مصر تضع بصمتها على خريطة التصنيع العسكرى العالمى
عمرعلم الدين
شهد معرض الدفاع الدولى «إيديكس 2025» هذا العام تقدمًا نوعيًا ملحوظًا فى مجال الصناعات العسكرية المصرية، حيث عرضت الدولة عددا من من المعدات الدفاعية المتطورة، المصممة وفق أحدث النظم العالمية، لتعكس مكانة مصر كقوة صناعية عسكرية إقليمية.
ومن أبرز الابتكارات التى استحوذت على اهتمام الزوار والخبراء الدوليين الطائرات المسيّرة، التى أصبحت أحد أهم عناصر الحروب الحديثة، إلى جانب منظومات مضادات الطائرات، وتطوير المدافع والمركبات القتالية، وغيرها من الأنظمة الدفاعية المتقدمة التى تؤكد قدرة مصر على المنافسة عالميًا.
وأكدت الجهات المشاركة أن هذه الإنجازات جاءت بتوجيهات القيادة السياسية ومجهود مشتركة بين القوات المسلحة وشركاتها الصناعية، بالتعاون مع الجهات الوطنية الحكومية والخاصة، ضمن استراتيجية واضحة تهدف إلى توطين الصناعة الدفاعية محليًا، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، وتوفير احتياجات القوات المسلحة المصرية بكفاءة عالية.
كما أشار القائمون إلى أن هذا النهج يسمح لمصر أيضًا بتصدير الفائض من الإنتاج إلى الأسواق الخارجية، ما يضع الصناعة الدفاعية المصرية ضمن قائمة الدول القادرة على تقديم حلول عسكرية متقدمة على مستوى عالمي، ويعزز مكانة مصر كرافد مهم لتطوير الصناعات الدفاعية فى المنطقة.
ويُعد هذا التوجه جزءًا من استراتيجية الدولة الشاملة لتعزيز الاعتماد على الذات فى القطاع الدفاعي، واستثمار القدرات المحلية والكفاءات الوطنية فى تطوير أسلحة ومنظومات حديثة، بما يحقق الأمن القومى ويوفر قيمة اقتصادية حقيقية عبر تقليل فاتورة الاستيراد وتعظيم الاستفادة من الإنتاج المحلي.
منظومات متطورة من الذخائر الذكية
فى إطار دعم الدولة للقطاع الخاص كشريك وداعم فى مسيرة التطوير والتنمية شهد معرض ايديكس فى نسخته الرابعة حضور مميز لشركة «أمستون» للصناعات الدفاعية والأمنية والتى كشفت عن الأنظمة والمسيّرات والذخائر الذكية المطوّرة محليًا.
وأوضح المهندس محمد سيد مستشار الشركة، أن «أمستون» باتت نموذجًا متكاملًا لشركة وطنية تمتلك قدرات تطوير وتصنيع كاملة للمنظومات الدفاعية، اعتمادًا على قاعدة صناعية وطنية مدعومة بكفاءات هندسية عالية التأهيل فى مختلف التخصصات.
وأشار إلى أن البيئة الاستثمارية التى وفرتها الدولة أسهمت فى تسريع وتيرة تطوير الشركة وتمكينها من دخول مجالات جديدة فى الصناعة العسكرية.
وأضاف أن الشركة تعمل عبر محاور تشمل المنظومات البحرية والجوية والبرية والدفاع الجوي، وتمتلك خطوط إنتاج خاصة بها، إلى جانب شراكات صناعية ولوجستية مع عدد من المصانع الحربية، بما يتيح تكاملًا صناعيًا يرفع جودة المنتجات ويزيد قدرتها على المنافسة الدولية.
وأشار المستشار الفنى للشركة أنهم يعرضون فى «إيديكس 2025» مجموعة من المنتجات العسكرية التى تقدم لأول مرة على المستوى الدولي، ومن أبرزها:
■ المسيّرة «جبار 150» وهى طائرة هجومية انتحارية قادرة على حمل 40–50 كجم من المتفجرات، وتستخدم منظومة توجيه عالية الدقة عبر GPS.
■ المسيّرة “جبار 200”: نسخة مطوَّرة مزودة بقدرات طيران محسّنة مع حمولة تصل إلى 50 كجم.
■ قنبلة موجهة جديدة تم تطويرها بالشراكة مع إحدى الدول، مزودة بمحرك وأجنحة، وتبلغ سرعتها نحو 700 كم/ ساعة، بمدى عملياتى يصل إلى 100 كم، وبرأس حربى يزن 450 جم.
وكشف “سيد” عن أن «أمستون» توسعت خلال السنوات الأخيرة فى أسواق خارجية، حيث ترتبط بشراكات تعاون وتطوير مشترك فى أكثر من 20 دولة إفريقية، إضافة إلى دول فى الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن هذه الشراكات تهدف إلى دمج الميزات الفنية للأنظمة المصرية مع نظيراتها الإقليمية، للخروج بمنظومات متكاملة تلبى احتياجات الجيوش وتحقق قيمة تشغيلية عالية مضيفا أن الإنتاج بتكلفة قد تصل إلى نسبة ٥٠٪ من تكلفت نفس المنتح الذى يتم استيراده من الخارج، بالإضافة أننا نعتمد على الخبرات الوطنية، مشددًا على أن الصناعات العسكرية أصبحت ركيزة مؤثرة فى الاقتصاد الوطنى ومحورًا مهمًا للدخل القومي.
الطائرات المسيرة في معرض «إيديكس 2025»
فى إطار سعيها لتقديم ما هو متطور فى المجال العسكرى شاركت الهيئة العربية للتصنيع فى معرض “إيديكس 2025” بمجموعة من المنتجات الجديدة المتنوعة على راسها الطائرات المسيّرة ذات قدرات تشغيلية مختلفة، فى إطار ما وصف بـ»نقلة نوعية» فى مسار تطوير الصناعات الجوية المصرية.
قال مهندس محمد عوض، رئيس مجلس إدارة مصنع الطائرات التابع للهيئة العربية للتصنيع، أن الهيئة تمضى بخطى متسارعة نحو امتلاك منظومات متكاملة لتطوير وإنتاج المسيّرات، مؤكداً أن مصر أصبحت تمتلك اليوم قاعدة صناعية تمكنها من تصنيع نسبة كبيرة من هذه الطائرات محليًا، وبمستويات أداء تقترب من المواصفات العالمية.
طائرة «حمزة-1».. منصة استطلاع تكتيكية متقدمة
كشف رئيس مصنع الطائرات عن التفاصيل الفنية للطائرة «حمزة-1» موضحًا أنها طائرة استطلاع تكتيكية مزوّدة بكاميرا عالية الدقة، وتصل سرعتها إلى 85 كيلومترًا فى الساعة، بمدى تشغيلى يبلغ 80 كيلومترًا، وقدرة على البقاء فى الجو لمدة تصل إلى 8 ساعات.
وتدار الطائرة بالكامل من خلال محطة تحكم أرضية، ما يجعلها مناسبة لمهام الاستطلاع التكتيكي، وتأمين الحدود، ومهام تصحيح نيران المدفعية، إضافة إلى دعم عمليات المراقبة المستمرة فى مختلف البيئات.
دعم الجندى المقاتل
وأشار عوض إلى أن الهيئة تعرض للمرة الأولى فى إيديكس 2025 منظومات طائرات صغيرة محمولة فرديًا، مصممة خصيصًا لتعزيز قدرات الجندى المقاتل فى الميدان.
وأوضح أن هذا النظام يتكون من منصة إطلاق فردية تحمل أربع طائرات مسيّرة خفيفة يصل مداها إلى 3 كيلومترات.
ويمكن لهذه المسيّرات تنفيذ نوعين من المهام أولها مهام هجومية: عبر حمل ذخيرة متفجرة تزن نحو 250 جرامًا، مع توجيه دقيق نحو الأهداف بفضل وحدة توجيه صغيرة ومتكاملة.
ثانيًا: مهام استطلاع من خلال تزويدها بكاميرات تصوير آنية، مع إمكانية استعادتها بعد انتهاء المهمة.
كما كشفت الهيئة عن مسيّرة انتحارية أخرى يصل مداها إلى 6 كيلومترات، مخصصة للتعامل مع أسطح المدرعات والأهداف المحصنة، ضمن منظومات الدعم النيرانى القريب.
“حمزة-2”.. ثمرة تعاون مصري – صينى
أعلن اللواء محمد عوض عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة نورينكو الصينية لإنتاج الطائرة الجديدة «حمزة-2»، وهى طائرة استطلاع مسلح تتميز بقدرتها على حمل صاروخين مضادين للمركبات، يصل مدى كل منهما إلى 8 كيلومترات، بينما يتجاوز مدى الطائرة نفسها 200 كيلومتر.
وأوضح أن النموذج المعروض فى جناح الهيئة هو نموذج مصغر يمثل ربع الحجم الحقيقى للطائرة الأصلية، قائلًا: إن المشروع الجديد يعكس توجهًا جادًا نحو تطوير طائرات قتالية متعددة المهام تخدم احتياجات القوات المسلحة المصرية وتنافس فى الأسواق الدولية.
قدرات تصنيع محلية تصل إلى 85%
وفى حديثه عن نسب التصنيع المحلي، أكد رئيس مصنع الطائرات أن الهيئة قادرة على تصنيع نحو 85% من مكونات الطائرات المسيّرة محليًا، بما يشمل:
■ الهيكل المصنوع من المواد المركبة (Composite Materials).
■ الأنظمة الإلكترونية.
■ الوحدات الكهربائية والكابلات.
■ خطوط الاختبار والتجميع.
وأشار إلى أن الهيئة تمتلك منظومة إنتاج تكاملية بين مصانعها المختلفة، ما يتيح تنفيذ سلسلة تصنيع كاملة داخل مصر، ويجعل عملية نقل التكنولوجيا وتوطينها عملية قابلة للتوسع خلال السنوات المقبلة.
وشدد المهندس عوض على أن ما تشهده الهيئة اليوم يُعد قفزة حقيقية فى مجال الصناعات الدفاعية الجوية، مشيرًا إلى أن الوصول إلى نسبة تصنيع محلى تبلغ 85% فى منظومات حساسة كالمسيّرات يؤكد قدرة مصر على المنافسة إقليميًا والاعتماد على الذات فى بناء قدراتها الدفاعية.
مضيفًا: سنواصل العمل على تطوير المزيد من النماذج، بما يلبى متطلبات القوات المسلحة ويعزّز مكانة مصر فى مجال الصناعات الدفاعية المتقدمة.
جيل جديد من الطائرات المسيّرة
من جانبه قال دكتور طيار هشام الحلبى، المستشار بأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية إن تنظيم مصر لمعرض الدفاع الدولى «إيديكس 2025» تعكس حجم التطوروالكفاءة الذى وصلت إليه الصناعات الدفاعية الوطنية، خاصة فى مجال الطائرات المسيّرة التى أصبحت أحد الأعمدة الرئيسية للقوة الحديثة فى الجيوش حول العالم.
وأوضح “الحلبى” أن جناح مصر فى المعرض يشهد هذا العام عرضًا واسعًا لمنظومات الطائرات غير المأهولة، من بينها طائرات استطلاع تكتيكية، ومسيّرات مسلّحة، وطائرات انتحارية موجّهة، إلى جانب منظومات مسيّرات صغيرة محمولة للجندى المقاتل. ويرى أن هذا التنوع يعكس دخول مصر بقوة إلى خريطة الإنتاج المتقدم للتكنولوجيا العسكرية الدقيقة على المستوى الإقليمى والدولي.
من الاستيراد إلى التصنيع
أكد اللواء الحلبى أن مصر تخطت مرحلة الاعتماد على الخارج فى مجال الطائرات المسيّرة، لتنتقل إلى مرحلة التطوير والإنتاج المحلى القائم على البحث العلمى ونقل التكنولوجيا، مع وصول نسب التصنيع المحلى فى بعض المنظومات إلى %85.
وشدد على أن هذه الطفرة لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت ضمن استراتيجية واضحة تتبناها الدولة لتعزيز الصناعات الدفاعية، وإتاحة المجال أمام القطاع الخاص، وتخريج كوادر هندسية قادرة على الابتكار فى مجالات الذكاء الاصطناعى وأنظمة التحكم والاستشعار.
وأكد أن هذا التنوع فى القدرات التشغيلية يعكس فهمًا عميقًا لطبيعة التهديدات الحديثة، حيث أصبحت المسيّرات عنصرًا أساسيًا فى مهام الاستطلاع والاستخبارات والهجمات الدقيقة منخفضة التكلفة.
ابتكار محلى وتطوير مستمر
شدد اللواء الحلبى على أن أبرز ما يميز التجربة المصرية هو الاعتماد على الابتكار المحلي، مع القدرة السريعة على تطوير النماذج وفقًا لمتطلبات القتال واحتياجات القوات المسلحة.
وأوضح أن هناك مراكز متخصصة لتجميع الملاحظات العملياتية وتطوير نسخ جديدة من المسيّرات بناءً على الخبرات الميدانية، وهو ما يمنح الصناعة المصرية مرونة تتجاوز الدول المنافسة.
وأشار إلى أن الجيل القادم من الطائرات المسيّرة المصرية يركز على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الرصد الكهروبصري، والاتصالات المشفرة، لضمان أعلى دقة فى الاستهداف وقدرة أكبر على العمل فى البيئات المعقدة التى تشهد مستوى مرتفعًا من التشويش الإلكتروني.
وأضاف، «إيديكس» لم يعد مجرد معرض لعرض الأسلحة، بل أصبح منصة استراتيجية لإظهار قوة مصر الصناعية والعسكرية، ورسالة واضحة بأن الدولة تمتلك إرادة حقيقية وقدرة فعلية على بناء منظومات دفاعية متطورة.
وأكد أن الطائرات المسيّرة ستكون أحد أهم محاور تطوير القوات المسلحة خلال السنوات المقبلة، فى ظل التغير المتسارع فى طبيعة الصراعات وارتفاع أهمية الأنظمة غير المأهولة فى المعارك الحديثة.










