائيل تقاتل دفاعًا عن الحضارة الغربية، والمصالح المشتركة بينها وبين أمريكا، وهى محاولة لتعزيز الظهير الأمريكى بالكونجرس فى مواجهة تنامى التعاطف العالمى مع الفلسطينيين.

 

عودة إلى إسبرطة العظمى التى يبشر بها نتنياهو شعب إسرائيل والحديث عن وهم إسرائيل الكبرى، وما له من دلالات عقلية متطرفة عن الكيان الصهيوني:

 

١- العزلة الإسرائيلية المتزايدة وأحلام اقتصاد الاكتفاء الذاتى مع رقعة محدودة تعنى أن الصهاينة يخططون للتوسع بالتهام مزيد من الأرض الفلسطينية والحلقات الضعيفة من دول الجوار؛ ليتمكن من توفير مستلزمات الاكتفاء الذاتى والمواد الخام.

 

٢- مواصلة مخطط التهجير فى غزة والتمدد فى الضفة، واستعداده للعزلة العالمية يدق ناقوس الخطر، ويؤكد تنسيق الاعتماد الأكبر على دعم أمريكا وقواعدها العسكرية بالمنطقة حال اتساع رقعة الصراع.

 

٣- محاولة الأمريكان احتواء الضربة على قطر بحديث عن تطوير اتفاقية دفاع مشترك معزز لم تجد الاتفاقية الأصل نفعًا بالتجربة العملية، هو فى الواقع محاولة لإحباط تحول التضامن العربى الإسلامى إلى إجراءات عملية، وفى الوقت ذاته استثمار الأزمة لتحقيق مكاسب أمريكية “حماية وهمية” فى مقابل مكاسب اقتصادية، والنصيحة هنا للأشقاء فى قطر احذروا الخديعة الأمريكية.

 

٤- نجاة المنطقة تكمن فى مواصلة مصر جهودها لبناء تحالف أمنى سياسى اقتصادى عربى إسلامى محدود فى بدايته شاملًا الدول الأكثر قدرة وفاعلية ونية صادقة.

 

٥- مواصلة مصر بناء شراكات مع القوى الدولية الفاعلة التى تتخذ مواقف واضحة رافضة لسياسات الكيان وعدوانه، وبالأمس استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى ملك إسبانيا فيليبى السادس وقرينته الملكة ليتيزيا، وهى دولة اتخذت الكثير من القرارات العملية ما أربك الكيان، وتتسع مجالات شراكاتها مع مصر فى كافة المجالات وفى القلب منها الاقتصادية.

 

إن نجاة العرب والمسلمين فى قرارات عملية لوحدة دفاع وتعاون مشترك بآليات تنفيذية انطلاقًا من الرؤية المصرية، ومن الآن قبل فوات الأوان.

حفظ الله مصر والأمتين العربية والإسلامية