الأحد 7 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دولــة القــانـون تحـمــــــــى

فى مشهد سياسى اتسم بالزخم، جاءت أحكام المحكمة الإدارية العليا بإلغاء نتائج الانتخابات فى نحو 30 دائرة من دوائر المرحلة الأولى، ليرتفع عدد الدوائر التى ستعاد فيها الانتخابات البرلمانية مرة أخرى إلى 49 دائرة من بين 70 دائرة تمثل نسبة 70% من إجمالى عدد دوائر المرحلة الأولى، فى سابقة هى الأولى، لتفرض واقعًا جديدًا على الخارطة الانتخابية.



قرار المحكمة الإدارية العليا جاء بعد دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الهيئة الوطنية للانتخابات لمتابعة كل مراحل العملية الانتخابية بدقة واتخاذ ما يلزم لضمان تكافؤ الفرص لجميع المرشحين وحماية حقوق المواطنين، حيث يظل صوت كل مواطن عاملًا حاسمًا فى تشكيل البرلمان المقبل، لتتجه الأنظار إلى المرحلة المقبلة وما ستسفر عنه من نتائج تعزز مسيرة الاستقرار فى البلاد.

خبراء قانونيون وسياسيون يؤكدون فى تصريحات خاصة لجريدة «روزاليوسف» أن حكم المحكمة الإدارية العليا يمثل سابقة قضائية غير مسبوقة ويؤكد فعالية الرقابة القضائية وقدرة الدولة على ضبط أى تجاوزات أو مخالفات تهدد نزاهة الاستحقاق البرلماني، كما أنه يوضح وجود آليات تصحيح ذاتى تعمل فور ظهور أى خلل دون أن يهدد ذلك استمرارية عمل البرلمان المقبل.

الدكتور صلاح فوزي، الفقيه الدستوري، يشدد على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا التى ألغت نتائج الانتخابات فى 30 دائرة تشكل لحظة قضائية لافتة تعيد ضبط المشهد الانتخابى دون أن تحدث أى ارتباك دستوري، مشيرًا إلى أن هذا العدد الكبير من الدوائر الملغاة يكشف عن فعالية الرقابة القضائية، ويثبت أن العملية الانتخابية تمتلك آليات تصحيح ذاتى تعمل كلما ظهرت تجاوزات أو مخالفات تهدد نزاهة الاستحقاق.

ويشير فوزى إلى أن تلك الأحكام تفعل التزامات واضحة على الهيئة الوطنية للانتخابات، التى تتولى فورًا إعادة ترتيب الجدول الزمنى وإجراء انتخابات تكميلية فى الدوائر التى أُلغيت نتائجها، موضحًا أن هذا المسار يُدار وفق إجراءات مستقلة تضمن سلامة العملية برمتها، مستندًا إلى المادة 156 من الدستور، التى تعطى رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون فى حال عدم انعقاد مجلس النواب، على أن تُعرض هذه القرارات على المجلس الجديد خلال 15 يومًا من أول اجتماع له، موضحًا أن هذه الآلية تضمن استمرار الوظيفة التشريعية دون أى فراغ، حتى فى ظل إعادة الانتخابات فى هذا العدد من الدوائر.

وفى سياق متصل، يوضح الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، أن التوجيه الرئاسى يمثل نقطة البدء الحقيقية لتصحيح مسار العملية السياسية والانتخابية، وأن إجراءات المحكمة الإدارية العليا تعد ـ فى تقديره ـ تطبيقًا واعيًا لدولة القانون، حيث يتاح لأصحاب المصلحة اللجوء للمسار القانونى وتقديم الطعون، بينما يأتى رفضها كتقدير قضائى يعيد تأكيد سيادة القانون ودوره فى ضبط المشهد الانتخابي.

الشق المتعلق بالحيلولة دون تكرار الخروقات يشكل ـ وفق سلامة ـ مشروعًا ضخمًا يبدأ بالتوجيه الرئاسى الرافض لأى تجاوزات شابت المرحلة الأولى من الانتخابات، وفكرة الوعى تحتل موقع القلب فى هذا المشروع، إذ تتطلب توعية مستدامة تمتد عبر فترة زمنية طويلة، خاصة أن بعض الممارسات، مثل استغلال الحاجة الاقتصادية وشراء الأصوات، تنتمى إلى موروث سياسى متجذر يتجدد حضوره فى أوقات الأزمات، موضحًا أن معالجة الأسباب الجذرية ـ من تحسين مستويات المعيشة وتوسيع المبادرات الاجتماعية تمثل ـ فى نظره ـ المسار الوحيد لقطع الطريق أمام استغلال الفئات الأكثر هشاشة.

كما أن ضبط العملية السياسية والانتخابية يشكل أولوية حالية، مع تأكيد أن مصر مقبلة على استحقاقات جديدة خلال 5 سنوات، ما يجعل انضباط المسار أمرًا لازمًا منذ الآن، وتفعيل القانون يبدو ـ لدى سلامة ـ ضرورة لا تقبل التأجيل، خاصة فى ظل وجود نصوص واضحة تجرم المخالفات.

ويرى أن إعادة تقييم التجربة الانتخابية برمتها تظل خطوة مطلوبة، فوجود مجلس نواب، رغم ما قد يشوبه من أخطاء، يظل أفضل بما لا يُقاس من غيابه، بينما يبقى التوجيه الرئاسى هو الشرارة الأولى لإعادة الانضباط للمشهد السياسى والانتخابى فى مصر.

ويؤكد الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية، أن ما تشهده الساحة من حديث عن مرحلة أولى ومرحلة ثانية، إلى جانب وجود ما يقرب من 48 إلى 49 دائرة يُعاد فيها التصويت أو تُلغى نتائجها، يظهر بشكل جلى أن العملية الانتخابية برمتها تواجه مشكلة جوهرية تتطلب إصلاحًا معمقًا.

غباشى يوضح أن المحكمة الإدارية العليا تثبت بوضوح وجود مخالفات كافية تستدعى إلغاء انتخابات الدائرة المعنية، مؤكّدًا أن الوصول إلى حد الإلغاء يعتبر أقصى درجات العقوبة الانتخابية الممكنة، منوهًا إلى أن وجود تجاوزات أو مخالفات أمر وارد فى أى عملية ديمقراطية، إلا أن وصولها إلى مستوى يستدعى الإلغاء الكامل يعنى أن الأمر بلغ ذروته، بما يفرض إعادة تقييم شاملة للمنظومة الانتخابية، لافتًا إلى أن نظام القائمة المطلقة المغلقة يقترب ـ من حيث الممارسة ـ من مفهوم الاستفتاء أو التعيين، أكثر من كونه عملية انتخابية حقيقية تتنافس فيها الإرادات الشعبية.

أيضًا، يؤكد اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، أن حكم المحكمة الإدارية العليا الذى ألغى نتائج الانتخابات فى نحو 30 دائرة من المرحلة الأولى يشكل سابقة قضائية لافتة فى المشهد الانتخابى المصري، ويبرز أن القضاء قادر على ضبط مسار الانتخابات والتصدى لأى تجاوزات تؤثر على صحة النتائج.

فرحات يشير إلى أن المحكمة وجدت خللًا فى الالتزام بضوابط الفرز والتصويت، إضافة إلى تجاوزات فى التوثيق وإجراءات اللجان الفرعية، ما جعل استمرار النتائج فى هذه الدوائر يهدد مصداقية الاستحقاق النيابى بأكمله، مشيرًا إلى أن قرار الإلغاء جاء بعد ثبوت أن الانتهاكات أثرت بشكل مباشر على صحة العضوية، ما يفرض اتخاذ إصلاحات عاجلة قبل أى جولة لاحقة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات.