راسبوتين يخترق القصر رافعا راية الدين
ايمان امبابى
فى الحلقة السابقة من عرضنا لكتاب «أحجار على رقعة الشطرنج».. لكاتبه الأمريكى الشهير «وليم جاى كار».. تحدثنا عن عدم اكتراث «الجماعة» الشيوعية لأى شىء سوى السيطرة على السلطة.. لم تهتم لأمر الشعب الروسى.. ومعاناته مع أزمة اقتصادية طاحنة.. استطاعت أن تجمع المال بلا حساب لأهدافها فقط.. لكنها أبدا لم تفكر فى توظيف هذا المال لتحسين أوضاع المواطن.. وبالتالى لم يكن يعنيها أمر الإصلاحات التى قام بها القيصر «نيقولا» منذ 1905..
تلك الإصلاحات التى قام بها القيصر «نيقولا» كانت جذرية لتحويل الملكية الروسية المطلقة إلى حكم ملكى دستورى على طريقة انجلترا.. بدأ مجلس الدوما بالعمل.. وكان رئيس وزرائه «بيتر أوكاديفيتش ستولين» من المصلحين العظام.. قد أصدر القوانين التى عرفت بـ«قوانين ستولين».. التى منحت الفلاحين – الذين يشكلون 85% من الشعب – حقوقا مدنية.. وقد أدت إصلاحاته الزراعية إلى تأمين المعونات المالية الكافية للفلاحين.. فاستطاع الفلاح شراء أرضه.. كان القيصر «نيقولا» ومثله «ستولين» مؤمنين بأن الوسيلة الوحيدة لمحاربة دعاة الشيوعية.. هى تشجيع فكرة الاستهلاك الفردى..
الحركات السرية تسعى للسلطة على جثة الشعب!
أما الزعماء الثوريون فقد كان همهم الاستيلاء على السلطة وفقط.. لذا فقد فطنوا إلى أن ما فعله القيصر مع الفلاحين لا يصب أبدا فى مصلحتهم.. ويؤخر هدفهم الأوحد.. وأن خطورة ما قام به القيصر يكمن فى رئيس وزرائه «ستولين».. لذا فصار حتميا بالنسبة لهم التخلص منه.. وفى عام 1906حاولت مجموعة إرهابية اغتياله بتدمير منزله بقنبلة.. وهو أمر تدربوا عليه جيدا, شأنهم فى ذلك شأن الجماعات السرية التى تحتفظ لنفسها بذراع مسلحة أو «نظام خاص» مهمته الوحيدة التدريب على السلاح.. لكن تلك المحاولة فشلت.. حتى كان عام 1911 فى ليلة مظلمة فى شهر سبتمبر.. تم اغتيال أكثر الوزراء الذين عرفتهم روسيا إصلاحا.. أثناء حضوره عرض مسرحى بمسرح «كييف» – لاحظ أنها نفس الخطة ونفس المكان الذى شهد اغتيال الزعيم الأمريكى إبراهام لينكولن – قتله محام يهودى يدعى «موردخاى بورجوف»..
وفى 1912 حاولت الحكومة الروسية أن تطبق إصلاحات «ستولين».. فصدر قانون تأمين العمال الصناعيين.. الذى منحهم تعويضا عن المرض بنسبة ثلثى الراتب العادة.. وعن والحوادث بنسبة ثلاثة أرباع الراتب العادى.. ومنحت صحف الحركات الثورية صفة شرعية لأول مرة منذ إنشائها.. وزاد عدد المدارس الحكومية.. وأعيد النظر فى قوانين الانتخابات لتضمن عملية انتخابية أكثر تمثيلا وحرية..
وفى 1913 منحت حكومة القيصر «نيقولا» عفوا شاملا عن كل السجناء السياسيين.. وفور خروجهم.. دعوا للانقلاب على الحكم واغتيال أفراد الأسرة الحاكمة.. لكن الإصلاحات التى كان القيصر قد أجراها.. قد أراحت الشعب الروسى فلم يكن يريد غير ذلك.. فلم يستجب لأى من دعوات أولئك بالانقلاب على القيصرية.. وبدا فى ذلك الوقت أن أمر الثورة قد انتهى.. فدارت عجلة التشهير والتشويه مرة أخرى.. فاقت ما جرى من قبل فى فرنسا وانجلترا قبل اندلاع ثورتهما.. ورسمت صورا بشعة للحكام والنبلاء ورجال الدين.. فأصر المواطن العادى لا يرى فى أولئك الحكام - رغم كل ما قاموا به من إصلاحات - سوى وحوشا تمص دماء الشعب.. نسى المواطنون الإصلاح.. وغلب الانتقام على أفكارهم.. وهنا يقول «برترام وولف» وهو أحد المعادين بضراوة للقيصرية.. مدللا على أن آخر القياصرة الروس «نيقولا» كان إصلاحيا.. فى كتابه «ثلاثة صنعوا ثورة بين 1907 و1914» فى صفحته 360.. يقول: «تحت قوانين ستولين للإصلاح الزراعى.. أصبح 2 مليون من الفلاحين مالكين لأراضيهم فى القرى.. وقد استمرت حركة الإصلاح تلك حتى سنوات الحرب من 1914 - 1917.. وفى أول يناير 1916 بلغ عدد المنتفعين من هذا القانون 6 مليون ومائتى ألف فلاح.. وهنا رأى لينين أنه لو تأخرت الثورة عقدين من الزمان.. فستحول الإصلاحات الزراعية وجه الريف الروسى.. بحيث لا يعود قوة ثورية يعتمد عليها.. وقد كان لينين على حق فى هذا.. فعندما دعا الفلاحين عام 1917 للاستيلاء على أراضيهم.. كانوا قد ملكوا ثلاثة أرباعها حتى ذلك الوقت».
منذ مئات السنوات.. كان الفلاحون والعمال هم دائما وقود الحركات الثورية.. تعتمد عليهم دائما الحركات السرية.. فهى تعرف قيمة تلك الحشود التى يحركها العقل الجمعى معظم الأحوال.. وربما سعت تلك الحركات السرية بعد هذا الوقت إلى الحفاظ على أوضاع تلك المجموعات من البشر - الفلاحين والعمال - سيئة طوال الوقت.. تحافظ على ترديها دائما بالحيلولة بينهم وبين مشروعات أو قوانين تحفظ لهم حياة كريمة مستقرة.. فتجدها سخية فيما تعطيه لهم من تبرعات.. محافظة على ارتباكهم بتلك التبرعات.. لكنها أبدا لا تعلمهم اصطياد السمك!!.. أما من شبه بين تلك الأفكار وما نراه على الأرض من حركات سرية مشابهة طوال سنوات؟!!
راسبوتين يخترق القصر رافعا راية الدين!
كثير من المحللين توقفوا عند شخصية «راسبوتين» الراهب الروسى الشهير.. ودوره فى الثورة الروسية.. لكن المعلومات التى اعتمدوا عليها كانت فى أغلب الأحيان قليلة.. فهذا الراهب الذى مارس ضغوطا رهيبة على رجال ونساء البلاط القيصرى.. كان حلقة من حلقات الوصل لـ»الجماعة» داخل القصر.. دوره لا يقل أبدا عمن تحركوا فى الخارج.. فقد كانت الإمبراطورة واقعة بشكل كبير تحت تأثير هذا الراهب المدمر.. ولهذا سبب قد يراه الكثيرون غير مقنع.. فقد استطاع أن يوقف نزيفا أصاب ابنها الصغير.. وكان أطباء كثر قد فشلوا فى تلك المهمة قبله.. فدانت له بالولاء..
وبعد سنوات طوال.. تأكد للباحثين أن «راسبوتين» كان يتمتع بقدرات مغناطيسية.. وهو أمر كان شائعا فى أوساط بعينها فى المجتمع الروسى.. وبدا أنه استطاع السيطرة بهذا على الإمبراطورة.. وجعلها تجبر القيصر على فعل ما يأمرها به الراهب العجوز.. فكان هو فى الأيام الأخيرة, الحاكم الفعلى لروسيا.. وهو أمر لم يبق سرا لوقت طويل.. فقد تسرب وانتشر وعرفه الشعب.. واستاء منه أيما استياء.. والذى أثبتته الوثائق التى جمعها الكاتب «وليم جاى كار».. أن «راسبوتين» أدخل إلى دوائر البلاط القيصرى رجالا ونساء مارسوا طقوسا وثنية.. مثل التى كانت تمارس سرا فى قصر «الباليه رويال» قبل اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789.. تلك الطقوس كانت تستند إلى مبدأ غير مقبول «أن الأرواح لا تنجو إلا إذا انحدرت إلى الدرك الأسفل من الخطيئة».. أدخل راسبوتين المخربين إلى القصر.. وهم من نطلق عليهم الآن كلمة «بلطجية».. ومكنهم من الاطلاع على أسرار الشخصيات الكبيرة.. ومن ثم ابتزازهم وجرهم إلى تنفيذ الأوامر التى تأتيهم من رؤسائهم وقادتهم فى «الجماعة».
«الجماعة» تشعل فتيل الحرب العالمية الأولى!!
فى 1911 وقبل سنوات من تلك الأحداث.. كان «فيرجون» خطيب المجمع الماسونى للشرق الأكبر فى أسبانيا.. يقول فخورا: «ألا تدرون ذلك الشعور العميق بالفخر الذى أحسسنا به عند إعلان الثورة البرتغالية.. فبعد ساعات قلائل تمت الإطاحة بالعرش وإعلان الجمهورية.. كان ذلك بالنسبة للمبتدئين بمثابة ومضة فى سماء صافية.. لكننا نحن يا إخوتى.. نحن الذين نفهم.. نحن الذين نعرف التنظيمات السرية للبرتغاليين.. ونحن الذين نعلم سر ذلك الحدث المجيد».. بالطبع حديث أحد «البنائين» العظام.. و«البنا» هى التسمية التى كان يعرف بها «الماسونى».. فكل «بنا» ليس فى لقبه هذه الكلمة هو «ماسونى» بالضرورة.. حديث «فيرجون» لا يمرره خبراء الحركات السرية.. يتوقفون عنده طويلا.. ويقارنونه بالأحداث المشابهة.. السابقة واللاحقة.. لا سيما عندما تكون تفاصيله التى تحدث عنها.. تكررت عبر مئات ال سنوات فى أحداث وثورات.. ثبت يقينا فيما بعد ضلوع «جماعته» فى تحريكها.. أو القفز عليها فيما بعد.. فالرجل يتحدث بوضوح عن الإطاحة بالعرش البرتغالى فى ساعات.. ويرا إحساس المبتدئين به كومضة إحساسا جاهلا.. لأنه هو و«جماعته» يدركون أنها لم تكن كذلك.. فالجماعات السرية المنظمة لا تؤمن بذلك..
وفى 1912.. اجتمع القادة والمسئولون فى الماسونية - البنائين - فى سويسرا.. مقررين اغتيال الأرشيدوق «فرانسيس فرديناند» تمهيدا للحرب الكبرى - الحرب العالمية الأولى - وتبرز وثيقة مهمة نشرت فى نفس العام.. فى مجلة «رفيو انترناسيونال دى سوسيتيه سيكرت» العبارات التالية فى صفحتيها 787 و788: «قال مسئول ماسونى كبير - بناء - فى سويسرا عند بحث موضوع وريث عرش النمسا.. قال هذا المسئول أن الأرشيدوق رجل نبيه.. ومما يؤسف له أنه محكوم عليه.. سوف يموت على درجات العرش»!!.. وقتل الرجل وزوجته عام 1914 فى سراييفو.. وكان الشرارة التى أشعلت الحرب العالمية الأولى.. وفى التقرير الذى كتب حول المحاكمة, حيث ذكرت فيها كلمات الصحيفة.. اعتبر وثيقة دامغة على أن «الجماعة» - جماعة البنائين - استخدموا محفل الشرق الأكبر لإشعال تلك الحرب.. تماما كما استخدموها بين عامى 1787 و1789 لإشعال الثورة الفرنسية..
وفى أكتوبر عام 1914 قام رئيس المحكمة العسكرية باستجواب القاتل «كابرينوفيك» الذى ألقى القنبلة الأولى على سيارة الأرشيدوق.. سأله: أخبرنى المزيد عن البواعث.. هل كنت تعرف قبل قيامك بالمحاولة أن «تاكوزيك» و«سيجانوفيك» من الماسونيين - البنائين - وهل أثر على قرارك كونك ماسونيا مثلهم؟
أجابه «كابرينوفيك»: نعم
سأله رئيس المحكمة: هل تلقيت منهم الأمر بتنفيذ الاغتيال؟
«كابرينوفيك»: لم اتلق أمرا بالاغتيال.. وكل ما فعله الماسونيون – البناءون – هو تقوية عزيمتى.. والقتل مسموح به فى الماسونية.. وقد أخبرنى «سيجانوفيك» أن الماسونية كانت قد حكمت على الأرشيدوق «فرانسيس فرديناند» بالموت منذ أكثر من سنة
يضاف إلى هذا البراهان الذى قدمه الكونت «زيزين» وهو أحد الأصدقاء الحميمين للأرشيدوق قال: «كان الأرشيدوق يعلم أن محاولة اغتياله وشيكة الوقوع.. وقد أخبرنى قبل الحرب بنفسه أن الماسونيين الأحرار قرروا اغتياله»!!
لا أدرى لماذا أحسست ارتباطا بين تلك الحادثة وحادثة مقتل النقراشى فى أربعينيات القرن الماضى!!..
التشهير والشائعات وقود الثورة البلشفية
واشتعلت الحرب.. وكان ذخيرتها حتى بداية عام 1917 هى الجنود الروس.. فقدت زهرة شبابها.. وحصدت الإصابات 3 ملايين جندى.. من الذين جرى على مدار 4 اعوام إثارة نفوسهم وتأليبهم على قادتهم.. وفى سويسرا.. البلد المحايد.. كان يستقر «لينين» و»موروتوف».. وكان «تروتسكى» يباشر مهمة تدريب الثوار الروس الذين هربوا من روسيا.. وكان «المنشفيك» يمارسون مهمتهم المفضلة بعمليات تخريبية واسعة فى روسيا.. نفذوها بمهارة فائقة.. واتتهم الفرصة فى يناير 1917.. عندما استطاعوا تخريب أجهزة الاتصالات.. ومركز النقل ووزارة التموين.. مما أدى إلى نقص خطير فى المواد الغذائية فى «بطرسبرج».. ونزوح العمال الصناعيين إليها لحتياجهم فى المجهود الحربى.. وفى فبراير.. جرى العمل بسياسة تقنين الطعام.. وامتدت طوابير المواطنين طلبا للخبز.. نظم خلالها قادة «المنشفيك» مظاهرة نسائية فى الشوارع احتجاجا على نقص الخبز.. وفى شهر مارس قامت النساء بالتظاهرة الكبرى لهن.. التى تدخل بعدها الثوريون بخططهم المعدة سلفا.. فسارت المظاهرات فى كل مكان حاملة الأعلام الحمراء.. التى ابتكرها «روتشيلد» قبل سنوات طوال.. لم تواجهها الشرطة بعنف.. وبعدها بيوم واحد خرجت تظاهرات فى كل مكان.. وكررت الشرطة ما فعلته بعدم المواجهة معها.. فما كان من قادة «الجماعة» إلا إصدار أوامر واضحة بالمواجهة المباشرة مع الشرطة وجنود الجيش.. وفى وقت متأخر من تلك الليلة.. نصبت المدافع الرشاشة للحركات الثورية فى مواضع خفية فى البلدة..
لكن ما حدث فى اليوم الثانى كان أمرا مذهلا.. فقد احتشدت جموع غفيرة أمام محطة «نيقولاى».. وفى الثانية ظهرا مرت فى الساحة المكتظة بالبشر سيارة يركبها رجل لاذ من البرد القارس بالفراء.. لم يصبر الرجل فأمر سائقه بالعبور بين الحشود.. وكانت تلك خطيئته الكبرى.. فاستفز مظهره وعبور سيارته وسطهم الحشود المتظاهرة.. فسحبوه من السيارة وانهالوا عليه ضربا.. سالت الدماء.. ففتحت شهية الجموع للعنف.. اندفعوا عبر شوارع المدينة يحطمون نوافذ المنازل والمحال.. وبدأت المعركة.. وعمت الفوضى.. وبدأ القادة المدربون المختبئون فى أماكن بعينها أعلى البنايات.. يستخدمون أسلحتهم التى جرى وضعها فى أماكنها فى الليلة السابقة.. بحسب الخطة الموضوعة.. يطلقون النار على الجماهير الغاضبة.. ثم هاجموا قوات الشرطة متهمين إياها بإطلاق النار على المتظاهرين.. وكما حدث تماما فى الثورتين الإنجليزية والفرنسية.. فقد جرى بسرعة إطلاق سراح المساجين.. فعمت الفوضى العارمة!!
وفى 12 مارس.. ثارت بعض وحدات الجيش.. وقتل الجنود قادتهم.. واستسلم أولئك الجنود فى «سانت بيتر» و«سانت بول» للثوار.. وعلى الفور تشكلت فى تلك المناطق حكومة إقليمية.. ظلت حتى نوفمبر من نفس العام.. حتى انقلب عليها «لينين» وتولى وأنصاره تشكيل حكومة فى «بطرسبرج».. وأعلن سحب قواته من أمام المانيا مقابل دعمه للسيطرة التامة على الاقتصاد والسياسة فى روسيا.. ومن جهة أخرى ساند الثوريون «لينين» للوصول للسلطة.. ولكن معظمهم كان ينتهى بهم الأمر بعد انتهاء مهمتهم يعدمون أو ينفون..ولم يمض وقت طويل حتى كان أعضاء المؤتمر العالمى الأول مقتولين أو فى السجن أو المنفى!!
أما الوثائق التى تثبت أن «الجماعة» هى التى دعمت «لينين» فى الثورة الروسية.. فقد جاءت فى «الكتاب الأبيض» الذى صدر فى بريطانيا بإذن الملك عام 1919.. لكن رجال الصرافة العالميين ضغطوا على الحكومة البريطانية لسحب تلك الوثيقةواستبدالها بأخرى حذفت منها كل إشارة عن دور اليهود و«الجماعة» فى كل ما حدث!!.. وقد كتب «فرانسوا كوتى» فى جريدة «الفيجارو» فى 20 فبراير 1932.. «أن الهبات التى منحها يعقوب شيف إلى الحركات السرية فى روسيا وسائر البلاد.. ليست نفحات من كرم فردى.. فقد تأسست فى الولايات المتحدة منظمة إرهابية روسية مهمتها الرئيسية اغتيال الوزراء والحكام ورجال الشرطة»
وبحلول عام1918 .. انقسم اليهود الروس إلى: قسم من الثوريين متشبثين بالنظرية الماركسية.. وقسم يؤمن بضرورة إقامة اتحاد عالمى للجمهوريات الاشتراكية وهم التروتسكيون.. والقسم الأخير يحبذ العودة إلى فلسطين وهم الصهاينة.. وتقول الكاتبة «ب.باسكرفيل» فى كتابها «اليهودى البولندى الصادر فى 1906 فى صفحات 117 و118 «تهدف الصهيونية السياسية إلى تحويل الصهاينة إلى اشتراكيين قبل هجرتهم إلى فلسطين.. وذلك لتسهيل إقامة الحكومة الاشتراكية.. فى نفس الوقت يعملون على قلب أنظمة الحكم التى لا تعمل وفق مبادئهم.. ولتنفيذ هذا يحتوى برنامجهم على تنظيم الاضرابات والأعمال الإرهابية»!!
وفى نفس العام 1918.. غير البلاشفة اسمهم.. وتحول حزبهم من «حزب العمل الديمقراطى الروسى» إلى «الحزب الشيوعى».. ونقلوا مقرهم إلى موسكو.. وكان منطقيا أن يتذمر اليهود من صعود «لينين» إلى الصدارة ليصبح الرجل الأول.. فحاولوا اغتياله فى اغسطس 1918.. جرح «لينين» لكنه تحول بعدها إلى العنف والإرهاب بشكل واسع.. وكانت الغارات الليلية تجرى كل ليلة.. وكل يذهب إلى فراشه وهو لا يدرى إن كان سيصبح حيا فى اليوم التالى أم لا.. يقول فى ذلك «دافيد شوب» فى كتابه المؤيد للماركسية «لينين»: «ضيع القليل من الوقت فى استقاء الشواهد وفى تصنيف البشر المكدسة نتيجة الغارات الليلية.. يقاد المساجين إلى مركز البوليس القديم بجانب القصر الشتوى.. حيث يعدمون رميا بالرصاص»!!
وتحول الأمر بسرعة إلى حمى من القتل والتعذيب.. وتلك كانت الصخرة التى قامت عليها «جمهورية السوفييت الأعلى».. مات الملايين من المواطنين الروس.. أضيف إليهم 12 مليونا آخرين حكم عليهم بما سمى بخدمة الدولة.. وهى العمل الإجبارى حتى يلقون حتفهم!!