براعة المصرى القديم فى علم الفلك
                        
من تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى فى الكرنك إلى المتحف الكبير
ترك المصرى القديم ما يؤكد عبقريته فى علم الفلك، بداية من حساباته الدقيقة لتعامد الشمس على وجه الملك رمسيس، مرورًا بحسابات التقويم الشهرى وانعكاسات ذلك على الزراعة والحياة اليومية والفيضان وغيرها من الحسابات الدقيقة.
واللافت أن الأحفاد تمكنوا من الحسابات الدقيقة لمكان مريش الثانى فى بهو المتحف المصرى الكبير، الذى تعامدت الشمس على وجهه 22 أكتوبر الجارى.
نبوغ المصريين فى علم الفلك أدلته كثيرة إلى جانب تعامد الشمس والهندسة أشهرها حرص المصرى القديم على إقامة المحور الرئيسى لمعابد الكرنك والذى يمتد من الغرب بداية من الصرح الأول حتى الصرح السادس فى شرق المعابد مرورًا بقدس الأقداس والبوابة الشرقية، واستغرق بناء هذا المحور أكثر من ألف عام وهو ما يبرز مدى تفوق المصرى القديم عبر العصور، حيث تحدث ظاهرة تعامد الشمس سنويًا فى الكرنك بشكل دقيق ومذهل مع دخول فصل الشتاء.
وقد بلغت دقة المصرى القديم فى الحسابات الفلكية درجة مذهلة، حتى إنه نجح فى ضبط المواقيت والحسابات بحيث تتعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى داخل معبد أبو سنبل فى أسوان مرتين كل عام، الأولى فى 22 فبراير.
وواصل المصرى المعاصر عبقرية الأجداد، فالثانية فى 22 أكتوبر الجارى تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى الموجود فى البهو العظيم بالمتحف المصرى الكبير، والذى تم اختيار موقعه بدقة ليحدث التعامد بالفعل كما فعلها المصريون القدماء، كما لعبت الحسابات الفلكية دورًا كبيرًا فى اعتماد المصرى القديم عليها فى ضبط مواعيد الفيضان وبذر البذور فى الأراضى الزراعية والحصاد، وغيرها من الأحداث المهمة طوال العام.
الدكتورة آيات حسيب رئيس قسم التسجيل والتوثيق الأثرى فى المتحف المصرى الكبير لها دراسة مهمة، والتى حصلت بها على درجة الدكتوراة فى الآثار المصرية من كلية الآثار بجامعة القاهرة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكانت الدراسة بعنوان «المفهوم العقائدى والاجتماعى لأيام الحظ والنحس فى النصوص المصرية خلال عصر الدولة الحديثة» دراسة لغوية مقارنة، وقالت فيها إنه لم يكتف المصرى القديم بما ناله من باهر العلوم ومدهشات الفنون التى لا تزال الأيام تكشف لنا غوامض أسرارها ومكنونات أخبارها، والمستقبل وحده كفيل باستجلاء جميع غوامضها.
ولم يقف جده واجتهاده عند حد محدود، ولم يقتنع بما آل إليه فى العلوم الطبيعية كالطب والفلك، فلجأ إلى ما فوق الطبيعة، فأنشأ العلوم السحرية ومهر فيها، وسيطر بها على النفوس، بل جدوا فى تلافيها الأمراض والأزمات قبل وقوعها ومحاربتها قبل وجودها فالتجأ إلى علم الفلك، فى هذا قال ديودور الصقلى المؤرخ اليوناني: إنه لا توجد بلدة فى العالم كمصر لوحظ فيها بكل دقة نظام الكواكب وحركتها، دونت فيها المؤلفات الفلكية منذ عدة قرون وحوت المعلومات الخاصة بعلاقة الكواكب بالمواليد الحيوانية، وتأثير الكواكب فى الخير والشر، وربط أيام السنة بالتفاؤل والتشاؤم.
وتابعت الدراسة: المصرى القديم كان يتم واجباته نحو المعبودات ويبدأ العطلة الدينية، ولكنه لا يستطيع أن يستمتع بالملذات أو يؤدى أعمالًا نافعة دون أن يحتاط لأمره، بسبب ما يعرف بتقاويم أيام الحظ والنحس، فاعتقد أن بعض أيام من السنة قد تكون سعيدة والبعض الآخر مشئومة، وعليه قسموا السنة بفصولها وشهورها إلى أيام خير وأيام نحس، وقد أبقت لنا الوثائق على برديات تحتوى نصوصًا فى هذا الصدد وعرفت بـ(تقاويم أيام الحظ والنحس)، والتى تلقى الضوء على ارتباط المعبودات المصرية القديمة بالكواكب والنجوم وحركتها بشكل كبير.
وقد ابتكر المصرى القديم تقويمًا ينظم على أساسه شئون حياته، معتمدًا على الظواهر الطبيعية المحيطة به من فيضان، وزراعة، ثم حصاد، وبالتالى كان لابد وأن يتطور علم الفلك ليربط بين ظهور نجم سوبدة قبيل شروق الشمس، وهى ظاهرة لا تتكرر سوى مرة واحدة فى العام، وتتوافق مع بداية وصول مياه الفيضان، وهكذا كان شروق نجم سوبدة بشيرًا بقدوم الفيضان، فجعله المصريون بداية للسنة والتى قسمت إلى ثلاثة فصول كل منها يضم أربعة أشهر، وهى الفترة التى يستغرقها كل فصل قبل بداية الفصل التالى، ثم أضافوا فى نهاية السنة خمسة أيام, ليكتمل عدد أيام السنة المصرية إلى ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً إلى أن تتكرر ظاهرة شروق نجم سوبدة مرة أخرى وبالتالى تبدأ سنة جديدة.
 
                                
                                    





