الإمام أحمد العروسى شيخ الأزهر ذات النزعة الصوفية
روزاليوسف اليومية
هو الإمام الشيخ شهاب الدين أبوصلاح أحمد بن موسى بن داود العروسى الشافعى الأزهري، ولد سنة 1133هـ «1721م» بقرية منية عروس، تابعة لمركز أشمون، محافظة المنوفية، وإلى هذه القرية ينتسبُ، وعلى الرغم من صِغر هذه البلدة إلا أنها كانت مسقطًا لرءوس كثيرٍ من العلماء العاملين والأولياء الصالحين الذين جمعوا بين الدِّين والدنيا.
حفظ الإمام «العروسي» القُرآن الكريم، وتعلَّم قسطًا من العلوم التى تُؤهِّله للانتساب للأزهر، ثم غادر قريته الصغيرة وسافر للقاهرة؛ ليلتحقَ بالأزهر الشريف، حسَب رغبته ورغبة ذَوِيه، ومن هذا الوقت كرَّس وقته وجهدَه لتحصيل العلوم على شتَّى أنواعها وألوانها من مناهج ومقاصد، وكان الأزهر فى هذه الأيام يموجُ بعشرات العلماء الذين وصفَهُم أمير الشعراء بعد ذلك بقرون قائلاً:
كانوا أجلَّ من الملوكِ جلالةً وأعزَّ سلطانًا وأكرمَ مظهرَا.
وأحبَّ العلوم على اختلاف أنواعها؛ فتفوَّق فى العلوم الدينيَّة واللغويَّة، كما تفوَّق فى الرياضيَّات وعلوم الفلك والمنطق، ومال إلى الصوفيَّة، فأخذ العهد على يد «الشيخ البكري»، ودرس كلَّ علم على مشاهير عصره، ولازَمَ الشيخ أحمد الصعيدى ملازمةً دائمة فكان يُلخِّص دروسه ويُوضِّح ما غمض منها ويشرحها للطلاب، وهو عمل المعيد بالنسبة للأستاذ الآن فى الجامعات.
كان عالمًا محققًا، حقَّق الكثير من كتب التراث، وكان يكره السطحيَّة فى العلم، ويُوصى تلاميذه بالتعمُّق فى قراءة أمَّهات الكتب، وكان تلميذًا للإمام الدمنهورى الإمام العاشر للأزهر، وقد درس «البخاري» على الشيخ أحمد الملوي، كما درس «تفسير البيضاوي» و»الجلالين» على الشيخ النبراوي، سابع شيوخ الأزهر، و«مختصر ابن أبى جمرة»، و»الشمائل النبوية»؛ للترمذي، كما تفقَّه على يد كثيرٍ من العلماء والفقهاء، والمقام لا يتَّسع لذِكرها، (ينظر: «عجائب الآثار»؛ للجبرتي).
ولقد اتَّصف الإمام العروسى بصفات أستاذه وشيخه الشيخ الصعيدي؛ فكان يُعتبر من مشايخ الإسلام، وعالمًا من الأعلام شديد الشكيمة فى الدِّين، يصدعُ بالحق، ويأمرُ بالمعروف وإقامة شرعِ الله، محبًّا للاجتهاد فى طلب العلم، ويكره سفاسف الأمور، معتزًّا بكرامة العلم ويعرف قدره، وكان الحكَّام يخشونه ويُقدِّرون نصحَه، ويحتملون لومَه، كان لطيف المعشر، دمث الخلق، واسع البيان.
يقول الجبرتي: إنَّ الشيخ «العروسي» لازَمَ والدَه وأخذ عنه وقرأ عليه الرياضيات والجبر والمقابلة، وكتاب الرقائق، ثم جذبته نزعة الصوفيَّة إلى الاتِّصال بالقطب «الشيخ العريان»، فوثق صلتَه به وأحبَّه ولازمَه، واعتنى به الشيخ وزوَّجَه إحدى بناته، وبشَّره بأنَّه سيسودُ وسيكون شيخًا للأزهر، وظهر ذلك بعد وفاته، وقد تولَّى فعلاً المشيخة بعد وفاة أستاذه الشيخ الدمنهورى فى 1192هـ «1778م»، وقد قابل هذا المنصب بصبرٍ وتسامُح وعفو وتواضُع حتى رفَعَه الله وأكرمَه.
مكانته وآثاره العلمية
يبقى أمامَنا التراث العلمى للإمام العروسى وهو غزير جدًّا، غير أنَّ اشتغاله بالتدريس والحِفاظ على حلِّ مشاكل الناس قد قلَّل من نشاطه العلمى فى التأليف والتصنيف، ولم يُذكر له من المصنَّفات سوى القليل.
يقول الجبرتي: لازمت الإمام العروسى عندما كان يدرس كتاب «المغني»؛ لابن هشام، حتى أكمله، و«شرح الجوامع»، و»السمرقندية»، و«شرح رسالة الوضع»، وغير ذلك.
من هذا يتَّضح أنَّ الإمام كان يدرس النحو وأصول الفقه والبلاغة وغير ذلك من العلوم العقليَّة والنقليَّة، وكان - رحمه الله - يصوغُ الشعر بالأسلوب الشائع فى عصره؛ فكان يكتبه فى مقدمات الكتب «تقريظ»، ويُجامل به الأصدقاء مدحًا، وله موشحات غزليَّة تغنَّى بها المغنُّون.
وقد لهج الشعراء بمدحه والإشادة به، ورثوه بعد مماته بمرثيات طويلة حزينةٍ؛ منها مرثية «إسماعيل الخشاب» شاعر ذاك العصروفاته.
كان الإمام العروسى إذا تحدَّثَ كأنه يتنفَّس الدُّر، وإذا رأيته لقيت منه ما يسعد ويسرُّ، محقًّا للحقِّ ومعينًا للمظلوم، وظلَّ الإمام العروسى شيخًا للجامع الأزهر بلا منازع، ورئيس العلماء بالاتِّفاق، باذلاً قُصارى جهده، خادمًا للشعب، ولقد لبَّى نداءَ ربه فى 21 شعبان سنة 1218هـ، وقيل: سنة 1208هـ «1793م»، ودُفِنَ بمدافن صهره الشيخ العريان بعد أنْ صلَّى عليه فى الجامع الأزهر جمعٌ غفير من الخاصَّة والعامَّة، والأمراء والولاة، وقد حُمِلَ إلى مثواه الأخير فى جنازةٍ حضرها القُرَّاء فى موكبٍ مَهِيب بكاهُ الناس جميعًا، غفر الله له، وجزاه ما يستحقُّه على ما بذل «فقيه الإسلام والمسلمين»، وسلامٌ عليه يومَ وُلِدَ ويومَ يموت ويوم يبعث حيًّا، ودائمًا موت الأمة فى موت العالم!