الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات «26»

لغة الجينات «26»

الحسد والحقد والغل والغيرة والنفاق والكراهية والكذب اللى موجودين  فى قلوب أصحاب الجينات الخبيثة.. أخطر فيروس على وجه الأرض..  فى الظاهر مشاعر سلبية.. وفى الباطن نار تفسد القلوب وتدمر العلاقات وتجلب الكره.. وقد تؤدى بك إلى قتل أقرب الناس إليك.



«الحسد والحقد والغيرة» هى التى دفعت إخوة سيدنا يوسف إلى محاولة قتله والتخلص منه.. وهى التى دفعت والده أن يطلب منه ألا يحكى رؤياه لإخوته  حتى لايحسدوه.. «حدثٌ» يتجاوز العقل والإدراك..  فى الظاهر كان أخوهم الأصغر اللى بيحبوه.. وفى الباطن حسدوه وحقدوا عليه لمجرد أن والدهم يحبه.. تآمروا عليه وألقوه  فى البئر.. ولم يتخيلوا أن نهايته ستكون  فى قصر مصر العظيمة.. دليل واضح على ما يمكن أن يفعله الحسد والغل بين الإخوة حتى لو كانوا أبناء نبى.

فى الظاهر.. ظل إخوة يوسف  يحسدونه ويغيرون منه حتى وهم يظنون أنه ميت.. فعندما وقفوا أمامه وهم لايعرفونه بعد أن صار متحكما فى خزائن الأرض.. قالوا له عن شقيقه : «إن يسرق فقد سرق له أخ من قبل»!..   وفى الباطن نقلته جيناته الأصلية  من حال إلى حال، ومن حياة إلى حياة، من حياة الصحراء  إلى حياة الملوك والقصور من حياة البؤس والكد، إلى حياة الترف.. والمنصب والجاه والملك.. . وخزائن مصر. 

فى الظاهر محنة نسجها أصحاب الجينات الخبيثة بإحكام  ليوسف.. وفى الباطن كانت  فيض من نورالله  أشعل به وجدان الإيمان بداخله  وثبت به روحه ويقينه وجيناته الأصلية.. درس عظيم قديما.. يتكرر ويحدث فى كل زمان ومكان. 

الحسد والحقد والكره والغل والغيرة طالوا رجلا فى قامة وقيمة الراحل الكبير الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى من بداية حياته ،فى الظاهر كفيف  فقده بصره مبكرا بسبب الجهل وفى الباطن.. أضاء حياة ملايين المُبصرين فى مصر والوطن العربى... بإصراره على مجانية التعليم للجميع.. وهو ما يحاول كثيرون حتى اليوم حرمانه من هذا الشرف ونسبه لثورة يوليو 1952.

«طه حسين» فى الظاهر هو  واحد من 13 طفلاً فى أسرة فقيرة تعيش فى مجاهل صعيد مصر، وفى الباطن جيناته الأصلية  وإصراره وجده واجتهاده  صنعوا منه واحدا من أساطين الثقافة العربية والإسلامية بل العالمية.

«حسد» إخوته وغيرتهم منه  بسبب حفظه للقرآن سريعا جعلته فى الظاهر انطوائيا.. وفى الباطن يحلم ويرسم لنفسه حياة مختلفة..  يذهب إلى أوروبّا، ويتزوج  زوجةً مثقفة.. وعندما  حكى  لإخوته  عن  حلمه سخروا منه .. واعتبروا  كلامه مجرد أحلام يقظة لكفيف مغرور.!

الحسد والحقد والكراهية.. ظلت تطارد طه حسين طوال عمره وبعد مماته.. فى الظاهر شاب ذكى طموح.. يتعاطف معه زملاءه فى الأزهر.. وفى الباطن يبلغون عنه بسبب أفكاره التنويرية ولدرجة فصله من الأزهر ،والتحاقه بالجامعة الأهلية ليكون أول مصرى يحصل على الدكتوراه منها وتتحول من محنة إلى منحة فهى كانت  طريقه إلى السربون.

حتى بعد أن عاد من باريس أستاذا كبيرا.. فى الظاهر بدأ الجميع يعامله باحترام.. وفى الباطن ظل الحسد  والغيرة يطاردانه.. مؤامرات من كبار فى الجامعة يحقدون على طه حسين  فيدفعون الطلبة الصغار لتنظيم  مظاهرات ضده  بسبب كتابه عن الشعر الجاهلى.. يسبونه ويلعنونه أمام زوجته عندما ذهب لإلقاء محاضرة فى الأزهر.. فينهار الرجل ويكتئب.. يقدمون فيه البلاغات ويطالبون بسجنه!!

فى الظاهر تقف الدولة معه وتعينه عميدا لكلية الآداب.. وفى الباطن يطلب منه رئيس الوزراء وقتها منح الدكتوراه الفخرية لعدد من السياسيين.. يرفض الدكتور طه حسين طلب رئيس الوزراء.

فى الظاهر يتقبل الرجل الرفض.. وفى الباطن الغيرة والحقد يدفعانه إلى إصدار  قرار بعزل طه حسين  من منصبه.. وسحب  البيت الذى يقيم فيه بصفته عميدا.. فى ليلة واحدة فقد وظيفته وراتبه وبيته.

«الحقد والغيرة» من نموذج الاجتهاد والصبر والتحدى والنجاح.. فى ظنى هو ما دفع البعض لإطلاق اسم الدكتور طه حسين على محطة للصرف الصحى بالزمالك.. ولولا انتقادات عنيفة طالت القرار فتم التراجع عنه.. . كانت محطة الصرف الصحى ستبقى  باسم الرجل المظلوم حيا وميتا.

انتبه فلن  تتقدم وتفوز، إذا كان فى قلبك الحسد والغيرة والحقد.. لن تتوسع وتفرح وتعيش السعادة، وأنت تتمنى الخسارة لغيرك، أو تتضايق من فرح غيرك، أو تتألم من نعمة  جاءت إلى غيرك.

طهروا قلوبكم من الحسد والحقد والغيرة.. لا تكن من الحاسدين ولا من أصحاب الجينات الخبيثة ممن ملأت  الغيرة قلوبهم. احذر من حقد وغيرة من حولك حتى لو كانوا أقرب الناس إليك.. لكن اعلم أن فن التسامح لا يملكه إلا الصالحون من أصحاب الجينات الأصلية.

«يوسف» سامح من حاولوا أن يقتلوه.. وحرموه من أبيه..   فلولا البيع بدراهم معدودة.. ماكانت خزائن الأرض .