لـ24 ساعة هدنة جديدة مراقبة بالأقمار الصناعية تدخل حيز التنفيذ.. وآمال ضئيلة للمدنيين والمجتمع الدولى
هدوء فى الخرطوم
على الرغم من استمرار الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع حتى مساء أول أمس فى الخرطوم، دخلت الهدنة القصيرة التى اتفق عليها الطرفان المتصارعان حيز التنفيذ.
فمن الساعة السادسة صباح أمس وحتى التوقيت نفسه اليوم يرتقب أن توقف القوتان العسكريتان أى عمليات عسكرية أو قصف مدفعى وجوى، بغية الالتزام باتفاق وقف النار فى جميع أنحاء البلاد لمدة 24 ساعة.
وستكون هذه الهدنة الجديدة مراقبة رقابة صارمة، وامتحاناً لنيات الطرفين أيضاً.
فقد أكد مكتب الشئون الإفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية أن تلك الهدنة ستكون مراقبة عبر الأقمار الصناعية، فضلا عن أدوات أخرى.
كما أوضح فى تغريدة على حسابه فى تويتر أن الولايات المتحدة ستبقى أعينها على الأطراف المتحاربة، وستواصل الضغط عليهما لوقف الأعمال العدائية وتسهيل المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية فى البلاد.
وكانت كل من الرياض وواشنطن الراعيتين للحوار بين ممثلى الطرفين فى مفاوضات جدة، أعلنتا فى بيان مشترك موافقة الجيش وقوات الدعم على «اتفاق وقف إطلاق نار فى كافة أنحاء البلاد لمدة 24 ساعة اعتباراً من صباح 10 يونيو 2023.
كما أكدتا أن الاتفاق الجديد هدفه «وصول المساعدات الإنسانية وكسر حالة العنف والمساهمة فى تعزيز تدابير بناء الثقة بين الطرفين مما يسمح باستئناف مباحثات جدة».
إلا أنهما حذّرتا من أنه «فى حال عدم التزام الطرفين بوقف النار، فسيضطر المسيّران إلى تأجيل محادثات جدة».
أتى هذا الاعلان الجديد، بعدما أعلن الوسيطان الأسبوع الماضى تعليق المباحثات بعد انسحاب الجيش منها، لكنهما حضّا الجانبين على هدنة جديدة، وأكدا بقاء ممثلَى الطرفين فى مدينة جدة على رغم تعليق المفاوضات المباشرة.
يذكر أنه منذ اندلاع النزاع فى 15 أبريل الماضى بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم بقيادة محمد حمدان دقلو، أبرم الجانبان نحو 13 اتفاقا لوقف النار، خرقت بأغلبها خلال الساعات الأولى من سريانها.
فيما نزح الآلاف من مناطق الاشتباكات، وسط شح فى المواد الغذائية والماء، وانقطاع للكهرباء، وصعوبة فى توصيل المساعدات الإنسانية من قبل منظمات الإغاثة بسبب الأوضاع الأمنية، وإغلاق المطارات لاسيما فى العاصمة الخرطوم.
وقال الجيش السودانى فى البيان الصادر عنه: «إنه وافق على الهدنة تقديرا لجهود المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، ومراعاة للجوانب الإنسانية التى يعانيها الشعب من جراء العمليات العسكرية الجارية».
وأضاف الجيش السودانى فى بيانه أنه يحتفظ بحق الرد على أى خروقات للهدنة تقوم بها مليشيات الدعم السريع خلال فترة سريان الهدنة.
فيما أبقى المدنيون آمالهم متواضعة حيالها بعدما خرق الطرفان كل الاتفاقات السابقة ولم يتيحا لهم فرصة التقاط الأنفاس فى نزاع يقترب من شهره الثالث.
وكما سابقاتها من الاتفاقات، تهدف الهدنة الجديدة بشكل أساسى إلى تأمين وصول المساعدات الانسانية الى السكان المقدّر عددهم بنحو 45 مليون نسمة، ويحتاج أكثر من نصفهم إلى مساعدات فى بلد كان أصلا من الأكثر فقرا فى العالم قبل النزاع الراهن. وأودى النزاع بأكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد).
إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح حوالى مليونى شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا الى دول مجاورة.
وتعانى الخرطوم التى كان يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة قبل بدء المعارك، إضافة إلى مدن أخرى، من نقص فى المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء وتراجع الخدمات الأساسية. وتأتى الهدنة غداة تجديد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ثقته بمبعوثه الألمانى فولكر بيرتس، بعدما اعتبرته الحكومة السودانية شخصا «غير مرغوب فيه».
واعتبر المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك أن إجراء الخرطوم «يتنافى» ومبادئ الأمم المتحدة و»لا يمكن تطبيقه»، مؤكدا أن صفة بيرتس «لم تتبدل راهنا ويبقى موقف الأمين العام كما عبر عنه أمام مجلس الأمن الاسبوع الفائت»، فى إشارة الى الثقة التى أعرب عنها حياله.
وكانت الخارجية السودانية أكدت أن الحكومة أخطرت الأمين العام بإعلان بيرتس «شخصا غير مرغوب فيه»، وذلك بعد امتناع المنظمة عن التجاوب مع طلب البرهان استبدال بيرتس إثر اتهامه بتأجيج النزاع.
ومدد مجلس الأمن الدولى مطلع يونيه لمدة ستة أشهر، مهمة «بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية فى السودان» (يونيتامس)، وعلى رأسها بيرتس.
وكانت البعثة أنشئت فى يونيو 2020 لدعم الانتقال الديمقراطى فى السودان بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، ومددت مهمتها بشكل سنوى لعام واحد.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنسانى فى السودان، خصوصا فى الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) حيث المعارك على أشدها.
ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاثة أرباع المستشفيات فى مناطق القتال خارج الخدمة.
ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذى يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائى وسوء تغذية الأطفال.. وحذّر رئيس بعثة الصليب الأحمر المنتهية ولايته ألفونسو فردو بيريز من أن الوضع الصحى «قابل للانهيار فى أى وقت» خصوصا فى الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) الذى شهد نزاعا داميا على مدى عقدين.