الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أرجوك افتكرنى هندى

أرجوك افتكرنى هندى
أرجوك افتكرنى هندى




صبحى مقار  يكتب:

«أنت فاكرنى هندى؟» من كلمات التراث الاستعلائى التى ساهمت مع غيرها من الكلمات «ده يهودى، ده شيعي، ده علماني، ده كافر» فى احتفاظ مردديها بصدارة الترتيب العالمى لمؤشر التريقة المستدامة الذى تصدره مؤسسة حداقة آند فهلووز للعقول النايمة. وبالتدقيق فى هذا السؤال الاستنكارى، تنشأ ضرورة قصوى لتحويله إلى طلب ورجاء ليصبح «أرجوك افتكرنى هندى» ليرتكز على أسلوب علمى ومنطقى ولو فى مجالات التعليم والصحة وتكنولوجيا المعلومات.
فقد استطاعت الهند توظيف نقطة ضعفها الأساسية المتمثلة فى الانفجار السكانى «17.3% من إجمالى سكان العالم)، وتحولها إلى نقطة قوة لتصبح من أهم مراكز تكنولوجيا المعلومات فى العالم جذباً للشركات العالمية مدعومة بتوصيل خدمات الاتصالات لجميع المواطنين، وربطهم بجميع دول العالم بهدف بناء مجتمع معلوماتى يعزز من القدرات التنافسية لقوة العمل الهندية محلياً وعالمياً مما أدى إلى احتلالها المركز الثانى فى قائمة الدول المصدرة للبرمجيات بأهمية نسبية 12.7%.
وتأتى الهند فى المرتبة الرابعة من حيث المساهمة فى الناتج العالمى عام 2016 بأهمية نسبية 7.3%، وذلك لارتفاع معدل نمو ناتجها المحلى الإجمالى ليبلغ 7.6%، وهو أعلى من معدل نمو الناتج العالمى البالغ 3%، كما يتميز اقتصاد الهند بكبر حجم القطاع العام وفعالية القطاع الخاص، وارتفاع معدل نمو الإنتاج الصناعى «7.4% أعلى من المعدل العالمى 2.5%» خاصة الصناعات القائمة على تكنولوجيا المعلومات، واستحواذها على 3.1% من إجمالى الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبى والذهب عام 2016.
وقد بلغ معدل نمو عدد المشتركين فى شبكات النطاق الواسع 31.4% خلال الفترة 2005- 2015، وهو أعلى من معدل النمو العالمى البالغ 14.6%، وذلك لوجود شبكة فعالة من الأقمار الصناعية والكابلات البحرية تؤمن الاتصال الجيد للشركات الأجنبية بجميع دول العالم. وهذا بدوره ساهم فى تحسين العملية التعليمية وسهولة الوصول لمصادر التعلم الإلكترونية خارج الساعات المدرسية من أى مكان بهدف الوصول إلى نسبة 100% تعليم أساسى، والذى حققته ولاية واحدة حتى الآن «ولاية كيرلا».
ويركز التعليم الأساسى على إكساب الطلاب المفاهيم الأساسية وركائز العلوم الإنسانية والمهارات العملية مما يجعلهم قادرين على ملاحقة الثقافة العالمية حتى فى حالة عدم استكمالهم باقى المراحل التعليمية من أجل العمل ومساعدة أسرهم، حيث يمكنهم متابعة الصحف والمجلات والبحوث العلمية والقنوات الفضائية والإنترنت، وهذا ما يعد السبب الرئيسى لاهتمامهم بالتكنولوجيا والصناعات الحديثة منذ الصغر.
كما تمتلك الهند ثانى أكبر شبكة تعليم فى العالم، وتدخل عشر جامعات هندية ضمن أفضل 100 جامعة فى العالم، وذلك لوجود نظام تعليمى خلق التميز والتفوق فى مجال العلوم والتكنولوجيا والفضاء، واكتساب شهرة عالمية لجذب الطلاب من جميع دول العالم لوجود أرقى الجامعات والمعاهد مثل معاهد الهند التكنولوجية التى تضاهى معاهد ماساتشوستس وكاليفورنيا للتكنولوجيا، معهد الهند للعلوم، معاهد الهند لإدارة الأعمال، معهد الهند العمومى للعلوم الطبية الذى يصنف ضمن المعاهد الأفضل عالمياً فى تخصصه. كما يحصل طلاب مدرسة القانون الوطنى فى بنجالور على منح «رودس» من جامعة أوكسفورد، كذلك تمد معاهد الهند لإدارة الأعمال العالم بأفضل الخريجين، وتخرج كليات الهندسة نحو 180 ألف مهندس سنوياً يتحدثون الانجليزية بطلاقة، وهى اللغة المهيمنة على قطاع تكنولوجيا المعلومات. فضلاً عن استعدادهم للعمل بأجور منخفضة تصل إلى أقل من 15% من نظرائهم فى الدول الغربية.
وتجدر الإشارة إلى نجاح وكالة الفضاء الهندية فى وضع قمر صناعى فى مدار كوكب المريخ بتكلفة تقدر بـ 12% مما تتكلفه وكالة ناسا لإنجاز نفس المهمة، كما تدعم الحكومة الهندية قطاع تكنولوجيا المعلومات تحت شعار «المعلوماتية للجميع» من خلال تخصيص ما نسبته 1-3% من ميزانية كل وزارة أو مديرية أو مؤسسة عامة لتطبيق تكنولوجيا المعلومات، وقيامها بإنشاء وحدات التصدير الموجهة (EOUs)، وحدات مناطق عمليات التصدير (EPZs)، مناطق اقتصادية متخصصة (SEZs)، حدائق تكنولوجيا التجهيزات الإلكترونية (EHTPs)، حدائق تكنولوجيا البرمجيات (STPs)، وتستفيد كل شركة من التخفيضات والإعفاءات وفقاً لطبيعة عملها وشكلها التنظيمى.
وفى إطار رغبة الهند فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء، بدأت بتأمين إنتاج نحو 119 نوعاً من الأدوية الأكثر استخداماً من خلال إنشاء كل من معهد هندوستان للمضادات الحيوية، شركة الهند المحدودة للأدوية والعقاقير وما يبتعهما من مراكز الأبحاث لتطوير الأدوية، المختبر المركزى لأبحاث الدواء، المختبرات الكيميائية الوطنية، المؤسسة الهندية للتكنولوجيا الكيميائية، وقد تطورت صناعة الدواء الهندية لتميز القانون الهندى بوجود فقرة تمكنه من تقليل قيود براءة الاختراع، وذلك إذا لم يكن البحث العلمى الخاص بالدواء المكتشف جديداً، أو إذا كان الدواء الجديد عبارة عن تعديل لدواء قديم مما ساعد فى تقدم صناعة الدواء الهندية، واحتلال الشركات الهندية المركز الأول عالمياً فى إنتاج بعض الأدوية التى تحتوى على نفس المادة الفعالة فى المنتج الأصلى، ويتم ترويجها باسم المادة العلمية بتكلفة تقل كثيراً عن تكلفة الأدوية الأصلية.
ونخلص مما سبق إلى أنه بالعلم والعمل فقط تتقدم وترتقى الشعوب إلى الأفضل، وإذا لم نع ذلك جيداً سنبقى جامدين متحجرين أمام قطار الحضارة الإنسانية الذى يمر من أمامنا بسرعة البرق ولا نستطيع ملاحقته.