على إيقاع الكوارث ومتاهات السياسة وأصوات الرصاص
رحلة التغيرات الكبرى.. قراءة فى عقدين من التحوّلات العميقة
كريم ربيع
كأن التاريخ، منذ مطلع الألفية الجديدة، قرر أن يكتب فصوله بحبرٍ كثيف، تتجاور فيه الكوارث مع الثورات، وتتعانق فيه الأزمات الاقتصادية مع تحوّلات الجغرافيا السياسية. ولم تكن السنوات من 2005 إلى 2025 مجرد سنوات متعاقبة، بل محطاتٍ فاصلة أعادت تشكيل وعى جمعى، ودفعت الدول - وفى القلب منها مصر- إلى إعادة تعريف دورها وموقعها فى عالمٍ يلاحقه الضجيج.
عام الكوارث وبوادر التململ
شهد العالم موجة كوارث طبيعية عنيفة، أبرزها زلزال كشمير الذى خلّف آلاف الضحايا، كاشفًا هشاشة منظومات الطوارئ. وفى مصر، أُعيد انتخاب الرئيس الأسبق حسنى مبارك لولاية جديدة وسط انتقادات متصاعدة للأوضاع الاقتصادية والحريات السياسية، ما أرسى استقرارًا نسبيًا قصير الأمد، بينما كانت تقلبات أسعار النفط، بفعل توترات الشرق الأوسط، تلقى بظلالها على الاقتصاد العالمى والمصرى معًا.
لبنان والنووى الإيرانى
تصاعد الجدل الدولى حول الملف النووى الإيرانى مع مساعٍ لفرض عقوبات أممية، واشتعلت حرب لبنان الثانية بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلى، لتعيد رسم خرائط التحالفات الإقليمية وتُعمّق القلق الدولى إزاء استقرار الشرق الأوسط.
شبح الإرهاب يتمدد
تمدّد خطر التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها القاعدة، مع هجمات متفرقة كشفت ضعف التنسيق الدولى. إقليميًا، استمرت التوترات الفلسطينية-الإسرائيلية، فيما سعت مصر لتعزيز التعاون الأمنى. اقتصاديًا، واصل النفط صعوده، داعمًا المنتجين ومثقلًا كاهل المستوردين.
الانهيار الكبير
اندلعت الأزمة المالية العالمية مع سقوط بنك«ليمان براذرز»، فتزلزلت أسواق المال فى القارات كافة. تأثرت مصر بتراجع الاستثمارات وتحويلات العاملين بالخارج، فتبنّت سياسات تحفيزية، بينما بقيت بؤر التوتر فى غزة ولبنان تحت مراقبة دبلوماسية حذرة.
الطاقة والزلزال المدمّر
برزت مخاوف أمن الطاقة وارتفاع الأسعار، وتعثّر مسار السلام فى الشرق الأوسط. ثم جاء زلزال هاييتى المُدمّر ليكشف ضعف الاستجابة الإنسانية الدولية. وفى المنطقة العربية، بدأت الاحتجاجات الاجتماعية تتشكّل، ومعها تصاعد الغضب الشعبى فى مصر ضد الفساد وغياب العدالة.
لحظة الانفجار
اندلعت ثورة 25 يناير، وأسقطت نظام مبارك بعد ثلاثة عقود من صعوده. كانت مصر جزءًا من موجة أطلق عليها «الربيع العربى» التى طالب بعض المشاركين بها بالإصلاح والكرامة. إلا أن الدول لا تبنى بحسن النوايا، فقادت إلى انهيار دول، وتنامى خطر التقسيم وصعود التيارات الإسلامية المتطرفة وتحول الربيع إلى «خريف عربى»، لكنها تحولت فى مصر إلى لحظة فارقة فتحت أبواب تحوّل دستورى، وأبرزت قوة الدولة.
من المغالبة إلى التصحيح
أفضت انتخابات 2012 إلى وصول محمد مرسى - مرشح جماعة الإخوان البديل- إلى كرسى رئاسة مصر، وسط مخاوف من هيمنة الجماعة الإرهابية -التى كانت محظورة- واحدة على الدولة المصرية، وبالفعل تفاقمت الأزمات الاقتصادية والأمنية. وفى 2013، استجابت القوات المسلحة، بقيادة وزير الدفاع آنذاك المشير عبد الفتاح السيسى، لموجة احتجاجات واسعة، فأُطيح بحكم الجماعة بعد انتهاء مهلة أعطتها فرصة للإصلاح، وجاءت ثورة 30 يونيه لتعيد للدولة تماسك مؤسساتها وتحول دون اقتتال أهلى، بينما استمرت النزاعات الإقليمية، خاصة فى سوريا.
بناء الدولة
تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الرئاسة، معلنًا انطلاق «الجمهورية الجديدة» بمشروعات قومية كبرى فى البنية التحتية والطاقة. افتُتحت قناة السويس الجديدة، وتوسّعت استثمارات الكهرباء والطاقة المتجددة، ولعبت مصر دورًا محوريًا فى استقرار الإقليم وسط أزمات فى اليمن وسوريا وليبيا.
عودة الحضور وتحديات العصر
استعادت مصر زخمها الدولى عبر منتديات استثمارية، مع استمرار نقاشات الحقوق والحريات. وفى أواخر 2019، ظهر فيروس كورونا، إيذانًا بأزمة عالمية غير مسبوقة.
اختبار الجائحة
شلّت الجائحة الاقتصاد العالمى، فركّزت مصر على دعم الصحة والإنتاج وتحفيز القطاع الخاص. ومع بدء التعافى، تعزّزت الاستثمارات وتوسّعت مشروعات النقل والطاقة.
عالم مضطرب
أشعلت الحرب الروسية-الأوكرانية موجة غلاء عالمى فى الطاقة والغذاء، فواجهت مصر تحديات الاستقرار الاقتصادى بإجراءات دعم وإصلاح. تزايد الاهتمام بالأمن السيبرانى والتكنولوجيا، واتجهت الدولة لتحديث بنيتها الرقمية.
دورٌ محورى
برزت حرب غزة كاختبارٍ إقليمى كبير، قادت فيه مصر جهود التهدئة ووقف إطلاق النار. اقتصاديًا، وُقّعت اتفاقيات غاز عززت العوائد والسيادة الاقتصادية. تابعت القوى العالمية هذا الدور، معتبرة أن مصر باتت ركيزةً لاستقرار المنطقة، بما له من أثرٍ مباشر على أسواق الطاقة واستثمارات شمال إفريقيا.
كما شهد العالم افتتاح المتحف المصرى الكبير بحضور الرئيس السيسى وعدد من قادة العالم، معربًا عن فخر مصر بتراثها الحضارى مؤكدًا ان المتحف يمثل رمزًا للسلام والمعرفة والتعاون بين الشعوب ويجمع بين عبقرية المصرى القديم وإبداع المصرى المعاصر.
هكذا، عبر عقدين مضطربين، ظلّت مصر تتكيّف مع العواصف، وتعيد صياغة حضورها، لتبقى -رغم قسوة التحوّلات- فاعلًا لا غائبًا فى مسرح التاريخ.










