
رشاد كامل
العقاد وافتتاحية العدد الأول من روزاليوسف!
منذ أول مقال كتبه الأستاذ الكبير «عباس محمود العقاد» فى العدد الأول من جريدة «روزاليوسف» كان واضحًا وحاسمًا وحازمًا حيث كتب يقول: إنما تؤدى الصحافة الوفدية واجب التعبير عن عقيدة البلاد السياسية، لا واجب الدعاية الحزبية وما إليها، وما من مبدأ أصيل تدين به صحيفة مصرية بريئة إلا والأمة تصدقه قبل ذلك تصديق من لا يحتاج فيه إلى إقناع أو تدليل.
ومن الشرف لهذه الصحيفة أن تعرب فى عددها الأول عن تلك العقيدة الوفدية الأولى، فحسبها من الرضى عن عملها، والرضى عن مستقبلها أن تقوم بقسطها الكامل فى هذا الواجب الشامل، وأن تكون لساناً معبراً صادق التعبير عن تلك العقيدة القومية التى يحمل لواءها الرئيسى الجليل «مصطفى النحاس باشا» ويمضى فى طليعة صفوفها صحابته الأمناء وتجتمع على الإيمان بها أمة ناهضة عرفت فى تلك العقيدة معنى اجتماع الكلمة والثبات عليها كما لم تعرف من قبل!
لم يسترح «مصطفى النحاس باشا» زعيم الوفد وأيضًا «مكرم عبيد» سكرتير الوفد إلى ما كتبه «العقاد»، ويومًا بعد يوم، ومقالا بعد مقال للعقاد، لم يعد النحاس باشا ومكرم عبيد راضيان عما تنشره جريدة «روزاليوسف» عامة ومقالات العقاد خاصة.
ولم يعبأ العقاد بغضب الوفد وتتوالى مقالاته النارية وتحت عنوان: « هل هناك بيان؟ وهل هو لمصلحة الأمة؟ يكتب العقاد قائلا: يقال إن النية تتوجه إلى إصدار بيان من قبل الوزارة عن المسألة الدستورية وأن الإنجليز عدلوا عن موقف المعارضة فى إصدار كل بيان وإبداء أى تصريح فى هذا الموضوع.
ومن البداية الغنى عن القول إن الأمة تريد بيانًا يحقق مصالحها ويجنح بها إلى الطمأنينة الصادقة ولا تريد بيانا يتساوى صدوره وكتمانه، أو بيانًا يفتح الباب للأرجاء والتسويف ودخول الإنجليز بالمطلب بعد المطلب والمساومة بعد المساومة فى انتظار التنفيذ.
إن مصر تريد بيانًا صريحًا حاسمًا عن دستورها المطلوب ولا تريد أن تشترى الدستور نفسه بثمن يجور على سيادة الأمة أو مصالحها الجوهرية فضلًا عن أن تشترى بيانًا بثمن من هذه الأثمان.
لم تكن الجريدة وحدها هى التى تقاوم وتهاجم الوزارة بل حدث نفس الموقف من المجلة وتقول «روزاليوسف»: مازلت أذكر يوم صادر «توفيق نسيم» روزاليوسف الأسبوعية لأنها رسمته يدوس الدستور، وكنت جالسة فى المطبعة أنتظر حضور البوليس بين لحظة وأخرى لتنفيذ قرار المصادرة والاستيلاء على النسخ المطبوعة، وإذا بى أسمع هتافات تملأ الطريق وأخرج لأرى مظاهرة ضخمة من الطلبة تمر بالشارع هاتفه بالدستور صارخة بالاحتجاج على تدخل الإنجليز.
وتوقفت المظاهرة قليلًا عند مطبعة «روزاليوسف» تحىّ الجريدة التى تدعو إلى نفس المبادئ، وفجأة خرجت إلى المتظاهرين وأخذت أقذف إليهم بأعداد المجلة المصادرة فتهافتوا عليها وتجمع حول المتظاهرين جمع آخر كبير من الناس والعابرين، وأنا واقفة أقذف إليهم بالمجلة المصادرة وهم يتخاطفونها، ويحاول كل واحد منهم أن يظفر بأكبر عدد من نسخها.. أليست النسخ مصادرة؟!
إذن فلئن أعطيها للناس بلا ثمن خير من أن يأخذها البوليس ويضعها فى المحافظة حيث تأكلها الفيران!
ولما جاء البوليس لم يكن قد تبقى من المجلة عدد يذكر حتى يصادره «أما المظاهرات فقد انصرفت هاتفة وقد التهبت حماستها».
وكما غضبت حكومة نسيم باشا فقد كان الوفد فى قمة غضبه وسخطه من «روزاليوسف» الجريدة والمجلة والسيدة أيضًا، ولم يعد السكوت ممكنًا على تحدى «روزاليوسف»!
وللذكريات بقية!