
أ.د. رضا عوض
رجال يذكرهم التاريخ.. العزّ بن عبدالسلام
هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السُلمي، مغربى الأصل. ولد فى دمشق فى سوريا عام 577 هـ، عالم دين مسلم سنّى على مذهب الأشاعرة وفقيه شافعي، الملقب بـ«عز الدين» و«سلطان العلماء» و«بائع الملوك». برز فى زمن الحروب الصليبية وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية فى آخر عهدها. ولعل أبرز نشاطه هو دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولى التترى وشحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب على الغزاة، خصوصا قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك. كان العزّ بن عبدالسلام جليلاً مهاباً حسن الصورة، منبسط الأسارير، متواضعاً فى مظهره وملبسه، وكان يحضر الأماكن العامّة والمجالس الرسمية بها. وقد خالط العزّ كبار دولة بنى أيوب التى أنشأها صلاح الدين فى الشام ومصر ولم يشتغل بالعلم إلا على كبر، وصار أحد أعلم زمانه. فقد قصد العزّ فطاحل العلماء فى عصره، وجلس فى حلقاتهم، ونهل من علومهم، وتأثر بأخلاقهم. حكم دمشق فى أيام العزّ بن عبد السلام الملك الأشرف موسى ومن بعده الملك الصالح عماد الدين إسماعيل من بنى أيّوب، فقدّرا للعزّ تفوّقه فى العلم وولّوه خطابة جامع بنى أمية الكبير بدمشق. وبعد فترة قام الملك الصالح بقتال ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب، حاكم مصر آنذاك، لانتزاع السلطة منه، مما أدّى بالصالح إسماعيل إلى موالاة الصليبين، فأعطاهم حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والتزوّد بالطعام وغيره. فاستنكر العزّ بن عبد السلام ذلك وصعد المنبر وخطب فى الناس خطبة عصماء، فأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة، وبحُرمة الصلح معهم، وقال فى آخر خطبته «اللهم أبرم أمرا رشدا لهذه الأمة، يعزّ فيه أهل طاعتك، ويذلّ فيه أهل معصيتك»، ثم نزل من المنبر دون الدّعاء للحاكم الصالح إسماعيل (كعادة خطباء الجمعة)، فاعتبِر الملك ذلك عصيانا وشقّا لعصا طاعته، فغضب على العزّ وسجنه. فلما تأثّر الناس، واضطرب أمرهم، أخرجه الملك من سجنه وأمر بإبعاده عن الخطابة فى الجوامع. فترك العزّ الشام وسافر إلى مصر. وصل العزّ بن عبد السلام إلى مصر سنة 639هـ، فرحّب به الملك الصالح نجم الدين أيوب وأكرم مثواه، ثم ولاّه الخطابة والقضاء. وكان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، وهم مملوكون لغيرهم، بالبيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر، وهو ما يتعارض فى نظره مع الشرع الإسلامي، إذ هم فى الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. فامتنع أن يمضى لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذى لم تعجبه بدوره فتوى العزّ، فأمره أن يعْدل عن فتواه، فلم يأتمر بأمره، بل طلب من الملك ألا يتدخل فى القضاء إذ هو ليس من شأن السلطان، وأدّى به أنكاره لتدخّل السلطان فى القضاء أن قام فجمع أمتعته ووضعها على حماره ثم قال: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها» إشارة منه إلى الآية القرآنية. ويرْوى أنّه تجمّع أهل مصر حوله، واستعدّ العلماء والصلحاء للرحيل معه، فخرج الملك الصالح يترضّاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الشرع.. فاقترح العزّ على الأمراء المماليك أن يعقد لهم مجلساً وينادى عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلمين وعندما نصحه أحد أبنائه بأن لا يتعرّض للأمراء خشية بطشهم، ردّ عليه بقوله: «أأبوك أقلّ من أن يُقتل فى سبيل الله؟». وفى آخر دولة الأيوبيين تولت الحكم امرأة هى شجرة الدر، فى تجربة تعدّ الثّالثة فى تاريخ الإسلام (بعد تولى رضية الدين سلطنة دلهى 634 هـ - 638 هـ، وأروى بنت أحمد الصليحى باليمن 492 هـ - 532 هـ) وكان العزّ بن عبد السلام من الذين استنكروا الأمر وعارضوه جهرة، لاعتقاده مخالفة ذلك للشرع، ولم يدم حكم شجرة الدرّ سوى 80 يوماً، إذ تنازلت على عرشها للأمير عز الدين أيبك الذى تزوّجته وبقيت تحكم من خلاله. وبعد وصول قطز لسدّة الحكم فى مصر، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم، عمل العزّ على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاة التتار الزاحفين. ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرّعية للإعداد للحرب، وقف العزّ بن عبد السلام فى وجهه، وطالبه ألا يؤخذ شيئا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال.