الاقتصاد المصرى.. من الأمراض المستعصية إلى العلاجات الجذرية
رضا داود
يمثل ربع القرن الأخير من عام 2000 إلى 2025 من عمر الاقتصاد المصرى رحلة استثنائية من التحديات والأزمات، مرورًا بفترات الاضطراب السياسى والاجتماعى، وصولًا إلى مرحلة التعافى والتحول الطموح التى تشهدها مصر اليوم، خاصة أن الدولة المصرية شهدت خلال هذه الفترة محطات حاسمة شكلت ملامح الاقتصاد الوطنى، بدءًا من الألفية الجديدة حتى مشروعات التنمية العملاقة التى أعادت رسم خريطة الاقتصاد والحياة العمرانية والاجتماعية فى البلاد، ذلك بفضل الحلول والعلاجات الجذرية للأمراض الاقتصادية المستعصية.
شهد الاقتصاد المصرى فى بداية الألفية الجديدة فترة من النمو النسبى، مدفوعة بسياسات الانفتاح الاقتصادى والإصلاحات الهيكلية التى تبنتها الحكومة المصرية آنذاك، وكان الاعتماد على قطاعات محددة مثل السياحة، الغاز الطبيعى، والصادرات الزراعية والسلع المصنعة، مع تنامى الاستثمار الأجنبى المباشر فى بعض الصناعات.
خلال هذه الفترة، سجل الاقتصاد معدلات نمو متوسطة تراوحت بين 4–5٪ سنويًا، بينما كانت معدلات التضخم مقبولة نسبيًا، رغم أن البطالة بقيت تحديًا فى ظل التوسع السكانى السريع، كما بدأت الحكومة فى وضع اللبنات الأولى لمشروعات البنية التحتية، لكنها بقيت محدودة مقارنة بالاحتياجات الطموحة للبلاد.
2008 الأزمة المالية العالمية
مع بداية الأزمة المالية العالمية فى 2008، واجه الاقتصاد المصرى أول اختبار عالمى حقيقى، إذ تأثرت مصر بشكل مباشر بانخفاض الاستثمارات الأجنبية وتراجع السياحة، بينما ارتفعت أسعار السلع الأساسية عالميًا، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
وأدت الأزمة إلى انخفاض فى معدل النمو الاقتصادى الذى كان يتراوح حول ٪7 قبل الأزمة، إلى نحو ٪4.7 فى عام 2009، كما تعرضت الاحتياطيات النقدية لضغوط، ورغم أن مصر لم تتعرض للانهيار الكامل، إلا أن الأزمة كشفت هشاشة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية واعتماده على القطاعات التقليدية والمحدودة التنوع.
ثورة 25 يناير وما بعدها
شكلت ثورة 25 يناير 2011، نقطة تحول جوهرية فى الاقتصاد المصرى، حيث واجهت البلاد حالة من الفوضى انعكست مباشرة على الاقتصاد الوطنى، لتشهد هذه الفترة، تراجع الاستثمار الأجنبى والمحلى بسبب عدم الاستقرار السياسى، وانخفاض الاحتياطى النقدى، ما أثار مخاوف من أزمة سيولة وطنية، إلى جانب أزمات فى السلع الأساسية والطاقة، شملت طوابير البنزين والخبز، وانقطاع الكهرباء فى كثير من المناطق.
وتزامن ذلك مع فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، التى عرفت بفشل السياسات الاقتصادية فى إدارة التحديات المتزايدة، لتدخل مصر حينها مرحلة حرجة، حيث بدأت تظهر مخاطر الإفلاس، مع تزايد الدين العام وتراجع الاحتياطيات الأجنبية.
ثورة 30 يونيو وتصحيح المسار
شهدت مصر فى 30 يونيو 2013، ثورة شعبية جديدة أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، وأطلقت مرحلة جديدة من الإصلاح الاقتصادى والسياسى، عرفت بمسمى بناء الجمهورية الجديدة، حيث بدأت الدولة فى وضع خطة شاملة للتعافى الاقتصادى، تركزت على عدة محاور.
وجاء من أبرز المحاور، استقرار الاقتصاد الكلى، حيث تمت إعادة هيكلة الدعم، وتحرير أسعار الوقود تدريجيًا، بما أسهم فى تقليل العجز المالى على المدى الطويل، ورفع الاحتياطى النقدى إلى مستويات آمنة تجاوزت 50 مليار دولار بحلول منتصف العقد الثانى من القرن الحالى.
كذلك، البنية التحتية والمشروعات العمرانية، إذ توسعت مساحة مصر العمرانية من ٪7 إلى ٪14 عبر إنشاء نحو 24 مدينة مليونية جديدة، وتم تنفيذ مشروع نسف العشوائيات وبناء وحدات سكنية بديلة، ما أسهم فى تحسين جودة الحياة للفئات الفقيرة والمهمشة، وإنشاء شبكة طرق وكبارى ضخمة تزيد على 7 آلاف كيلومتر، ما عزز الربط بين المدن وسهل حركة التجارة والنقل.
وعلى صعيد التنمية الزراعية، تمت إضافة 4 ملايين فدان للرقعة الزراعية، ما أسهم فى زيادة الإنتاج المحلى وتعزيز الأمن الغذائى، ناهيك عن أن الخطة تطرقت إلى التنمية الصناعية والطاقة، عبر ضخ استثمارات ضخمة فى الصناعة والبنية التحتية للطاقة، بما فى ذلك الطاقة المتجددة وتحلية المياه، ما أسهم فى توفير بيئة داعمة للنمو المستدام.
التحديات العالمية والإقليمية
لم يكن الطريق سلسًا، إذ واجهت مصر تحديات كبيرة على المستويين العالمى والإقليمى، فى مقدمتها الأزمات المالية العالمية المستمرة وتأثيرها على تدفقات الاستثمار الخارجى، والحرب «الروسية ـ الأوكرانية» التى أثرت على أسعار السلع الأساسية والطاقة عالميًا، ما شكل ضغطًا على الميزانية المصرية، والحرب فى غزة، التى فرضت على مصر دورًا إنسانيًا وسياسيًا مع تأثير محدود على الاقتصاد المحلى، ورغم هذه التحديات، تمكنت مصر من الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى، مع معدلات نمو تجاوزت 5٪ سنويًا، واستمرار تحسين الاحتياطى النقدى.
أما على صعيد الاقتصاد الكلى، فتحسنت معدلات النمو لتتجاوز ٪5، بعد سنوات من التقلبات والأزمات، وارتفع الاحتياطى النقدى إلى أكثر من 50 مليار دولار، الأمر الذى منح الدولة قدرة أكبر على مواجهة أى صدمات خارجية مستقبلية، وتحقق استقرار مالى نسبى، مع انخفاض العجز فى الموازنة وبدء إدارة الدين العام بشكل أفضل.










