الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الخطة البديلة لـ «داعش»




بعد ظهور العديد من الجامعات الجهادية فى العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين، وبعد سنوات من التطاحن فيما بين هذه الجماعات والدولة من جهة، وبينها وبين بعضها البعض من جهة أخرى، وبعد اندلاع الحرب الأهلية فى سوريا وتشكيل جبهات وحركات مسلحة تقاتل الجيش السوري، شهد شهر إبريل 2013 إعلانا منفردا من القيادى بتنظيم «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي، باندماج تنظيمه التابع لتنظيم القاعدة، مع و«جبهة النصرة» وهى المجموعة التكفيرية المسلحة فى سوريا، ليتم إعلان تشكيل تنظيم «داعش» وهو اختصار يحمل الأحرف الأولى من عبارة «الدولة الإسلامية بالعراق والشام»، وهو ما رفضته «جبهة النصرة» وقتها، ورغم إصدار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهرى أمرا بإلغاء هذا الاندماج، بعد إعلانه بحوالى شهرين، فإن البغدادى أكمل العملية، فى إعلان غير صريح عن الانشقاق عن تنظيم «القاعدة»، لتصبح «داعش» (الدولة الإسلامية فى العراق والشام)، واحدة من أكبر الجماعات الإرهابية الرئيسية التى تقوم بالقتل والدمار فى سوريا والعراق، بعدما تمكنت من استقطاب عدد كبير من المقاتلين من صفوف «جبهة النصرة»، بالإضافة إلى مقاتلون سابقون فى فصائل الجيش السورى الحر من عناصر حركات أحرار الشام والتوحيد وغيرها.

تأسيس «داعش» فى العراق

على الرغم من أن هذا التنظيم حديث الظهور على الساحة السورية، الا أنه ليس بتشكيل جديد، بل هو الأقدم بين كل التنظيمات المسلحة البارزة على الساحة السورية خاصة والإقليمية عموماً. تعود أصول هذا التنظيم الى العام 2004، حين شكل الارهابى أبو مصعب الزرقاوى تنظيما أسماه «جماعة التوحيد والجهاد» وأعلن مبايعته لتنظيم القاعدة الارهابى بزعامة أسامة بن لادن فى حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة فى المنطقة أو ما سمى «تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين». برز التنظيم على الساحة العراقية ابان الإحتلال الأمريكى للعراق، على أنه تنتظيم جهادى ضد القوات الأمريكية، الأمر الذى جعله مركز إستقطاب للشباب العراقى الذى يسعى لمواجهة الإحتلال الأمريكى لبلاده، وسرعان ما توسع نفوذ التنظيم وعديده، ليصبح من أقوى الميليشيات المنتشرة والمقاتلة على الساحة العراقية.
فى العام 2006، خرج الزرقاوى على الملا فى شريط مصور معلنا عن تشكيل «مجلس شورى المجاهدين» بزعامة عبدالله رشيد البغدادي. قتل الزرقاوى فى الشهر نفسه من إعلانه، وعين ابو حمزة المهاجر زعيما للتنظيم فى العراق. وفى نهاية 2006 تم تشكيل تنظيم عسكرى يختصر كل تلك التنظيمات ويجمع كل التشكيلات الأصولية المنتشرة على الأراضى العراقية، إضافة إلى أنه يظهر أهدافها عبر إسمه... «الدولة الإسلامية فى العراق» بزعامة أبو عمر البغدادي.


من هو «أبو بكر البغدادي» الذى تم إعلانه خليفة للمسلمين


بعد حوالى عشرة ايام من قتل القوات الأمريكية ابو عمر البغدادى وأبو حمزة المهاجر فى الشهر الرابع من العام 2010، وتحديداً 19 نيسان انعقد مجلس شورى الدولة الإسلامية فى العراق ليختار أبى بكر البغدادى خليفة لأبى عمر البغدادي، الذى كانت تجمعه علاقة وثيقة بأبى عمر البغدادي، الذى أوصى قبل مقتله بأن يكون أبى بكر البغدادى خليفته فى زعامة الدولة الإسلامية فى العراق ... فمن هو هذا الأمير؟
إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدرى المولود عام 1971 فى مدينة سامراء العراقية، له العديد من الأسماء والألقاب، «على البدرى السامرائى»، «أبو دعاء»، الدكتور إبراهيم، «الكرار»، وأخيراً «أبو بكر البغدادي». هو خريج الجامعة الإسلامية فى بغداد، درس فيها البكالوريوس، الماجستير والدكتوراه، وعمل أستاذاً ومعلماً وداعية. ولد البدرى فى عائلة تتبع العقيدة السلفية التكفيرية، ووالده الشيخ عواد من وجهاء عشيرة البوبدرى العراقية، وأعمامه دعاة فى العراق حسب ما يشاع.
انشأ بعدها اول تنظيم اسماه «جيش أهل السنة والجماعة» بالتعاون مع بعض الشخصيات الأصولية التى تشاركه الفكر والنهج والهدف، ونشّط عملياته فى بغداد، سامراء وديالى، ثم ما لبث أن انضم مع تنظيمه إلى مجلس شورى المجاهدين حيث عمل على تشكيل وتنظيم الهيئات الشرعية فى المجلس وشغل منصب عضو فى مجلس الشورى حتى إعلان دولة العراق الإسلامية.


داعش فى سوريا


من كلمة «شام» أوجد الحرب الأخير من كلمة «داعش» ففى حين كان التنظيم يدعى الدولة الإسلامية فى العراق، استغل البغدادى الأزمة التى أندلعت فى سوريا والفوضى التى حصلت هناك ليعلن دخوله على خط المواجهات فى سوريا، وكباقى التنظيمات التكفيرية المسلحة والمرتبطة بالقاعدة، وجد البغدادى وتنظيمه مساحة خصبة على الأراضى السورية لممارسة إجرامهم وتكفيرهم بالإضافة إلى استغلال الفوضى لتحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ، ومن الحدود السورية الواسعة مع العراق، دخل تنظيم «الدولة» إلى الأراضى السورية، الى شرق سوريا بالتحديد تحت شعار «نصرة أهل السنة فى سوريا» معلنا الحرب على النظام السورى.
بدأ تواجد القاعدة فى سوريا مع ظهور تنظيم «جبهة النصرة» بقيادة أبو محمد الجولاني، أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح فى غضون أشهر من أبرز الجماعات المسلحة فى سوريا، ومع إعلان النصرة مبايعتها لتنظيم القاعدة فى أفغانستان بقيادة الظواهري، بدأت التقارير الإستخباراتية والإعلامية والصحفية تتحدث عن علاقة النصرة بالدولة الإسلامية فى العراق، وبدأ اعتبارها امتدادا سوريا لذاك التنظيم المنتشر فى العراق. وفى التاسع من نيسان عام 2013 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام، أعلن أبو بكر البغدادى دمج فرع تنظيم جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، وهنا بدأت قصة داعش.


داعش والجيش الحر


أما عن العلاقة التى تربط داعش بما يسمى «الجيش السورى الحر» فهى أكثر توتراً ودموية من تلك التى تربط داعش بالنصرة، حيث وصلت سياسة تكفير داعش للأنظمة والدول والفصائل الى إعتبار أى فصيل فى «الجيش الحر» من الكافرين. وقد دارت بين الطرفين معارك طويلة مع جميع الكتائب التابعة للحر المنتشرة على الأراضى القريبة من مناطق نفوذ داعش أو التى تقع على الخط التى رسمته داعش لدولتها. وفى حين اتهمت داعش الجيش الحر بالإرتداد عن الدين الإسلامى وتعاملهم مع النظام السوري، واتخذتها ذريعة لمهاجمة الحر وضرب كتائبه، تتحدث تقارير عن أهداف مادية خلف الصراع الذى يدور بين داعش والحر، خاصة حول النفط والمعابر الحدودية، وهذا ما بدا جلياً فى أماكن الصراع فى ريف حلب والحسكة. وقد دارت المعارك بين الطرفين فى إطار محاولات السيطرة على المناطق النفطية والآبار فى الحسكة والرقة خصوصاً، وحول المعابر الحدودية مع تركيا خاصة كما حصل فى إعزاز عند معبر باب السلامة أو كما حصل منذ مدة قصيرة عند معبر باب الهوى.


داعش والأكراد


وفى إطار سعى داعش للسيطرة على المنطقة الحدودية شمالاً وشرقاً اصطدمت داعش بالمناطق التابعة للتنظيمات الكردية فى شمال شرق سوريا، ودارت إشتباكات عنيفة بين الطرفين تمكن خلالها الأكراد من استعادة مناطقهم فى شمال وشمال شرق سوريا، طاردين داعش ومقاتليها من تلك المناطق، فيما فرضت الأخيرة حصاراً على تلك المناطق مستمر حتى الآن منذ حوالى الشهرين، وآخر ممارسات داعش وانتهاكاتها بحق الأكراد كان قيامها بخطف حوالى ال120 مواطناً كردياً بينهم نساء وأطفال من محيط مدينة أعزاز بريف حلب، إضافة الى محاصرتها لمدينة منبج وارتكاب أعمال العنف والقتل بحق أبناء المدينة من الأكراد.


مناطق نفوذ داعش


تنتشر داعش اليوم على امتداد قوس كبير فى الشمال السوري، يبدأ من الحدود العراقية السورية ويمرّ فى دير الزور والرقة التى باتت تسيطر عليها بشكل كامل، وصولاً إلى جرابلس ومنبج والباب وإعزاز شمال حلب، إضافةً إلى شمالى إدلب قرب الحدود التركية، وتسعى دائماً للتوسع فى نفوذها عبر قضم مستمر للمناطق المحيطة بالأراضى التى تسيطر عليها، وما تلبث أن تعلنها تابعة للدولة الإسلامية، فما هى هذه الدولة و كيف تتم إدارتها؟ كيف يعيش المواطنون السوريون بظل «الدولة» عليها وما طبيعة القوانين التى تحكمهم؟ كيف يتم التعامل مع الأقليات وأصحاب التوجهات المختلفة عن داعش فى هذه الدولة؟ وزارات للدولة ومقار رسمية لها... محاكم شرعية، إعدامات ميدانية، علاقات مع استخبارات أجنبية وعربيةـ أطفال فى جيش هذه الدولة وفى سجونها؟


تونس ومصر والجزائر فى مواجهة داعش


اجتمع مسئولون من المخابرات والأمن فى تونس ومصر والجزائر، نهاية الأسبوع الماضى، لدراسة تقارير أمنية غربية حذرت من انتقال جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» إلى ليبيا.
وكشف مصدر أمنى جزائرى لصحيفة «الخبر» فى عددها الصادر اليوم الاثنين، أن انتقال «داعش» إلى ليبيا بات مسألة وقت فقط، مضيفا القول: «تلقينا تقارير تشير إلى عودة جهاديين ليبيين وآخرين من تونس إلى بلدانهم لخلق فروع لداعش فى شمال إفريقيا».
ونوهت الصحيفة أن مصالح الأمن فى مصر، تونس والجزائر، بدأت التحضير والتجهز لاحتمال انتقال القتال الدائر حاليا بين جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ومعارضيها من السلفيين الجهاديين الموالين لأيمن لظواهرى (زعيم تنظيم القاعدة) فى سورية إلى ليبيا.
وقال مصدر عليم لذات الصحيفة، إن اجتماعات تنسيقية بدأت قبل أقل من أسبوع بين مسئولين كبار فى أجهزة الأمن فى مصر، والجزائر وتونس، بالتوازى مع جهد قطرى فى نفس الاتجاه، بدأ بزيارة لمسئولين أمنيين لتونس، ليبيا والجزائر، وهو ما يعنى تقاربا بين قطر ومصر فى ملف التصدى لجماعة داعش فى ليبيا.
وكشف مصدر أمنى رفيع للصحيفة، أن مبعوثين من المخابرات القطرية زاروا الجزائر قبل يومين فى جولة لدول المغرب العربى، تشمل تونس وليبيا فى إطار جهد دولى يهدف لحصار جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام التى يتزعمها أبو بكر البغدادى، ومنعها من الحصول على موطئ قدم فى ليبيا.
ونوهت الصحيفة، أن زيارة المسئولين الأمنيين القطريين تأتى لعدة أسباب أهمها النفوذ القوى للأمن القطرى على الجماعات السلفية الجهادية فى ليبيا وإمكانية توظيفه لحشد جبهة ضد جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام من جهة، ومنع استغلال هذه الجماعة المتطرفة لتعاطف السلفيين الجهاديين فى المغرب العربى. وأشار المصدر أن زيارة مسئولى الأمن القطريين جاءت نتيجة تنسيق بين شخصيات نافذة فى ليبيا وأخرى فى تونس، وأن تحرك الآلة الأمنية القطرية جاء بعد تداول تقارير أمنية غربية تحذر من انتقال سريع لداعش إلى ليبيا.
وأشارت تقارير الأمن إلى أن اهتمام داعش التى أعلنت تحولها إلى دولة خلافة إسلامية يتجه إلى ليبيا التى تتوفر بها المقومات التى تسمح بخلق فرع جديد لهذه الجماعة المتطرفة، وأهمها غياب دولة مركزية قوية وانتشار السلاح ووجود مخزون هائل من الشباب السلفى الجهادى المستعد للانخراط فى هذه الجماعة.
وتفيد آخر التقارير إلى أن تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى أعلن تأييده لدولة الخلافة، كما أن الجماعات السلفية الجهادية فى تونس سارت على نفس المنوال، فيما يتجه أغلب السلفيين الجهاديين من ليبيا لموالاة البغدادى أمير داعش، بينما يحافظ عدد كبير من السلفيين الجهاديين فى ليبيا على الولاء للظواهرى.
اتهامات للمخابرات الأمريكية بصناعة «داعش» ودعمها
ذكرت إذاعة صوت روسيا، فى تقرير أعده المحلل الروسى المتخصص فى شئون الشرق الأوسط أندريه أونتيكوف، نقلا عما وصفها بتقارير رسمية للإدارة الأمريكية، أن أمير تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، أبو بكر البغدادي، اعتقل من قبل القوات الأمريكية، فى وقت سابق من عام 2004، وكان يمكث فى سجن معسكر «بوكا»، ولكن تم الإفراج عنه فى وقت لاحق من عام 2009، فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما.
ونقل أونتيكوف فى تقريره تصريحات لرئيس سجن معسكر «بوكا» السابق، العقيد كينيث كينج، أكد فيها أن البغدادى مكث بالسجن حتى عام 2009، ثم تم تسليمه إلى السلطات العراقية التى أطلقت سراحه لاحقا، وعلى الفور بدأ بعد ذلك الصعود المذهل فى صفوف جماعة «داعش».
ويتفق اثنان من الخبراء والمحللين السياسيين وهما المحلل السياسى السورى طالب إبراهيم، والمستشرق الروسى فيتشيسلاف ماتوزوف، مع وجهة نظر المحلل الروسى أندريه أونتيكوف التى ترى أن: «البغدادى متعاون بشكل أو بآخر مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية»، وأضاف المستشرق الروسي، فيتشيسلاف ماتوزوف قائلا: «كل الحقائق تشير إلى أن (البغدادي) مرتبط مع وكالة المخابرات المركزية، ومن الواضح أنه خلال سنوات السجن تم إشراكه ضمن مخططات الوكالة الاستخباراتية بشكل أو بآخر».
وأوضح ماتوزوف، حسب تقرير «صوت روسيا» أن نفس ما تم مع «البغدادي» زعيم «داعش»، حدث تقريبا مع عضو آخر فى «تنظيم القاعدة» وهو عبد الحكيم بلحاج، الذى مكث فى سجون الولايات المتحدة لفترة طويلة، ثم تم تسليمه لمعمر القذافى الذى أصدر عفواً عنه فورا، ليتحول بعد ذلك لقائد عسكرى للثوار الليبيين، ثم يشارك بعد الإطاحة بالقذافى فى القتال ضد بشار الأسد، وهذا التشابه بين ظروف الشخصيتين يشير إلى أنهما مدعومان من قبل وكالات المخابرات الأمريكية.
ومن جانبها نقلت وكالة «فارس» الإخبارية الإيرانية، تصريحاً لرضا نقدي، قائد قوات المتطوعين العسكريين فى إيران، المعروفة اختصارا بـ«باسيج» والتابعة للحرس الثورى الإيراني، يقول فيه إن الولايات المتحدة تستعين بعدد من المعتقلين السابقين لديها فى سجن جوانتامو، وترسلهم للعمل كـ«مرتزقة» لديها إلى العراق للقتال فى صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو «داعش».
وأشار نقدى إلى أن أمريكا تستغلهم فى الاقتتال بالعراق بعد أن تخلوا عن مبادئهم ومعتقداتهم فى «غوانتانامو» تحت طائلة التعذيب والضغوط النفسية الرهيبة، «حيث يوجهوا اليوم لارتكاب جرائم فى العراق رفقة تنظيم «الدولة الإسلامية».