قمة شرم الشيخ.. مصر تُطفئ نـــار الحرب وتحيى أمل البناء

نور أبوشقرة - وأمانى عزام
فى مدينة السلام، شرم الشيخ، نجحت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جمع قادة وزعماء العالم من الشرق والغرب حول طاولة واحدة فى قمة استثنائية بعد عامين من الحرب والدمار فى غزة.
توحدت كلمتهم عند هدف واحد: أن الحرب فى غزة لا بد أن تنتهى بسلام عادل، وأن الحل السياسى هو السبيل الوحيد لاستقرار الشرق الأوسط.
قمة السلام بقيادة الرئيس السيسى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب حملت لغة جديدة، تجاوزت خطاب الهدنة إلى خطاب البناء، وأعادت إلى الواجهة فكرة الدولة الفلسطينية بوصفها جوهر الحل وليس هامشه، لتعيد إلى الأذهان روح الدبلوماسية المصرية التى طالما صنعت التاريخ فى لحظات التحول الكبرى.
منذ اليوم الأول، بدا أن القاهرة لا تتعامل مع الأزمة باعتبارها حدثًا طارئًا. تحدث الرئيس السيسى مرارًا وتكرارًا بلغة واقعية تجمع بين الحكمة والإصرار، مؤكدًا أن التهجير خط أحمر، وأن السلام لا يصنع بالشعارات، بل بإرادة تُترجم إلى دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، البوابة التى تُفتح منها دروب الاستقرار.
جريدة “روزاليوسف” التقت عددًا من الخبراء والمحللين السياسيين من مختلف الدول، وأجمعوا على أن قمة شرم الشيخ كانت نقطة تحول حقيقية فى مسار الأزمة فى غزة.
وأكدوا أن مصر بقيادة الرئيس السيسى لعبت الدور المركزى فى إحباط مخطط التهجير، وإنهاء الحرب ووقف نزيف الدم الفلسطينى والإسرائيلى، وفرضت إرادتها الدبلوماسية لتحقيق هدنة مستدامة.
جهود مصرية فارقة
السفير مهند العكلوك، مندوب فلسطين فى الجامعة العربية، يؤكد أن الأهم الآن هو مخرجات قمة شرم الشيخ للسلام التى تستهدف السلام فى المنطقة، قائلًا: نرى أن هناك مسائل إيجابية كبيرة تحققت بفضل الجهود المصرية بالأساس، والقطرية بالإضافة إلى التركية والأمريكية، لكن هذا الزخم الذى أوقف جريمة العدوان على الشعب الفلسطينى حدث فى مصر، واليوم نتطلع لنرى سلامًا مبنيًا على أسس سليمة والقانون الدولي.
وعن مشاركة الرئيس الفلسطينى أبومازن فى اللحظات الأخيرة، علّق: «أعتقد أن وجود الرئيس أبومازن أساسى ويضفى شرعية على عنوان السلام»، مشيدًا بدور وجهود وضغوط مصر لحضور الرئيس الفلسطينى، لأن وجوده يعطى توازنًا عما نتحدث عنه وهو السلام، حيث لا يمكن أن يكون هناك حديث عن السلام والطرف الفلسطينى غائب.
دور مصرى محورى
السفير على الحفنى، رئيس جمعية الصداقة المصرية - الصينية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، يشدد على أن توقيع هذا الاتفاق وهذا الزخم العالمى ما هو إلا تكليل لجهود مصر الدبلوماسية منذ اليوم الأول للحرب، حيث لعبت دورًا مهمًا فى التوصل إلى هذا الاتفاق، منوهًا إلى أن خطة السلام بالفعل هى مبادرة من الرئيس ترامب، لكن التنفيذ والإدارة لم يكونا لينجحا لولا التدخل المصرى، وهو ما يعلمه ترامب جيدًا.
ويرى أن مواقف مصر دفعت الجميع للتعامل مع القضية بشكل يلبى ثوابت موقفها، سواء ملف التهجير أو وقف الحرب بشكل دائم، والعودة لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع مرة أخرى، وهو ما تجسد فى توقيع المرحلة الأولى من الاتفاق، ناهيك عن أن هناك تفهما لأمور كانت مرفوضة تمامًا منذ بضعة أسابيع، فمصر جعلت الجميع يشارك ويحرص على المشاركة فى المراحل المقبلة، سواء كان الإعمار أو تمويل السلطة، مختتمًا: المرحلة الأولى كنت أظنها الأصعب، لكن فى حقيقة الأمر القادم أصعب بكثير، وعلى القيادة المصرية أن تبحث مع الأشقاء، حيث تشهد المراحل الأخرى اختلافا فى وجهات النظر وخلافات عديدة حول الكثير من النقاط داخل البنود العشرين.
جهود حثيثة ومنفردة
السفير رؤوف سعد، رئيس المكتب الوطنى لتنفيذ اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى، يقول: إن جهود مصر لم تكن فقط من خلال دور الوساطة، بل منذ 7 أكتوبر 2023، إذ أدارت مصر الأزمة فى صمت وحكمة، وهى الدولة الوحيدة القادرة على العمل منفردة دون أن يتعارض ذلك مع جهود آخرين التى يجب أن تكون تحت عباءة مصر.
ويضيف: مصر دولة ذات ثقل فى منطقة الشرق الأوسط، وخطة ترامب نتيجة فرضتها عوامل عدة، أبرزها «مصر ـ إدراك ترامب أن العالم أجمع يعادى إسرائيل ـ تل أبيب أصبحت دولة منبوذة ـ نتنياهو مجرم حرب»، كل هذه العوامل جعلت من الاتفاق ضرورة لإتمام وقف إطلاق النار، على الرغم من وجود بعض التحفظات ضمن بنوده، لكنها حققت أولويات من أهمها وقف إطلاق النار الممنهج، والسماح بإدخال المساعدات، والأهم القضاء على فكرة التهجير، والاستثمار فى غزة بذكاء كبير من الإدارة المصرية.
«سعد» يرى أن التطابق بين القضية الفلسطينية والأمن القومى المصرى واضح، إذ استطاعت الدولة المصرية بنجاح أن تدير ملف غزة والقضية الفلسطينية وتقضى على ملف التهجير وتحافظ على الأمن القومى المصرى فى وقت واحد، مؤكدًا أن توجيه الدعوة إلى الرئيس ترامب فيه من الذكاء والحنكة، لأن توقيت الدعوة أثناء عملية التفاوض حسم نتيجة هذا الاتفاق قبل أن تتم ووضعت الجميع أمام مسئولياته، ناهيك عن أن مخاطبة الرئيس السيسى جزء حساس من شخصية ترامب، وهى الولع بالشهرة والنجومية، وبالتالى فإن خطوات الإدارة المصرية فى التعامل مع هذا الملف فرضت نجاحًا قبل أن يتم الاتفاق.
ويختتم حديثه: الاتفاقية أنهت القتال، لكنها لم تنه الصراع، فهناك اعتبارات ستشكل المرحلة المقبلة من المفاوضات، أهمها تماسك الموقف العربى والإجماع على قرار واحد والتحرك من الموقف المتلقى إلى المبادر، وعلينا أن ندرك كيف ننتقل من مرحلة إنهاء الصراع إلى تحقيق السلام مع طرف لا يعير انتباهًا إلى الأخلاق أو الميثاق أو الالتزام بقرارات دولية.
استعدادات اليوم التالى للاتفاق
بدوره يؤكد الدكتور جمال نزال، عضو المجلس الوطنى الفلسطينى والمتحدث باسم حركة فتح، أن دور الدولة الفلسطينية غير قابل للإلغاء، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية لتهميش السلطة، لكنها فشلت فى تحقيق هذا الأمر، مشيرًا إلى أن الاستعدادات على قدم وساق لإشراك الأمن الفلسطينى فى تدابير اليوم الأول عقب الانتهاء من توقيع الاتفاق بالقاهرة.
وحول وجود أكثر من 5 آلاف عنصر من رجال الأمن الفلسطينى يتدربون فى مصر والأردن، يقول: سيكون لهم دور مهم أولًا فى المرحلة الأولى، لتعيد السلطة الفلسطينية بخطوات ثابتة استعادة دورها كما كانت، مستنكرًا عدم خروج قادة الأسرى، حيث إن إسرائيل وافقت على الإفراج عن 1700 أسير اعتُقلوا من مدينة غزة بعد 7 أكتوبر.
دور سيتذكره التاريخ
كذلك يثمّن الدكتور أسامة شعث، الأستاذ فى العلاقات الدولية، الجهود المصرية، وأنها ستخلد فى ذاكرة أجيال عديدة، كونها استطاعت أن توقف ما فشلت فيه دول عظمى، وكعادتها تحتضن المفاوضات وتكون شاهد عيان على توقيع العديد من الاتفاقات، مؤكدًا أن دور مصر لم يتغير تجاه القضية الفلسطينية ولن يتغير، ونشكر الله على أن القاهرة هى الضامن الحقيقى لنجاح أى مفاوضات، وذلك لحرصها على حياة الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية.
«دور القاهرة محوري».. بتلك الكلمات يؤكد شعث أنه لا يمكن أن يكون هناك أى اتفاق فى أى أرض بالعالم دون أن يكون هناك تواجد للدولة المصرية، لأنها البوابة الحقيقية للعالم مع فلسطين، وبالتالى لا يمكن تجاهل الدور المصرى، سواء على المستوى السياسى أو حتى على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويرى أن احتفال الشعب الفلسطينى لم يكن فقط لوقف الحرب وإطلاق النار، بل كان هناك احتفال من نوع آخر، وهو بالرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كان له دور بارز فى إنهاء معاناة شعبنا فى قطاع غزة، حيث أصبحت أعلام مصر وصور الرئيس السيسى تزين شوارع غزة، ما يؤكد العلاقة التاريخية بين الشعبين الفلسطينى والمصري.
لجنة تكنوقراط لـ 6 أشهر
إلى ذلك يؤكد جهاد الحرازين، أستاذ القانون العام والنظم السياسية، والقيادى بحركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح»، أن هناك لجنة تكنوقراط لإدارة غزة، تمتد مهامها إلى 6 أشهر تتسلم بعدها السلطة الفلسطينية زمام الأمور، مؤكدًا أنه تم التوافق على أن هناك تسليمًا كاملًا للسلطة الوطنية الفلسطينية، لكن هناك معوقات إسرائيلية غير مبررة، حيث كان قد أعلن الرئيس محمود عباس أبومازن إجراء انتخابات بعد عام، لكن الذى عطّل إجراء هذه الانتخابات هى إسرائيل، منوهًا إلى أن عملية الإصلاح تحتاج إلى ميزانية ضخمة، لكن تقوم إسرائيل بحجز أموال القطاع وتقرصن على الأموال الفلسطينية بقيمة 4 مليارات دولار، وتمنع السلطة من القدرة على صرف هذه الأموال.
حضور استثنائى لقادة العالم
من بغداد، يؤكد فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقى للشئون الخارجية، أن قمة شرم الشيخ كانت ناجحة بكل المقاييس، وتميزت بالحضور اللافت والمكثف لقادة وزعماء الدول المهمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ويشدد على أن الحروب لا تنتج سوى الويلات والمآسى، مضيفًا: «نحن فى العراق نعلم معنى هذا الكلام أكثر من أى دولة أخرى، فقد عشنا تبعات الحروب وآثارها على الإنسان والتنمية والاستقرار».
نجاح الاتفاقات والتفاهمات التى خرجت بها القمة مرهون بالتزام جميع الأطراف بتنفيذ بنودها، على حد قوله.
خطاب رئاسى قوى
ومن السعودية، يرى المحلل السياسى السعودى سامى البشير المرشد أن خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة كان تاريخيًا ومعبرًا عن الموقف العربى الموحد، إذ أكد بوضوح أن السلام العادل هو الذى يضمن قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسى تحدث باسم الأمة العربية والإسلامية بأكملها، رافعًا شعارًا واحدًا: «لا سلام ولا أمن ولا استقرار فى المنطقة إلا بقيام دولة فلسطين».
ويضيف أن مصر واجهت بشجاعة كل محاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ورفضت تلك الضغوط رفضًا قاطعًا، فيما قدمت المملكة العربية السعودية مبادرة تلو أخرى، وحشدت الدعم الدولى لفرض حل الدولتين، حتى نجحت الجهود العربية المشتركة فى عزل إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا عن المجتمع الدولى، رغم ما تدّعيه من انتصارات عسكرية على شعب أعزل.
ويشير المحلل السياسى السعودى إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعلن التزامه بتنفيذ خطة السلام التى صاغها بالتنسيق مع القادة العرب والمسلمين، وتشمل وقف إطلاق النار، واستعادة الرهائن، وتصفية السلاح غير الشرعى، وإعادة إعمار غزة، إضافة إلى وضع مسار واضح لحل الدولتين. دلالة عميقة
يقول الدكتور جاسم خلفان، الكاتب والمحلل السياسى الإماراتى: إن انعقاد القمة على أرض مصر، وفى مدينة شرم الشيخ تحديدًا، يحمل دلالة عميقة بأن مصر كانت وما زالت حاضرة فى الحرب والسلام، مشيرًا إلى أن الدول التى ساندت القاهرة فى تحريك مسار السلام أسهمت فى وقف دوامة الدم والدمار التى أنهكت المنطقة لأكثر من عامين.
ويؤكد أن الاتفاق لا يجب النظر إليه من زاوية بنوده الكثيرة، بل من روح التوافق التى جمعت الفرقاء حول طاولة واحدة، مشيرًا إلى أن الاجتماع ذاته يعد انتصارًا للإرادة العربية والإسلامية فى مواجهة الفوضى.
يرى المحلل السياسى الإماراتى أن حضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى القمة كان لحظة رمزية بليغة، خاصة بعد منعه فى وقت سابق من المشاركة فى اجتماعات الأمم المتحدة، لافتًا إلى أن مصافحته للرئيس الأمريكى تمثل إنجازًا سياسيًا يُحسب لمصر التى استطاعت أن تجمع الأضداد على أرضها، وتقدم مشهدًا تاريخيًا يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية ويمنحها زخمًا جديدًا على الساحة الدولية.
وحول آلية تنفيذ البنود، يشدد على أن مصر ستظل حريصة على متابعة كل بند من بنود الاتفاق، وفى مقدمتها وقف الحرب التى دمرت الإنسان الفلسطينى وأرهقت قطاع غزة.
توازن غير مسبوق
يرى فيصل فولاذ، عضو مجلس الشورى البحرينى السابق، أن مصر تتحرك بثبات وبواقعية سياسية عالية، عبر أدوات الوساطة الدائمة والدعوة إلى الحلول السلمية ورفض الحلول العسكرية، فضلًا عن تحركها الدبلوماسى واسع النطاق لحشد الدعم الدولى للقضية الفلسطينية وتخفيف معاناة المدنيين عبر فتح معبر رفح وتنسيق الجهود الإنسانية.
ويوضح أن شمولية الملفات المطروحة، وخاصة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى، هى ما يمنح القمة ثقلها ومصداقيتها.
ويشير إلى أن التجاوب الإقليمى مع الدعوة المصرية جاء مشجعًا، حيث أبدت العديد من الدول العربية دعمًا سياسيًا واضحًا للمبادرة المصرية، ما يعكس الثقة فى حكمة القيادة المصرية وقدرتها على جمع الفرقاء تحت مظلة الحوار.
وحول واقعية البنود المتفق عليها، يوضح أن البنود المتعلقة بوقف إطلاق النار ودعم حل الدولتين واقعية من حيث الطرح، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية دولية وضمانات تنفيذ واضحة حتى لا تبقى فى إطار التصريحات الرمزية.
شرم الشيخ.. نافذة الأمل
أما زيد الصانع، الأمين العام لاتحاد الإعلام الإلكترونى الكويتى، ومستشار رئيس الوزراء العراقى، فيعتبر أن قمة شرم الشيخ شكلت نقطة مضيئة فى مسار التسوية السياسية، وفتحت نافذة جديدة للأمل فى زمن تسوده التحديات والصراعات الممتدة.
ويوضح «الصانع» أن القمة أعادت التأكيد على أن الحل السياسى هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار الدائم، ونجحت فى جمع أطراف كانت مواقفها متباعدة على طاولة واحدة.
ويوضح الأمين العام لاتحاد الإعلام الإلكترونى الكويتى أن البنود التى تم التوافق عليها واقعية ومدروسة، تجمع بين الطموح إلى الحلول الشاملة والخطوات التنفيذية الممكنة، معتبرًا أن القمة ليست مجرد خطوة رمزية، بل بداية تحول حقيقى فى المشهد الإقليمى.
مصر.. الركيزة الأساسية
ومن الكويت أيضًا، قدّم الدكتور ناصر المصرى، المستشار الأمنى وعضو مجلس الأمة الكويتى السابق، قراءة تحليلية دقيقة لما بعد القمة، مؤكدًا أن قمة شرم الشيخ فتحت نافذة سياسية جديدة، لكنها مشروطة بإرادة الأطراف المتصارعة.
ويقول إنه لأول مرة منذ سنوات يتحدث المجتمع الدولى عن حل سياسى متكامل يتجاوز وقف إطلاق النار إلى ملفات الإعمار والحكم والأمن فى غزة، مشيرًا إلى أن القمة أحدثت تحولًا لغويًا، وأعادت لغة السلام إلى الطاولة الدولية.
ويرى عضو مجلس الأمة الكويتى السابق أن الدور المصرى اليوم هو الركيزة الأساسية لأى مسار سياسى جاد، إذ طرحت القاهرة خطة من ثلاث مراحل: وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ثم إعادة الإعمار، فإطلاق حوار سياسى شامل نحو الدولة الفلسطينية.
وفى قراءة واقعية عميقة، يصف الدكتور عايد المناع، الأكاديمى والباحث السياسى الكويتى، القمة أنها مبادرة رائعة وتاريخية أقدمت عليها مصر بشجاعة، مؤكدًا أن الرئيس السيسى لعب دورًا حاسمًا فى جمع قادة العالم مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإطلاق عملية سياسية جديدة بعد سنوات من العنف، وهو ما يعد خطوة جريئة تؤكد ثقل القاهرة الدولى.
ويتابع «المناع» أن القاهرة تحركت بسرعة وبحكمة لمنع انهيار غزة، مشيرًا إلى أن مصر حافظت على وجود الفلسطينيين ومنعت تهجيرهم القسرى، لتبقى غزة أرضًا صامدة لا خالية من أهلها.
يشير «المناع» إلى واقعية البنود التى تم الاتفاق عليها، وعلى إسرائيل أن تنفذها لأنها تصب فى مصلحتها بعد استرداد المختطفين، معتبرًا أن موضوع نزع سلاح حماس يحتاج وقتًا وضمانات دولية.
أنهت مرحلة الحرب
من سلطنة عمان، يرى الدكتور محمد العريمى، الكاتب والباحث العُمانى المتخصص فى الشئون السياسية، أن القمة فتحت نافذة جديدة فى مسار التسوية السياسية، لأنها أعادت الاعتبار للحل السياسى بعد عامين من الحرب، ووضعت الصراع فى إطاره الإقليمى والدولى الصحيح.
ويؤكد «العريمى» أن تجاوب الأطراف الإقليمية والدولية مع الدعوة المصرية كان متوازنًا، وأن استضافة مصر لهذا الطيف الواسع من القوى يُعد إنجازًا دبلوماسيًا بحد ذاته، ويعكس مكانة مصر وقدرتها على جمع المتناقضات فى مساحة حوار واحدة. ويضيف أن القمة أنهت مرحلة الحرب والجمود وأعادت لغة الحوار إلى الطاولة، معتبرًا أن البنود التى تم الإعلان عنها واقعية، لكنها تواجه تحديات ميدانية وسياسية، وتتطلب ضمانات عربية ودولية لمتابعة التنفيذ.
الإعلامى القطرى حسن على الأنوارى يؤكد أن قمة شرم الشيخ للسلام شكلت محطة مفصلية فى مسار التسوية السياسية بالشرق الأوسط، وفتحت نافذة أمل جديدة أمام شعوب المنطقة التى أنهكتها الحروب والنزاعات الممتدة، مشيرًا إلى أن القمة جاءت فى لحظة سياسية دقيقة، ونجحت فى إرساء أساس يمكن البناء عليه إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لدى الأطراف الفاعلة.
وعن الدور المصرى، يوضح «الأنوارى» أن مصر تؤدى دورًا محوريًا فى دعم جهود السلام والاستقرار، مستندة إلى خبرتها الدبلوماسية الطويلة وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى، لافتًا إلى أن نجاح القاهرة فى جمع هذا الطيف الواسع من القادة والوزراء يعكس قدرتها على أداء دور الوسيط المتزن، الذى يوازن بين المصالح ويعمل على تخفيف التوترات وإحياء الحوار.
وفى تقييمه لبنود القمة، يصف «الأنوارى» ما تم الاتفاق عليه بأنه واقعى وقابل للتنفيذ، خصوصًا ما يتعلق بوقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتهيئة الأجواء لاستئناف المفاوضات.
أما عن توقعاته للمرحلة المقبلة، فيوضح الإعلامى القطرى أنه يتوقع أن تشهد المنطقة حراكًا دبلوماسيًا عربيًا ودوليًا أكثر تنظيمًا.
تجاوب واسع
من الأردن، يقول الدكتور نبيل العتوم، أستاذ العلوم السياسية، إن مخرجات قمة شرم الشيخ للسلام فتحت نافذة سياسية ثمينة، إذ وفرت لحظة دولية نادرة جمعت قادة العالم على طاولة واحدة، ومنحت شرعية دولية لصفقة سلام محتملة.
تجاوب الأطراف الإقليمية والدولية كان واسعًا ورسميًا، على حد قوله، حيث حضر قادة دول كبرى، وأُطلقت إدانات واضحة للحرب. يشدد «العتوم» على أن الدور المصرى كان الأكثر حضورًا وتأثيرًا فى القمة، إذ جاءت القاهرة محركًا ومركزًا فى الاستضافة والوساطة والربط بين الفصائل الفلسطينية والدول الكبرى، لتؤكد بذلك موقعها القيادى ومسئوليتها عن ضمان الممرات الإنسانية والحدود.
مصر تتعامل بمسئولية
يؤكد الدكتور ياسين أقطاى، المستشار السابق للرئيس التركى وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا، أن قمة شرم الشيخ تمثل محطة مهمة فى مسار السلام الإقليمى، لكنها تحتاج إلى تغيير جدى فى الموقف الأمريكى لتجنب العودة إلى حلقة الصراع المفرغة التى عانى منها الشرق الأوسط لسنوات.
ويشير إلى أن تجاوب الأطراف الإقليمية والدولية مع دعوة مصر لعقد القمة جاء نتيجة وزن القاهرة الإقليمى، ورغبة المجتمع الدولى فى وقف عمليات القتل التى ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين فى غزة، بالإضافة إلى محاولة إظهار موقف واضح أمام القيادة الأمريكية بأن الدعم الأعمى لإسرائيل لم يعد مقبولًا، وأن استمرار هذا النهج يهدد استقرار المنطقة بأسرها.
ويتابع أقطاى أن الدور المصرى ينبع من مسئولية حقيقية تجاه السلام، لافتًا إلى معاناة مصر الطويلة من الاعتداءات الإسرائيلية، ومذكرًا بالعدوان على مدرسة بحر البقر الذى ترك أثرًا لا يُنسى فى الذاكرة العربية والدولية، كما أشار إلى العنف والإجرام الذى شهدته غزة وفلسطين على مدار السبعين عامًا الماضية، وبالأخص خلال العامين الأخيرين.
مصر أنقذت المنطقة
من تركيا، يقول الدكتور مهند حافظ أوغلو، الباحث فى العلاقات الدولية، إن التحركات الإقليمية كانت لافتة، خصوصًا من مصر البلد المضيف، التى أدت دورًا حاسمًا فى رفض تهجير سكان غزة وتمسكت بموقف تاريخى ثابت، إلى جانب الدور القطرى البارز فى المفاوضات، والدور التركى الكبير الذى جرى خلف الكواليس وأسهم فى إنجاح القمة بشكل ملموس.
ويؤكد أن ما يجرى اليوم يعكس حالة من النضج السياسى فى المنطقة، حيث تتقاطع الرؤى وتتشارك الأهداف بين أنقرة والرياض والقاهرة والدوحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدًا، وفى العديد من الملفات الإقليمية الأخرى، مضيفًا أن هذا التفاهم يعكس تجاوز الخلافات السابقة وبدء مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق العربى – الإسلامى.
ويرى «أوغلو» أن الحرب انتهت عمليًا، لكن استكمال إنهائها فعليًا مرهون بتحركات الدول الضامنة تجاه كل من حماس وإسرائيل لضمان تنفيذ البنود المتفق عليها واستمرار الهدنة وتحقيق السلام الدائم.
مصر رائدة دبلوماسية السلام
من باكستان، يرى الصحفى أحمد القريشى، المتخصص فى شئون الأمن القومى، أن قمة شرم الشيخ تمثل أكبر حدث دبلوماسى يشهده الشرق الأوسط منذ اتفاقية السلام «كامب ديفيد» التى وقعها الرئيس الراحل أنور السادات، مشيرًا إلى أن توقيت القمة بالغ الأهمية، إذ أثبتت حرب غزة للفلسطينيين فشل الحلول المرتبطة بالعنف، كما أثبتت للإسرائيليين أن «حرب اللا نهاية ليست حلًا».
يوضح «القريشى» أن مصر رائدة دبلوماسية السلام فى العالمين العربى والإسلامى، وأن استضافتها للقمة تُعد إقرارًا عربيًا وإسلاميًا ودوليًا بدورها المحورى والأساسى فى تحقيق السلام بالشرق الأوسط، مؤكدًا أن قمة شرم الشيخ تُسجل كأحد الأيام العظيمة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية، لما شهدته من تجاوب دولى واسع يعكس ثقة العالم فى قدرة القاهرة على إعادة هندسة مسار التسوية السياسية فى المنطقة.