الأحد 3 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى الـ 11 لرحيله

الطيب صالح عبقرى الرواية العربية

تمر هذه الأيام الذكرى الحادية عشرة لرحيل الروائى السودانى الكبير الطيب صالح ( 12 يوليو 1979- 18 فبراير 2009) وقد ولد صالح  فى كَرمَكول بالقرب من قرية الدبة شمال السودان فى عائلة من المزارعين والمدرسين الدينيين. 



على ضفاف النيل ترعرع الطيب صالح، ليصنع بين أجواء الطبيعة عالمه الذى يشعر معه بالانتماء: «ذلك هو العالم الوحيد الذى أحببته دون تحفظ، وأحسست فيه بسعادة كاملة وما حدث لى لاحقاً كان كله مشوباً بالتوتر». ويسهب فى وصف تأثير المكان على تشكل شخصيته فيقول: «فى جنبات الطبيعة فى هذه البيئة بدأت مسيرة حياتي، ورغم أننى تعرجت فى الزمان والمكان بعد ذلك، لكن أثر البيئة لا يزال راسخاً فى أعماقي، وأعتقد أنّ الشخص الذى يطلق عليه لفظ كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع فى أعماقه، والإبداع نفسه فيه البحث عن الطفولة الضائعة، حين كبرت ودخلت فى تعقيدات الحياة، كان عالم الطفولة بالنسبة لى فردوساً عشت خلاله متحرراً من الهموم، أسرح وأمرح كما شاء لى الله، وأعتقد أنه كان عالماً جميلاً».

فى البداية ذهب إلى مدرسةٍ لتعليم القرآن الكريم وبعدها تابع دراسته المدرسية فى ثانوية جوردون فى الخرطوم، بعدها ارتاد جامعة الخرطوم، وبدأ يعمل كمدرس إلى جانب رغبته فى إقامة مهنة ومشروع فى المجال الزراعي، لكنه بعد أن حصل على البكالوريوس فى العلوم انتقل إلى بريطانيا ليتابع الدراسات العليا فى جامعة لندن، وقد غير اختصاصه إلى دراسة الشئون الدولية السياسية. فى لندن، عكف الطيب صالح على دراسة الآداب والفنون، وعرف طريق المسارح الكبرى، يلتمس بين جنباتها عالماً عرف من خلاله طريقه أخيراً نحو عوالم الحكايا، ودنيا الأدب اللانهائية. رويداً رويداً، اعتاد عالم الشمال، ليصبح رئيساً لقسم الدراما بهيئة الاذاعة البريطانية،  كما عمل مندوبًا لليونسكو فى دول الخليج لعشر سنوات.

بدأ بالكتابة الأدبية عندما كان يعمل فى مجلة «المجلة»، وهى مجلة عربية فى لندن حيث اعتاد أن يكتب عمودًا فيها كل أسبوع، وكانت معظم كتاباته القصصية تتحدث عن الحياة الريفية والعلاقات المعقدة بين أبناء الريف فى شمال السودان على الرغم من أنه أمضى معظم حياته فى الخارج.

وظلت روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) التى أكسبته شهرة عالمية على مدى أكثر من 40 عاماً المقياس الذى توزن به قيمة أعمال أخرى تالية تناول فيها روائيون عرب الصدام بين الشرق والغرب· ففى كثير من الروايات العربية التى عالجت الأزمة الحضارية بين الشرق والغرب كان مصطفى سعيد بطل (موسم الهجرة إلى الشمال) يطل برأسه متحدياً أبطال هذه الأعمال.

وظل اسم صالح يعنى (موسم الهجرة إلى الشمال) وحدها على الرغم من أعماله السابقة والتالية لها بل طغى الجانب السياسى فى روايته الشهيرة على المستوى الجمالى أحيانا، ووصفتها الأكاديمية العربية ومقرها دمشق عام 2001 بأنها أهم رواية عربية فى القرن العشرين· ورغم الاحتفاء بروايته عربيا وعالميا، منع تداولها فى بلاده فى تسعينات القرن الماضى بعد أكثر من ثلاثين عاماً على صدورها· ويعد الطيب من أكبر الأدباء العرب فى القرن العشرين وأشهرهم إثر ترجمة روايته الشهيرة الى 56 لغة واختيارها فى 2002 من بين أهم مائة رواية فى تاريخ الأدب العالمي.

أصدر مجموعته القصصية القصيرة الساخرة «عرس الزين» عام 1969، التى تحكى قصة رجل غريب الشكل أثناء بحثه عن عروس مناسبة، إلى جانب روايات الإنجليزية «ضو البيت» «بندرشاه الجزء الأول»1971 و»مريود» (بندرشاه الجزء الثاني) 1976، «الرجل القبرصي» 1978، و»دومة واد حامد» 1985.

خلال مجموعة القصص القصيرة «حفنة من التمور» التى أصدرها عام 1964، حاول الطيب صالح أن يدرك القارئ أن الحياة تقدم الكثير من الفرص وأنها ليست فقط لوحة مليئة بالأخطاء والمشاكل. كما قدمت رواية موسم الهجرة إلى الشمال الصراع الحضارى بين الشرق والغرب بأسلوبٍ أدبى كلاسيكى حديث أكسبه شهرة عالمية.

عُرف «الطيب صالح» بكتابته التى تتطرق بصورة عامة إلى السياسة، وإلى مواضيع أخرى متعلقة بالاستعمار، والمجتمع العربى والعلاقة بينه وبين الغرب، وفى أعقاب إقامته لسنوات طويلة فى بريطانيا، فإن كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية.

ومن أشهر رواياته وكتبه أيضا «عرس الزين» و«مريود» و«نخلة على الجدول» و«دومة ود حامد».

أطلق جائزة الطيب صالح السنوية بالتعاون مع مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافى فى أم درمان عام 1998، وقد أصدر مجلس أمناء اللجنة الخاصة بالجائزة قرارًا بمنح الجائزة لأول مرة عام 2003.

تم إنتاج كتاب «عرس الزين» فى فيلم كويتى وقد حصل على الاستحسان من قبل النقاد وصنّاع الأفلام، كما فاز بجائزة مهرجان كان السينمائى عام 1976.

عام 2002 أعلنت الأكاديمية العربية للآداب الواقعة فى دمشق أن رواية موسم الهجرة إلى الشمال هى الرواية العربية الأكثر أهمية فى القرن العشرين، كما تم اختيارها من بين أفضل 100 رواية فى التاريخ حيث تم التصويت عليها من قبل 54 كاتبا من بلدان مختلفة فى استطلاع للكتاب عام 2002.

صدر حوله مؤلَّف بعنوان «الطيب صالح عبقرى الرواية العربية» لمجموعة من الباحثين فى بيروت، تناول لغته وعالمه الروائى بأبعاده وإشكالاته، وحاز فى عام 2005 جائزة ملتقى القاهرة الثالث للإبداع.

و يمتاز الفن الروائى للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات، منجزاً فى هذا مساهمة جدية فى تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة.

عام 1965 تزوج من جوليا ماكلين، وهى إسكتلندية الأصل وتعيش فى جنوب غرب لندن، أنجبا ثلاث فتيات وهنَّ زينب وسارة وسميرة.

توفى الطيب صالح فى 18 فبراير عام 2009 عن عمر يناهز 80 عامًا بعد معاناته من فشل كلوى فى مستشفى لندن، ونُقل جثمانه إلى السودان ليدفن فى مقبرة البكرى فى أم درمان فى 20فبراير.