الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشفافية درع الدولة لحماية الاقتصاد

تسارع تدفق المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعى المختلفة، وترويج الشائعات والمعلومات المغلوطة أحد أبرز التحديات التى تواجه الاقتصادات الحديثة، لا سيما فى الدول التى تنفذ برامج إصلاح اقتصادى واسعة مثل مصر، فالكلمة غير الدقيقة، أو الرقم غير الموثق، قد تتحول فى لحظات إلى عامل ضغط على الأسواق، يؤثر فى قرارات المستثمرين وثقة المواطنين، ويشوّه الصورة الحقيقية لمسار الاقتصاد.



وتعد الشائعات الاقتصادية من أخطر أنواع الشائعات، لأنها تستهدف المؤشرات الحساسة مثل سعر الصرف، ومستويات الدين، وحجم الاحتياطى النقدى، وفرص الاستثمار، وغالبًا ما تضخم هذه الشائعات من مخاوف غير واقعية، أو تفسر بيانات اقتصادية جزئية خارج سياقها الصحيح، بما يخلق حالة من القلق المؤقت فى الأسواق، ويؤدى إلى ردود فعل سريعة لا تستند إلى أسس علمية أو تحليل موضوعى.

ورغم هذا التحدى، أظهر الاقتصاد المصرى خلال السنوات الأخيرة قدرًا لافتًا من الصلابة والقدرة على امتصاص تأثير المعلومات المغلوطة، مستندًا إلى مؤسسات اقتصادية أكثر شفافية، وسياسات مالية ونقدية تعتمد على الإفصاح المنتظم ونشر البيانات الرسمية، وقد ساهم ذلك فى تقليص فجوة المعلومات بين الدولة والمواطنين والمستثمرين، وخلق مرجعية موثوقة تقلل من تأثير الأخبار غير الدقيقة.

كما لعبت سرعة رد الجهات الرسمية دورًا محوريًا فى مواجهة الشائعات، سواء عبر البيانات التوضيحية أو المؤتمرات الصحفية أو المنصات الرقمية الحكومية، ما عزز مناخ الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، فالمستثمر يبحث بالأساس عن وضوح الرؤية واستقرار السياسات، وعندما تتوافر المعلومات الدقيقة فى توقيت مناسب، تتراجع قدرة الشائعة على التأثير فى قراراته.

فى المقابل، أسهم تنامى الوعى الإعلامى والاقتصادى لدى قطاع واسع من المواطنين فى تقليل الانسياق وراء الأخبار غير الموثوقة، ويمكن القول إن مواجهة الشائعات ليست مجرد معركة معلومات، بل جزء من إدارة الاقتصاد الحديث وبناء الثقة طويلة الأجل، فكلما تعززت الشفافية، وارتفع مستوى الوعى، وتكامل دور الإعلام مع المؤسسات الرسمية، أصبحت الشائعات أقل تأثيرًا، وتحول الاقتصاد من مجرد متلقٍ للضغوط إلى نموذج أكثر قدرة على الصمود وجذب الاستثمارات فى بيئة إقليمية ودولية شديدة التقلب.

فى هذا الإطار يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادى: إن الشائعات تعد سلاحًا قديمًا يستخدم فى مختلف المجالات، وعلى رأسها السياسة والاقتصاد، مشيرًا إلى أن الشائعات فى الغالب لا تكون عشوائية أو عارضة، بل تأتى فى كثير من الأحيان بشكل مُصطنع، تقف وراءها جماعات أو أفراد يسعون إلى تحقيق أهداف محددة تخدم مصالحهم.

ويضيف: إن استخدام الشائعات كسلاح شهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى، التى أصبحت منصة رئيسية لعمل فرق تأثير ولجان إلكترونية تعمل على بث الشائعات على مختلف المستويات، بل إن الأمر لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمتد إلى دول تسعى للإضرار بدول منافسة، إلى جانب كيانات اقتصادية تلجأ لنشر الشائعات كوسيلة لمواجهة كيانات أخرى فى السوق.

وحول آثاره وتداعياته، يؤكد أن نشر الشائعات يترك آثارًا سلبية مباشرة على بعض المستثمرين، خاصة من حيث التردد فى دخول السوق، لافتًا إلى أن أسواق المال تأتى فى مقدمة القطاعات الأكثر تأثرًا، إلى جانب الصناعات الثقيلة التى تتطلب ضخ استثمارات ضخمة وطويلة الأجل، كما أن انتشار الشائعات يدفع المستثمرين إلى إعادة النظر فى قراراتهم وإجراء المزيد من دراسات الجدوى للمشروعات، فى حين تبقى الصفقات العارضة التى تتم خلال فترات زمنية محددة أقل القطاعات تأثرًا بتلك الشائعات.

ويشدد الخبير الاقتصادى على أنه رغم تطور آليات الحكومة فى التعامل مع الشائعات والرد عليها، يظل وعى المواطن هو خط الدفاع الأول فى مواجهة انتشارها، مؤكدًا أن وسائل التواصل الاجتماعى لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر موثوق للأخبار، ولا يمكن أن تكون بديلًا عن المصادر الرسمية المعتمدة فى تلقى المعلومات.

أيضًا يرى الدكتور عيد رشاد عبدالقادر، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس، أن الثقة تلعب دورًا محوريًا فى قرارات الاستثمار، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، وتعد الشائعات الاقتصادية أحد أهم العوامل التى قد تضعف هذه الثقة، موضحًا أن الشائعات الاقتصادية تؤثر سلبًا على قرارات المستثمرين عبر تضخيم المخاوف المرتبطة بسعر الصرف، أو مستويات الدين العام، أو توافر النقد الأجنبى، وعندما تنتشر أخبار غير مؤكدة حول خفض قيمة العملة أو نقص السلع الأساسية، يتجه بعض المستثمرين إلى تأجيل قراراتهم أو الخروج المؤقت من السوق، ما ينعكس على تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر وعلى أداء البورصة.

ويتابع: تعد بعض القطاعات أكثر تأثرًا بالشائعات من غيرها، وعلى رأسها القطاعين المالى والمصرفى، وسوق الصرف، وقطاعى العقارات والسلع الغذائية، حيث تتفاعل هذه القطاعات بسرعة مع الأخبار والمعلومات المتداولة، سواء كانت صحيحة أو مغلوطة، لذا يقع على عاتق الحكومة دور أساسى فى مواجهة الشائعات الاقتصادية، من خلال تعزيز الشفافية، والإفصاح المنتظم عن البيانات الاقتصادية، وسرعة الرد على الأخبار غير الدقيقة. كما يسهم التواصل الفعال مع الرأى العام والمستثمرين، إلى جانب رفع الوعى الاقتصادى، فى تقليل تأثير الشائعات ودعم استقرار السوق المصرية.