صعود المستقلين يقلب الموازين
نهى حجازى وزينب ميزار
بعد المفاجأة التى حملتها جولة الإعادة فى الدوائر الـ 19 الملغاة بقرار الهيئة الوطنية للانتخابات والتى شهدت صعود المستقلين بعدد كبير من مقاعد مجلس النواب، خصوصًا بعدما أصبحت الكتلة المستقلة رقمًا صعبًا يصعب تجاهله.
الانتخابات الأخيرة أفرزت معادلة مختلفة، أحزاب كبيرة تعيد حساباتها، ومستقلون يدخلون بثقل غير مسبوق، ومشهد سياسى ينتظر ترتيب الأوراق من جديد.
ومع أن الحديث عن تحالفات شاملة لا يزال مبكرًا، إلا ان كواليس البرلمان ستشهد نقاشات واسعة حول الملفات، والبرامج، ودوائر التأثير وربما من هذه النقاشات سيولد أول تحالف حقيقى فى الدورة الجديدة.
سياسيون وحزبيون أكدوا فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» أن الأصل فى العمل الحزبى هو تنفيذ برامج الأحزاب وأى تنسيق أو تحالف لا يكون إلا عندما تتوافق الرؤى.
ضرورة دمج الأحزاب
الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية يؤكد، أن نتائج الانتخابات ونجاح المستقلين تعكس قصور الأحزاب عن أداء وظائفها، وعدم اقتناع الناس بالأحزاب السياسية الموجودة حاليًا، مشيرًا إلى أن هناك غياب ثقة لدى الناخب فى الكيانات السياسية القائمة، ولذلك يمنح صوته لمرشح من خارج الإطار الحزبى، مما يعنى أن البنية الحزبية برمتها تحتاج إلى مراجعة سواء مراجعة داخلية ذاتية أو مراجعة تشريعية.
سلامة يشير إلى أن وجود 104 أحزاب عدد مبالغ فيه، خاصة مع وجود تيارات متقاربة داخل هذا الكم الكبير من الأحزاب، مؤكدًا أنه من الضرورى الاتجاه إلى دمج الأحزاب المتشابهة بنص قانونى أو حل الأحزاب التى فشلت فى تحقيق أى مقعد على مدار دورتين متتاليتين، أى ما يقارب عشر سنوات.
ويضيف: إن هذه الأحزاب حصلت على فرصتها كاملة، وبالتالى فإن الظاهرة الحزبية تحتاج إعادة نظر سواء فى التفاعلات الداخلية أو فى بناء قواعد شعبية حقيقية.
ويتابع: انضمام المستقلين إلى الأحزاب مسألة اختيارية وفق تعبيره، لكنه يرى فيها خيانة للأمانة؛ لأن الناخب اختارهم على أساس كونهم مستقلين، ولم يمنحهم تفويضًا للانضمام إلى حزب بعد الفوز ولو كان الناخب يريد نائبًا حزبيًا لاختار من البداية مرشحًا ينتمى إلى حزب، وبالتالى فإن تغيير الصفة بعد الفوز يشوب العملية الانتخابية، إضافة إلى أخطاء كثيرة لا يفضلها.
أستاذ العلوم السياسية يوضح أن المجلس، فى حال رغبته، من الممكن أن يسقط عضوية النائب المستقل بعد انضمامه إلى الأحزاب لأنه خدع الناخبين، لكن هذا لا يحدث فى الواقع العملى؛ إذ تتكرر هذه الحالات بسبب أن الأحزاب التى تستقطب النواب تمتلك الأغلبية، وبالتالى لا يتم التصويت على فصل العضو الذى غيّر صفته من مستقل إلى حزبى، لأن إسقاط العضوية يتطلب تصويتًا وأغلبية غير متوافرة فى مثل هذه الحالات.
حماة الوطن
الدكتور عمرو سليمان، المتحدث باسم حزب «حماة الوطن»، يرى أن مشهد صعود المستقلين لم يكن مجرد صدفة انتخابية، بل «تتويج» لمسار كامل من تصحيح المسار الذى قاده الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الأسابيع الماضية مشيرا إلى أن وجود المستقلين فى عدد كبير من مقاعد الإعادة يعنى الكثير ونحن أمام معادلة جديدة تتطلب الهدوء، وتستلزم التروى قبل الحديث عن أى تحالفات والاندفاع فى هذه المرحلة قد يؤدى إلى حسابات خاطئة.
سليمان يؤكد أن العملية الانتخابية اكتسبت مستوى جديدًا من النزاهة والحرية، وهو ما جعل خيارات الناخبين أكثر تحررًا، وأكثر قدرة على إيصال رسائل واضحة ويضيف أن تصحيح المسار الذى تحدث عنه الرئيس السيسى أعطى للمواطن قيمة أكبر فى صناعة الاختيار وهذا يحتم علينا أن ندرس المرحلة بعين واعية قبل أن نتخذ أى قرار سياسى أو تحالفى.
وعلى الجانب الآخر، يؤكد الدكتور زاهر الشقنقيرى، عضو مجلس الشيوخ والمتحدث باسم حزب «الشعب الجمهورى»، أن التحالفات ليست رد فعل، بل «قرار له مقتضياته وأسبابه وشروطه».
الشقنقيرى يشير إلى أن الأصل فى العمل الحزبى أن يسعى الحزب إلى تنفيذ رؤيته وبرنامجه وأى تنسيق أو تحالف لا يكون إلا عندما تتوافق الرؤى فى ملف ما وهذا قد يتوافر فى ملفات، وقد لا يتوافر فى أخرى. لذلك: ممكن نعم.. وممكن لا».
حزب التجمع
محمد فرج الأمين العام لحزب التجمع، يؤكد أن فكرة انضمام المستقلين عقب فوزهم فى الانتخابات خلال الفصل التشريعى محظورة طبقًا للقانون والدستور، لأن النائب الذى ينجح على صفة معينة، سواء كانت صفة حزبية أو صفة مستقلة، لا يجوز له تغيير هذه الصفة أو الانضمام لجهة أخرى بعد فوزه فى الانتخابات واكتسابه عضوية البرلمان، وإلا تسقط عنه العضوية طبقاً لقانون مجلس النواب.
فرج يوضح أن هذه النصوص جاءت دستورية بهدف الحفاظ على الولاءات السياسية وصون حق الناخب الذى انتخب مرشحًا على صفة محددة وبأيديولوجية واضحة، وبالتالى لا يجوز تغيير الصفة لافتا إلى أن هذه الأمور كانت منتشرة بشكل كبير قبل تعديل دستور 2014، حيث كان من الممكن للنواب تغيير صفاتهم؛ فقد يتحول النائب إلى مستقل ثم ينضم إلى حزب لاحقًا، وكان ذلك يمثل مظهرًا غير ديمقراطى أما فى الوضع الحالى، فلا يجوز تغيير الصفة سواء من حزبى إلى مستقل أو من مستقل إلى حزبى.
ويستطرد: ما يمكن أن نراه فى المرحلة القادمة، نتيجة التجربة التى مررنا بها فى المرحلة الحالية، هو أن بعض المستقلين تمكنوا من الفوز رغم أنهم خارج كتل الأحزاب الكبيرة أو الأحزاب ذات الثقل السياسى ووفق تأكيده قد تسعى الأحزاب خلال الفترة المقبلة، إلى دراسة أوجه الخلل التى تعانى منها وفهم أسباب نجاح وتقدم المستقلين فى بعض الدوائر، مقابل خسارة مرشحى الأحزاب فى تلك الدوائر مبينا أن هذا قد يدفع الأحزاب إلى تبنى رؤية مختلفة.






