تصحيح المسار الاقتصادى.. نمو متسارع وإصلاحات بلا أعباء
إسلام عبدالرسول
شهد الاقتصاد المصرى خلال عام 2025 تحولات لافتة فى مؤشرات الأداء الأساسية، فى ظل حزمة من الإصلاحات الهيكلية التى استهدفت تعزيز النمو، وضبط المالية العامة، وتقليل النزاعات الضريبية، مع بقاء التحدى الأكبر متمثلًا فى السيطرة على الدين العام وتحقيق استدامة مالية حقيقية.
ورغم تعقيدات المشهد الإقليمى والضغوط الخارجية، اتجهت المؤشرات المالية والاقتصادية نحو التحسن، مدعومة بتوقعات مستقبلية طموحة مع استمرار مسار الإصلاح.
وسجّل الاقتصاد فائضًا أوليًا بلغ 3.6% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العام المالى الماضى، بالتوازى مع تراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلى بنحو 10% خلال عامين، ما انعكس على تحسن نظرة مؤسسات التصنيف الدولية، التى بدأت فى مراجعة تقييماتها للاقتصاد المصرى بشكل أكثر إيجابية، استنادًا إلى التطورات المشجعة على صعيد الاستقرار المالى والنمو.
وقبل ختام العام، نجحت مصر فى اجتياز المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج صندوق النقد الدولى، رغم صعوبة الإجراءات الإصلاحية فى تلك المرحلة، حيث توصلت السلطات المصرية إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن برنامج التمويل الممدد، إلى جانب المراجعة الأولى ضمن صندوق المرونة والاستدامة.
وأكد الصندوق استمرار جهود تحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى، مشيرًا إلى أن الاقتصاد المصرى يُظهر مؤشرات واضحة على نمو قوى، مع ارتفاع النشاط الاقتصادى إلى 4.4% فى السنة المالية 2024/2025، وتحسن ملحوظ فى ميزان المدفوعات، رغم التأثيرات السلبية للتطورات الخارجية. كما لاقت الجهود الأخيرة لتبسيط الإجراءات الضريبية وتيسير التجارة ترحيبًا من القطاع الخاص، ما مهّد لصرف 2.7 مليار دولار تمثل قيمة الشريحتين، إضافة إلى الشريحة الأولى من برنامج تمويل المناخ.
النمو الاقتصادى والناتج المحلى
سجّل الاقتصاد المصرى معدل نمو بلغ 5.3% خلال الربع الأول من العام المالى الحالى، فى مؤشر يعكس تسارع وتيرة التعافى. وتشير التقديرات الأولية إلى توقعات إيجابية لنمو الناتج المحلى الإجمالى خلال العام المالى 2025/2026 بالكامل ليصل إلى نحو 5%، مدعومًا بعدة عوامل، فى مقدمتها استقرار الاقتصاد الكلى، واستمرار الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الهادفة إلى دعم الاقتصاد الحقيقى وتعزيز الأنشطة الإنتاجية.
وجاء الأداء القوى للصناعة التحويلية غير البترولية خلال الربع الأول مدفوعًا بتوطين عدد من الصناعات، حيث ارتفع إنتاج الهواتف المحمولة إلى 10 ملايين جهاز مقارنة بنحو 3.3 مليون جهاز فى العام السابق، ونمت صناعة المركبات بنحو 50%، والمواد والمنتجات الكيماوية بنسبة 44%، والمشروبات 37%، والأثاث 34%، والمستحضرات الصيدلانية 19%، والملابس الجاهزة 17%.
الصادرات مفتاح الاستقرار
ساهمت الطفرة فى الصادرات فى دعم استقرار أسعار الصرف خلال العام، حيث ارتفعت الصادرات غير البترولية إلى 44.4 مليار دولار مقابل 37.5 مليار دولار، بالتوازى مع تراجع الواردات إلى 74.9 مليار دولار بفضل التوسع فى التصنيع المحلى.
وسجّلت الصادرات نصف المصنعة نموًا بنسبة 34.1%، بينما ارتفعت الصادرات تامة الصنع بنسبة 2.4%، وعلى رأسها الملابس الجاهزة التى حققت نموًا بلغ 20.6%.
وفى السياق ذاته، حقق قطاع السياحة نموًا بنسبة 13.8%، مع استقبال 5.1 مليون سائح خلال الربع الأول.
اتساع دور الاستثمارات الخاصة
شهد عام 2025 تحولًا واضحًا فى هيكل الاستثمار داخل الاقتصاد المصرى، بعد ارتفاع مساهمة الاستثمارات الخاصة إلى 25.9% لتستحوذ على نحو 66% من إجمالى الاستثمارات المنفذة، مقابل تراجع حصة الإنفاق الاستثمارى العام إلى نحو 34%.
وأظهرت البيانات الرسمية تعافيًا ملحوظًا فى النشاط الاقتصادى، حيث سجل معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى خلال 2024/2025 نحو 4.4%، وهو الأعلى منذ ثلاث سنوات، مدفوعًا بأداء قوى لقطاعات الصناعة التحويلية والسياحة والاتصالات.
طفرة ضريبية دون أعباء جديدة
حقق العام طفرة فى الإيرادات الضريبية، بزيادة تجاوزت 35% دون فرض أى ضرائب أو أعباء جديدة على المواطنين، وذلك بفضل إطلاق حزم التيسيرات الضريبية الأولى والثانية، وإنهاء عدد كبير من المنازعات.
وتستهدف الحكومة تحقيق إيرادات ضريبية بقيمة 2.65 تريليون جنيه، مع توقعات بارتفاع إيرادات القيمة المضافة إلى نحو 967.9 مليار جنيه، وزيادة الإيرادات الجمركية إلى 135.8 مليار جنيه.
ونفذت الحكومة إصلاحات واسعة فى الإدارة الضريبية شملت التوسع فى الرقمنة وتبسيط الإجراءات، ما ساهم فى توسيع القاعدة الضريبية وتحقيق أعلى حصيلة سنوية خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت الإيرادات الضريبية نحو 1.4 تريليون جنيه.
وقد حظيت هذه السياسات بإشادة دولية، إذ أكد السفير الفرنسى بالقاهرة أن الحوافز الضريبية تعكس سياسة بناء الثقة والشراكة مع المستثمرين.
ثقة دولية متزايدة
ساهم التحسن فى الأداء الاقتصادى فى رفع توقعات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، إلى جانب مؤسسات التصنيف الائتمانى، التى أشارت إلى استمرار انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى، مع توقعات بعودة النمو إلى مستويات مستدامة وتحسن السيطرة على التضخم.
وخفّض صندوق النقد توقعاته للتضخم إلى 11.8% خلال العام المالى 2025/2026، مقارنة بتقديرات سابقة أعلى، بما يعكس تحسن الاستقرار السعرى.
وفى تقرير حديث، رفع البنك الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد المصرى إلى 4.3% خلال 2025/2026، و4.8% فى 2026/2027، مشيرًا إلى أن الإصلاحات الهيكلية، وزيادة الصادرات، وانتعاش الاستثمارات، تدعم آفاق النمو متوسط الأجل. كما أشاد الاتحاد الأوروبى بجهود مصر فى تعزيز الاستدامة الاقتصادية ودعم الفئات الأكثر احتياجًا.
أكد أحمد كجوك، وزير المالية، أن النمو الاقتصادى يتسارع خلال الربع الأول من العام المالى الحالى ليتجاوز 5.3%، مشيرًا إلى تحقيق فائض أولى بنسبة 3.6%، مع استهداف رفعه إلى 4%.
وأوضح أن تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الإنتاجية والصادرات يمثلان العنصر الأكثر تأثيرًا واستدامة فى تحسين مؤشرات المديونية، مؤكدًا استمرار العمل على خفض الدين إلى أقل من 80% من الناتج المحلى بحلول يونيو 2026، مع التوسع فى أدوات التمويل المبتكر ومبادلات الديون، بما يدعم التنمية البشرية والحماية الاجتماعية.






