الأحد 5 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الميكروفون كان سلاحنا».. مذيعون يروون حكايات العبور

لم تكن الإذاعة المصرية فى وقت الحرب، مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل كانت شريكا فى نصر أكتوبر العظيم، بدعمها للجنود على الجبهة، وبث روح العزيمة والانتصار فيهم، ورفع روحهم المعنوية، ونقل صوت الجبهة إلى كل بيت، وبهذا تجلى دور الإذاعة المصرية كنبض حقيقى للشارع ومرآة صادقة للوطن.



«روزاليوسف» تحكى تفاصيل لحظات الحرب وبث الأمل فى نفوس مقاتلى مصر الشجعان، الرابضين على الحدود، ومواطنيها فى شوارع وبيوت المحروسة، فى انتظار أخبار النصر واستعادة الأرض والكرامة، من خلال كبار الإذاعيين الذين عايشوا تلك اللحظات وشهدوا تفاصيل هذه الملحمة الوطنية العظيمة.

الإذاعى محمد مرعى، رئيس شبكة صوت العرب الأسبق، يقول إن فترة ما قبل نصر أكتوبر العظيم وهى مرحلة حرب الاستنزاف هى التى مهدت الطريق للنصر، مضيفا: «أذكر أننى وصديقى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى سافرنا سويا إلى شاطئ القناة فترة حرب الاستنزاف، وعشنا نحو أسبوع مع المواطنين فى قراهم التى كانوا متمسكين بأن يظلوا فيها رافضين الرحيل، ومكثنا معهم تحت القصف، ونتج عن ذلك عمل إذاعى عظيم سجلناه مع عدد من المواطنين وأبنائهم، وكان هذا البرنامج بعنوان «وجوه على الشاطئ»، وذهبت أيضا إلى السويس لتسجيل حلقات لصوت العرب ومكثت وقتها فى «بدروم» مبنى محافظة السويس مع فرقة «ولاد الأرض» الوطنية الشهيرة، وكان لها أغانٍ على السمسمية، وصاحبها اشتهر باسم «كابتن غزالى». 

“مرعى”، يوضح أن نصر أكتوبر كان مفاجأة للجميع، ولم نكن نتوقع ذلك من خطط التمويه والذكاء والإجازات الكثيرة، التى أعطاها الرئيس الراحل أنور السادات لأفراد القوات المسلحة، وكلها كانت تؤكد عدم نشوب حرب، لافتا إلى أن الشعب المصرى كان مشتاقا لهذه اللحظة وغاضبا لتأخرها، وحينما تم إذاعة بيان العبور الساعة الثانية ظهرا فجر حالة سعادة كبيرة لدى المصريين والعالم العربى كله، وكان وقتها الدكتور عبدالقادر حاتم وزيرًا للإعلام، والذى أُطلق عليه مهندس إعلام أكتوبر لأنه انتهج استراتيجية جديدة مختلفة ومميزة فى الإذاعة وقت الحرب.

ويستطرد رئيس شبكة صوت العرب الأسبق: «كنا فى صوت العرب وقت إعلان العبور نعمل كخلية نحل 24 ساعة سواء نحن العاملين فى الراديو أو القادمين من الخارج من مطربين وموسيقيين وملحنين وصحفيين، لم أر هذا المشهد فى حياتى ولم أعشه إلا فى 6 أكتوبر وما بعدها». 

“الشارع العربى كان سعيدا كثيرا بانتصار 6 أكتوبر العظيم وهذا ما شعرت به أثناء عملى فى صوت العرب، وبدأ هذا الأمر بمناصرة مصر بعد نكسة 67، وإعلان عبدالناصر قرار التنحى وكنت وقتها فى بعثة صوت العرب فى اليمن ننقل خبراتنا لأشقائنا فى إذاعة صنعاء، و9 يونيو كان يوم الخطاب الشهير المعروف بخطاب التنحى، وشاهدت وقتها الآلاف من اليمنيين فى صنعاء نزلوا من بيوتهم بعد إذاعة الخطاب فى شارع جمال عبدالناصر فى اليمن وتظاهروا ضد قرار التنحى، ونحن كنا فى مقر السفارة المصرية بشارع جمال عبدالناصر، وحينما سمعنا هتافات ضد قرار التنحى من كل الأعمار ولأول مرة نرى المرأة اليمنية تشارك فى مظاهرات باتجاه القصر الجمهورى اليمنى، وانضممنا لهذه المظاهرات وخرج الرئيس اليمنى وأقسم أنه إذا لم يعدل عبدالناصر عن قراره فسوف يتقدم باستقالته أيضا أمام الشعب اليمنى، ومعظم الدول العربية خرجت فيها مظاهرات كبيرة تطالب عبدالناصر بالعدول عن قرار التنحى والتمسك بقيادة المسيرة من جديد.

الإذاعى حازم طه، يقول إن وقت إعلان العبور كان مبنى ماسبيرو على قدم وساق والاستديوهات ممتلئة، والأغانى الوطنية تشدو فى المبنى كله، وكان المطربون والموسيقيون يتوافدون على المبنى لتسجيل أغانى النصر مثل شادية، عبدالحليم حافظ، وردة، قدموا الأغانى بشكل سريع ومتقن، مع كبار المؤلفين والملحنين، والشارع المصرى كله كان فى حالة سعادة غامرة، والإذاعة زادته حماسة وفرحة.

“البرنامج العام كان الصوت الأعلى للمعركة، حينما أعلن الإذاعى الكبير صبرى سلامة عن بيان العبور والإذاعة كانت محفزا للشعب لأن طوال الوقت الراديو يعمل فى كل بيت 24 ساعة منتظرين أخبارا جديدة، فالإذاعة كانت رقم واحد -وليس التلفزيون- تذيع البيانات الأساسية ومتابعة للمعركة” هكذا يؤكد حازم طه.

ويضيف: «حينما عملت فى الإذاعة قدمت برامج خاصة، وعملت بصوتى مع الزميلة أميمة مهران تتر مسلسل (30 يوما قبل العبور) تقديم هالة الحديدى والمخرجة إيمان يحيى، وهذا المسلسل يحكى كل كواليس الحرب، يوميات العبور وينقل الصورة الحقيقية للمعركة ورصد كامل لها»، كما يوضح أن دور الإذاعة كان تاريخيا وقت الحرب، تعطى إرشادات للمواطنين أولا، معلومات، تصحح أى مفاهيم خاطئة، أو تدحض الشائعات، تتسم بالمصداقية، تقدم للناس الصورة الحقيقية لما يحدث فى المعركة وتدعمها بالمعلومات.

الإعلامية ميرفت رجب رئيس التلفزيون المصرى الأسبق، تقول: «كنت محظوظة بإذاعتى البيانات الأربعة الأولى للحرب بصوتى فى شبكة صوت العرب على الهواء، وهذا الأمر كان له تأثير بعيد المدى على المستوى الشخصى والعملى لى، وشعرت وكأن الأمر بمثابة مكافأة شخصية لى لأنى توقيت عملى كان كل يوم سبت من الساعة الواحدة حتى الرابعة عصرا، مصادفة بإعلان العبور».

وتضيف الإعلامية ميرفت رجب، أنها ذهبت بعد الحرب وسجلت حلقة من ميناء نويبع وقت افتتاحه فترة تحرير سيناء، وبعد النصر كلفتها الإعلامية نوال سرى مديرة إدارة البرامج الإخبارية فى التلفزيون المصرى بزيارة إلى سيناء لتسجيل حلقات برنامج “على أرض سيناء” عام 1984، وكتبت إلى صوت العرب سباعيتين عن أبطال سيناء إحداهما بعنوان “أسد سيناء” بعد حرب أكتوبر مباشرة، و”فرسان النصر” عبارة عن مسلسلات قصيرة سبع حلقات فى الإذاعة، وقدمها عدد من نجوم الفن، لافتة إلى أنها سجلت كل هذه الأمور الخاصة بمشوارها الإذاعى فى كتابها بعنوان “سيناء تخصنى”.

«حرصت فى هذه السباعيات على إظهار الجانب الإنسانى لأبطال النصر، وليس فقط وجودهم على أرض المعركة»، هكذا تؤكد رئيس التليفزيون المصرى الأسبق.