الثلاثاء 18 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مقولات النقد الثقافى» كتاب يرصد ويحلل الفكر الحديث من جوانبه المختلفة

«مقولات النقد الثقافى» كتاب يرصد ويحلل الفكر الحديث من جوانبه المختلفة
«مقولات النقد الثقافى» كتاب يرصد ويحلل الفكر الحديث من جوانبه المختلفة




كتب - خالد بيومى

 

صدر حديثا عن المركز القومى للترجمة كتاب (مقولات النقد الثقافى) للناقد الأمريكى ريتشارد وولين، وترجمه الدكتور محمد عنانى، ويعد الكتاب إسهاما أصيلا فى رصد الفكر الحديث وتحليله من جوانبه الفلسفية والجمالى والاجتماعية والسياسية، ولا سيما النظرية النقدية المعاصرة التى لا تزال المساجلات الأكاديمية تدور حولها منذ أواخر القرن العشرين.
والكتاب يناقش من وجهة نظر عقلانية ما تمخضت عنه أهم التيارات الفكرية فى القرن الماضى وبذلك يقدم زادا معرفيا يندر أن يتوافر بين دفتى كتاب واحد؛ إذ يبدأ بحلقة فيينا، ومدرسة فرانكفورت التى تمثل الجيل الأول من أصحاب النظرية النقدية الذين اضطروا إلى مواجهة مشكلة لم تكن تقتصر على نكسة مؤقتة للصراع الطبقى، بل تتجاوز ذلك إلى احتمال خسوفه إلى الأبد، ومن المفهوم أن هذا الخسوف كان نتيجة منطقية لظهور ثلاثة تشكيلات اجتماعية جديدة تاريخيا هى: الاشتراكية البيروقراطية، سلطوية الدولة الفاشية، والرأسمالية التى تقدم الدولة فيها رعاية اجتماعية، وقد تضافرت هذه العوامل جميعا لتحجب جميع الآفاق الوشيكة والحلولية للتحرر الاجتماعى، مناقشا أهم نظريتهما وأعلامهما مثل ماكس هوركهايمر الذى استشهد بحركة التنوير الأوروبية باعتبارها نموذجا للتحالف الناجح بين الفلسفة والسياسة، وثيودور أدورنو الذى أكد أن القواعد الملزمة فى الحداثة الجمالية تقطع بأن الأعمال الجديرة بالتأمل الجاد تقتصر على الأعمال الفنية التى تعتمد على أكثر التقنيات تقدما والمتاحة تاريخيا.
وفى هذا الصدد يعرب عن موافقته على قول الشاعر الفرنسى رامبو مستشهدا به، وهو «يجب الالتزام بالحداثة بصورة مطلقة»، وماركوزه الذى نشر مقالة تحت عنوان «الفلسفة والنظرية النقدية» الذى يمثل محاولة تمييز بمنهجية أدق لتحديد العلاقة بين النظرية النقدية والتقاليد الفلسفية الغربية، وهو يبدى الحذر أيضا فلا يتسرع بالقول بالتماهى بين النظرية النقدية والفلسفة، ثم ينتقل إلى الوجودية السياسية والدولة الشاملة عد كارل شميت حيث تمثل الفلسفة السياسية لديه دعوة إلى ما يمكن أن نسميه مذهب الحيوية السياسى حيث يؤمن بأن فلسفة الحياة العملية هى الأساس الفكرى لمشروعه الثقافى، مخصصا فصلا للمفكر الفرنسى ميرلو بونتى الذى أعاد الفحص المنهجى للعلاقة بين الفكر والعالم وهو المشروع الذى أشار إليه باسم «أصل الحقيقة» وثماره التى ظهرت بعد وفاته مثل: نثر العالم، والمرئى والخفى وفيها يلعب الجسد الدور البالغ الأهمية، دور القوة الوسيطة أو العامل الثالث، وكان هذا المشروع فى الكثير من جوانبه الرئيسة يبشر بتقويض (تفكيك)، وهو ما اكتسب مكانة بارزة إلى حد بعيد فى الحياة الفكرية الفرنسية فى العقود التالية، ومولد الماركسية الفيبرية، قبل أن يناقش مناقشة عميقة وجودية سارتر ووجودية هايدجر، وينتقل إلى مناقشة البراجماتية الجديدة عند ريتشارد رورتى الذى يرى أن جميع الدعاوى التى تزعم بقوة معرفة الحقيقة قد عفى عليها الزمن ويرفض جميع المزاعم التى تشير إلى وجود قيمة عالمية موضوعية، وترتب منطقيا على هذه الخطوة اعتناق مبدأ النسبية الشاملة، وقال إن الزعم فلسفة بوجود حقيقة موضوعية لا زمنية ولا تاريخية وهم خاص بنمط إنسانى محدد هو الإنسان الفلسفى وإن هذا الحافز الميتافيزيقى الذى يعتبر فى جوهره صورة علمانية من الشوق الدينى للربوبية، مشكلة عصية كالعفريت الذى لابد من إخراجه ودفنه، ولن نستطيع أن تحرر آخر الأمر إلا بهذا الأسلوب من تلك السلسلة الكاملة من الخطوات المتعثرة التى تشكل فى رأى رورتى تاريخ الفلسفة.
وتناول حقبة ما بعد البنيوية، محللا آراء ميشيل فوكو، وصولا إلى التفكيكية عند جاك دريدا الذى أصر على أن التفكيكية هى المذهب النقدى المضاد للميتافيزيقا والمثالية والوهم الجدلى،
أبعد ما تكون عن التضاد مع النقد المادى، بل تساعد فى الواقع على فتح عيون الخطاب الفلسفى على كل ما هو غريب على اللغة، فالتفكيكية كما قال ذات مرة انغلاقا على العدم بل انفتاحا على الآخر.