السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد رحيل فلاسفة الضحك.. هل كوميديا اليوم محبوسة فى أنماط منتهية الصلاحية؟!

كيف تمتلك القدرة على إضحاك الجمهور بالابتعاد عن الأشكال الكوميدية منتهية الصلاحية؟!؛ بعد فشل الأعمال الكوميدية خلال شهر رمضان هذا العام فشلا ذريعا  بتقديم أى جديد فى صناعة الضحك، لم ينجح سوى المسلسل التليفزيونى «بـ 100 وش» للمخرجة كاملة أبوذكرى الذى قدمت به حالة فنية كوميدية مختلفة عن السائد والمعتاد، صنعت كوميديا خارج نواميس الكوميديا التقليدية، وربما هذا ما ضمن لها التفوق والنجاح؛ ولما كان المسرح هو المنبع الرئيسى الذى تستقى منه الأعمال التليفزيونية الكوميدية مادتها الدرامية، هو ما دفعنا إلى فتح باب التساؤل والنقاش حول ما هى آليات صناعة الضحك اليوم وكيف يجدد الكوميديان دماءه للوصول إلى هدفه الرئيسى من عمله الفنى وهو صناعة ضحكا صافيا خاليا من شوائب الاستظراف والإفيهات المعلبة؟! ولماذا اختفى لدينا المؤلف الكوميديان؟!.



فلاسفة الضحك

 «الجهد المتكامل هو أن تعمل على محو آثار ما بذلت من جهد لترقى بالإنتاج إلى درجة البساطة الطبيعية هكذا يقول شيشرون «أنه لمن الفن أن يبدو العمل خاليا من الفن!».. يصل هذا الرجل إلى تحليل البساطة والتلقائية فى تقديم العمل الفنى إلى هذا الحد خاصة فى الأعمال الكوميدية المترتب عليها تقديم صيغة فنية طبيعية لإضحاك الجمهور وفى كتاب المسرح الفرنسى المعاصر فرد المؤلف فصلا كاملا عن النظريات وفلسفة صناعة الضحك وكيفية صياغته فى عمل فنى قادر على إدخال البهجة على الجمهور؛ وفى استعراض سريع لوجهات نظر المفكرين فى فلسفة الضحك صاغ المؤلف وجهة نظر كل منهم فى سطر أو أكثر؛ يعبر عن وجهة نظره فى فعل الضحك من الفاعل الممثل والمتلقى لهذا الفعل الجمهور، فى مقدمتهم قال برجسون أنه يمكن تلخيص نظرية أسباب الضحك فى العبارة الآتية.. «ينجم الضحك عن كل ما يبدو لنا واقعيا من صميم الحياة وفى الوقت نفسه يبدو لنا مدبرا تدبيرا آليا»، بينما قال ملينان «ينجم الضحك عن كل ما يدخل فى نطاق السخف والحمق وفى الوقت نفسه نشعر بأنه عادى مألوف لنا»، ثم تأتى نظرية لوسيان فابر لتقول «ينجم الضحك عن كل ما يثير فى النفس القلق والخوف فى البداية ثم ينتهى بنهاية سعيدة» بينما  أنهى «مارسيل بانيول» هذا الجدل فى كتابه «على هامش الضحك» ليهدم هذه النظريات جميعا ويعرض وجهة نظره ونظريته فى الضحك  حيث يرى.. «أنه ليس فى الطبيعة مصادر ينجم عنها الضحك لأنه ليس هناك شيء مضحك فى ذاته ويرى فى اعتقاده أن الضحك يأتى من الشعور بالتفوق والنصر بمعنى إحساس الجمهور بالتفوق، فالضحك فى رأيه هو صيحة النصر وتعبير التفوق المؤقت الذى يشعر به الضاحك على الشخص الذى يضحك منه ويشرح وجهة نظره بمثال لفنان الكاركاتيور يقول.. «أن هذا هو الإتجاه الذى ينتحيه فنان الكاركاتيور لإثارة الضحك فهو يعتمد على اختيار رسم يتيح للقارئ لذة الانتقام فنراه مثلا يدق على رأس ملك تافه أرعن أو كاتب متعجرف فاشل فيأتى رسمه مثيرا للضحك لأنه يشعر القارئ بالتفوق والنصر وبالتالى يستخدم كتاب الكوميديا هذا المنطق فى صناعة مواقف مضحكة داخل أعمالهم المسرحية.

صناعة الضحك

    تتعدد مصادر وأشكال صناعة الضحك بالأعمال الفنية هناك عروض مسرحية قائمة بذاتها عمل كوميدى متكامل يحمل نص له بداية ووسط ونهاية وهناك مجموعة من الإسكتشات الكوميدية التى إعتمد تقديمها ثلاثى اضواء المسرح على سبيل المثال فى وقت من الأوقات وهناك الإستاند آب كوميدى الذى يعتمد على حكى قصص ومواقف ربما شخصية تعرض لها الكوميديان ويعيد روايتها على الجمهور بشكل ساخر مثير للضحك، وهناك فن الارتجال الذى يعتمد عليه بعض المخرجين فى صياغة عمل فنى متكامل؛ وهنا نحاول تقديم نبذة عن تاريخ صناعة الضحك ونشأته فى المسرح المصرى من خلال استعراض تفاصيل كتاب «فرقة المسرح الكوميدى» للناقد الدكتور عمرو دوارة الذى استعرض فيه بشيء من التفصيل تاريخ تطور نشأة المسرح الكوميدى وكيفية صياغة وصناعة عمل كوميدى سواء بتمصير أعمال فرنسية أو بتأليف عروض من الألف إلى الياء.

محتويات الكتاب

ينقسم الكتاب إلى ثمانية فصول يتضمن الفصل الأول السياق التاريخى والظروف السياسية والإقتصادية والاجتماعية التى سبقت نشأة فرقة المسرح الكوميدي، ثم فى الفصل الثانى تفاصيل نشأة الفرقة وتشكيلها، الفصل الثالث إدارة الفرفة وقيادتها، الفصل الرابع المؤلفون «النصوص بين التأليف والترجمة والاقتباس»، الفصل الخامس «المخرجون أعضاء الفرقة ومن الخارج»، الفصل السادس ممثلو الفرقة ونجومها، الفصل السابع دور العرض «منذ البدايات وحتى الآن، الفصل الثامن «علامات على الطريق» أهم العروض.

الخلفية التاريخية

    بدأ الناقد عمرو دوارة كتابه بترتيب وتدرج نشأة فرقة المسرح الكوميدى عن طريق استعراض شكل نشأة المسرح المصرى بشكل عام ثم نشأة التيار الكوميدى بصفة خاصة مع التركيز على مسيرة الفرق الكوميدية الكبرى بالتفصيل وصولا إلى تأسيس فرقة «المسرح الكوميدى الحالية»، ففى فصله الأول جاءت تفاصيل نشأة وبدايات المسرح العربى الذى بدأ مسرحا غنائيا بفضل اسهامات مارون النقاش فى لبنان بيروت 1848 وأبوخليل القبانى فى سوريا «دمشق» عام 1856 بينما كانت محاولات الرائد المصرى يعقوب صنوع التى بدأها عام 1870 قد اتجهت اتجاها آخر نحو تقديم الكوميديا الشعبية ومعالجة بعض القضايا الاجتماعية من خلال بعض الأنماط التقليدية للكوميديا وهو الاتجاه الذى تطور فى العقد الثانى من القرن العشرين بظهور الفرق الكوميدية الكبرى.

ويذكر الكاتب أن تجربة يعقوب صنوع والتى وئدت مبكرا بنفيه إلى باريس عام 1872 منطقية لتوجيهه بعض الانتقادات اللاذعة للخديوى من خلال مسرحياته الإجتماعية الكوميدية وخاصة مسرحية «الضرتين»؛ لكن هذه التجربة لم تذهب هباء بل كان لها الفضل الأول فى غرس أصول الفن المسرحى العربى فى التربة المصرية وبالتالى يشرح دوارة أن الملامح والسمات الكوميدية حاضرة وبقوة منذ نشأة المسرح العربى الحديث، كانت البدايات للرواد الثلاث مارون النقاش أبوخليل القبانى ويعقوب صنوع تتسم بحرصهم على توظيف الكوميديا فى عروضهم وإن اختلفت مصادرها واساليب توظيفها حيث إعتمد الرائد مارون النقاش فى عرضه الأول على تعريب واقتباس مسرحية «البخيل» لرائد الكوميديا الفرنسية موليير؛ ويؤكد دوارة فى الفصل الأول من الكتاب على تنامى عدد من الفرق المسرحية مثل فرقة سلامة حجازى للمسرح الغنائى وغيرها، ويقول الكاتب شارحا..» انصرف كل من الفنانين الثلاث أمين عطا الله وعلى الكسار ونجيب الريحانى فى كل أعمالهم تقريبا إلى المسرح الغنائى الكوميدى أو الكوميديا الموسيقية، والجدير بالذكر أنه بعد نجاح الإسكتشات والعروض الكوميدية واللوحات الراقصة التى كانت تقدم بالصالات كان من الطبيعى أن تتعاظم وتشتد المنافسة بين بعض تلك الفرق الكوميدية، شهدت تلك الصالات ميلاد عملاقى وقطبى الكوميديا نجيب الريحانى فى كازينو «آبيه دى روز»، وعلى الكسار فى كازينو «دى بارى» ليشهد عام 1916 بداية جديدة للمسرح الكوميدى بفضل تأسيس كل من العملاقين لفرقته ارتبط كل منهما بشخصية فنية «نجيب الريحاني» بشخصية العمدة الهلاس «كشكش بك»، فى حين ارتبط الفنان على الكسار بشخصية البربرى «عثمان عبد الباسط»، تأسست فرقة الريحانى فى صيف عام 1916 ابتدع الريحانى شخصية وثيقة الصلة بالواقع «كشكش بك» العمدة الريفى المحب للحياة وعاشق النساء الذى يأتى إلى القاهرة ليقضى سهراته بدور اللهو ثم يعود نادما تائبا، كان العرض الأول قدمه بكازينو «آبيه دى روز» هو «تعاليلى يا بطة» ثم «كشكش بك فى باريس»، «أحلام كشكش بك» كما قدم بدءا من عام 1917 بعض الأعمال الإستعراضية من بينها «أم أحمد»، «أم بكير»، «حماتك بتحبك» وساعده فى الكتابة والإقتباس تلك النصوص أمين صدقى وفى الفترة التالية كتب معه عروض الأوبريت المؤلف بديع خيرى الذى أصبح توأمه الفنى فيما بعد، فى نفس الوقت أسس على الكسار فرقته بشخصية عثمان عبد الباسط البربرى النوبى وهى شخصية رجل بسيط يحمل بعض المكر الطيب، وقد أضفى عليها الكسار بتلقائيته وحضوره وخبراته جاذبية خاصة واتخذ من مسرح الماجسيتك مقرا دائما لفرقتها اشتدت المنافسة بين الكسار والريحانى فى تقديم مسرحيات «الفرانكو آراب» حيث قام الكسار بتقديم بعض العروض الإستعراضية من أهمها مسرحية البربرى فى استكهولم ويبدو أن ما قدمه الكسار فى هذا المجال قد تفوق على ما يقدمه الريحانى بإعتراف الريحانى نفسه، ودفع هذا النجاح البعض إلى تقليد أسلوب الريحانى والكسار فى الكوميديا مثل الفنان فوزى منيب الذى أطلق على فرقته اسم «جوق كشكش البربري» وكذلك الفنان أحمد المسيرى الذى قدم عروضه تحت عنوان «أكبر كوميك بربري» وكذلك كل من أمين عطا الله ويوسف عز الدين.

مسرح الستينيات

بدأ دوارة فى نفس الفصل باستعراض تاريخ نشأة المسرح المصرى فى الستينيات القرن العشرين مثل فرق المسرح الحر عام 1952، فرقة اسماعيل ياسين تأسست عام 1954 اسسها اسماعيل ياسين مع ابو السعود الإبيارى قدموا عروض «الست عايزة كده»، «حبيبى كوكو»، «عريس تحت التمرين 1954 «، «جوزى بيختشي»، «صاحبة الجلالة»، «من كل بيت حكاية»، «ليلة الدخلة»، «ضميرى واخد إجازة»، ثم فرقة تحية كاريوكا كونتها الفنانة تحية كاريوكا مع زوجها المؤلف والمخرج فايز حلاوة عام 1962 وقدمت من خلالها مسرحيات حتى عام 1982 أكثر من عشرين مسرحية اجتماعية وسياسية مثل «شفيقة القبطية، «حارة الشرفا»، «لوكاندة شهر العسل»، «قهوة التوتة»، «عفريت الست شوقية»، «حضرة صاحب العمارة»، «شباب إمرأة»، «روبابيكيا»، «البغل فى الإبريق»، «أوراق رسمية»، «أم العروسة»، «التعلب فات».

تناول المؤلف فيما بعد نشأة مسرح التليفزيون وأسباب نشأته بفرقه الأربعة ويذكر..«كان الهدف من إنشاء هذه الفرق هو توسيع رقعة النشاط المسرحى وتقديم جيل من المبدعين بجانب تزويد ساعات إرسال التليفزيون المصرى بمواد درامية نظرا للعجز الكبير فى عدد المسرحيات المصورة، فقد فكروا فى إنشاء فرق مسرحية تابعة للتليفزيون تعرض مسرحياتها على الجمهور أياما قليلة لضمان جودتها وتكامل عناصرها وأيضا بهدف تصويرها بشكل طبيعى يزيد من متعة المشاهدين بها صادفت الفكرة هوى فى نفوس كبار المسؤولين ووجدوا انها فرصة ذهبية لإنشاء ثلاث فرق مسرحية عام 1962 فرق «النهضة»، «الحرية» و«السلام»، ثم أضافوا إليها فى الموسم التالى اربع فرق «الشعب»، «التحرير»، «النصر»، «الكوميدي» قدمت هذه الفرق ثمانية عشر مسرحية بالإضافة إلى ستة عشر مسرحية أخرى فى الموسم الصيفى غلب عليها الإعداد عن روايات مصرية والاقتباس من مسرحيات أجنبية بالإضافة إلى إعادة إخراج بعض مسرحيات فرقة الريحانى بعد تغيير اسمها وفى الموسم الثالث عام 1964 أعيد تنظيم فرق التليفزيون فى أربع شعب رئيسية تضم كل منها فرقتين وهذه الشعب هى المسرح الكوميدي، المسرح الحديث، المسرح العالمى ومسرح الحكيم وذلك بالإضافة إلى فرقة القاهرة الاستعراضية والمسرح المتنقل ومسرح الأطفال.

المسرح الكوميدى

تأسست فرقة المسرح الكوميدى فى البداية عام 1962 فى إطار مسارح التليفزيون كفرقة متخصصة لتقديم المسرحيات الكوميدية بدءا من موسم 1962 إلى 1963 وأسند إدارتها للفنان محمود السباع وقد استطاعت الفرقة منذ بدايتها تقديم عدة عروض ناجحة جماهيريا خاصة بعدما انضم إليها نجوم برنامج «ساعة لقلبك» من بينهم الفنانين فؤاد المهندس، خيرية أحمد، محمد عوض، عبد المنعم مدبولي، أمين الهنيدي، محمد أحمد المصري، محمد رضا، كما انضم إليها كل من ميمى شكيب، زوزو شكيب، عقيلة راتب، نجوى سالم، نظيم شعراوي، سلامة إلياس، جمالات زايد، أبوبكر عزت، تضم قائمة المسرحيات الجماهيرية الناجحة فى فترة البدايات وحتى عام 1966 مجموعة كبيرة من بينها المسرحيات التالية «أصل وصورة»، «جلفدان هانم»، «مطرب العواطف»، «العبيط»، «السكرتير الفني»، «أنا وهو وهي»، «أنا فين وانت فين؟»، «حالة حب»، «لوكاندة الفردوس»، «حلمك ياشيخ علام»، جوزين وفرد»، «بص شوف مين»، «حكاية ماما»، «مقالب محروس»، «الدبور»، «ممنوع الستات»، «ثلاثة مجانين عقلاء»، ثم انضمت فرقة المسرح الكوميدى مع باقى فرق التليفزيون عام 1966 إلى مؤسسة فنون المسرح والموسيقى والفنون الشعبية ونظرا لإختلاف السياسات وإهتمام وزارة الثقافة بتقديم الكيف على حساب الكم قرر عدد من نجوم الكوميديا الإنفصال عن الفرقة وتكوين فرقة خاصة بهم فأسسوا «فرقة الفنانين المتحدين بقيادة المؤلف سمير خفاجى» كانت من أنجح فرق مسرح التليفزيون وأكثرها جماهيرية واعتبرها البعض امتداداً لفرق «ساعة لقلبك».

 يعتبر هذا العرض تكثيفاً وتلخيصاً نرجو ألا يكون مخلا للفصل الأول من كتاب «فرقة المسرح الكوميدى» الذى يحتوى على الكثير من المعلومات الغزيرة التى لا تتسع المساحة إلى استيعابها وبالتالى سوف نعرض فصول الكتاب على حلقات متفرقة ضمن سلسلة حلقات تتضمن حوارت مع تجارب مخرجين وكتاب وممثلين كبار فى صناعة الكوميديا بالمسرح المصرى وختاما يقول «مارسيل بانيول».. «الفنان الأصيل الذى يثير الضحك فى قلوب الناس ويسرى عنهم جدير بأن نرفعه إلى مراتب الأبطال العظماء، فنقول.. البطل العظيم موليير، والبطل العظيم شارلى شابلن»!