الجمعة 19 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإنسان حيوان تليفزيونى!

الإنسان حيوان تليفزيونى!

الأستاذ محسن محمد كان صحفيًا وكاتبًا غزير الإنتاج، وأصدر عددًا من الكتب المهمة فى تاريخ مصر السياسى الحديث منها «بعد أن يموت الملك» و«تاريخ للبيع» و«التاريخ السرى لمصر» و«أفندينا يبيع مصر» و«سعد زغلول مولد ثورة» و«سنة من عمر مصر» وغيرها!!



أما فى غير السياسة فقد كتب عن التليفزيون كتابه الرائع «الإنسان حيوان تليفزيونى» الذى صدر عام 1984 ويحكى فيه مئات الحكايات الطريفة والمسلية والممتعة عن عالم التليفزيون وكواليسه ونجومه.

صحيح أن الأستاذ «محسن محمد» تولى عشرات المناصب الصحفية وكان آخرها رئيس تحرير «الجمهورية» لكنه أثار غضب الصحفيين عندما قال: كنت مؤمنًا أن الصحافة هى الوسيلة الوحيدة لخدمة الناس وإعلامهم بكل شىء إلى أن قدمت فقرة فى برنامج «صباح الخير يا مصر» بالتليفزيون المصرى ومن يومها أمنت بأن الصحافة عصرها انتهى، وأن التليفزيون هو وسيلة الاتصال الحقيقية والشعبية بالجماهير.

وأعود إلى كتابه الشيق حيث يقول فى البداية عن ديمقراطية التليفزيون: حقق التليفزيون ديمقراطية المعرفة عندما جعل العلم فى متناول الجميع، وحقق ديمقراطية وقت الفراغ عندما جعل الترفيه متاحًا للجميع.

وقديمًا قالوا الإنسان حيوان ناطق، وقالوا الإنسان حيوان اجتماعى، وقالوا الإنسان حيوان سياسى، ولكن الإنسان الآن حيوان تليفزيونى.

ومن عناوين الكتاب المهمة والملفتة للانتباه مثلاً مذيع يرفض الرئاسة، وثلاثون ثانية بنصف مليون جنيه، وبرنامج لا يصدقه عقل وحرب التليفزيون.. إلخ.

يتحدث «محسن محمد» عن برنامج اسمه «مع النقاد» فيقول: «الناقد هنا ليس سياسيًا أو أديبًا أو اجتماعيًا بل إنه ناقد تليفزيونى ومهمته أن ينتقد المحطة التى استأجرته والتى يعمل فيها.. أى أنه ينتقد محطته نفسها وقناته التليفزيونية ذاتها.

سمعت ناقدًا يقول للمشاهدين: إذا أردت أن تخدم نفسك وأن تستفيد بوقتك وصحتك وأن يعتدل مزاجك فأغلق التليفزيون  أو تحول إلى محطة أخرى لأن برامج اليوم عندنا ولمدة أسبوع سيئة!!

ورأيت الناقد فى برنامج آخر يمتدح المحطة المنافسة بل إنه قال للناس المشاهدين لا تنتظروا حتى أكمل حديثى  اسرعوا إلى القناة رقم كذا لأن فيها الآن برنامجًا أفضل.

ونجح برنامج الناقد التليفزيونى وعلى الفور قلدته المحطات الأخرى، وبدأت محطات التليفزيون الأمريكى تقريبًا تستدعى النقاد وتدفع لهم أجورا ضخمة ليلعنوا المحطة التى تدفع أجرهم!!

إن المحطات رأت أن الهجوم عليها من جانبها وسيلة جديدة للرواج!!

قال لى مدير محطة تليفزيون أمريكية: لقد استعنا بكل الناس، جئنا بمن يتكلم عن الفضائح السياسية والسينمائية واستعنا بخبراء المال واستدعينا طبيبًا نفسيًا يحل مشاكل الجمهور على الطبيعة ولكن هذا كله كان أقل جاذبية من النقاد!! إن الناقد يفقد قيمته ويفقد احترامه لنفسه إذا اكتفى بالتمويه والمدح المستتر فالمشاهد حساس، ولو طردنا ناقدًا فإن البرنامج يفقد قيمته ولن يصدقنا الناس مرة أخرى!

إن الاعتراض علينا أو المعارضة يجب أن تكون صادقة وإلا فلا داعى لها أبدًا.

انتهت الحكاية، ويبقى السؤال هل تجرؤ أى محطة عبرية من المحيط إلى الخليج أن تقدم مثل هذا البرنامج وأن يكون بين نجومها: ناقدًا يتقاضى راتبًا مقابل أن يلعن ويهاجم القناة؟! لا أظن!!