الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
د.جلال أمين وتجربته التليفزيونية!

د.جلال أمين وتجربته التليفزيونية!

«ماذا علمتنى الحياة «..سيرة ذاتية كتاب ممتع ورائع للمفكر الأستاذ د.جلال أمين استمتعت بكل ما كتبه من حكايات وذكريات طفلا وشابا وأستاذا جامعيا مرموقا،لكن أغرب هذه الحكايات كانت مع «التليفزيون» وتجربته فى هذا الشأن فقد رواها بقوله:



ما أشد الرهبة التى شعرت بها عندما جلست لأول مرة فى مواجهة الكاميرا مشتركا فى أحد برامج التليفزيون المصرى، كانت فكرة الظهور فى برنامج تليفزيونى تراه الآلاف المؤلفة من الناس تبعث فى نفسى السرور والخوف فى نفس الوقت! السرور لما يجلبه التليفزيون من شهرة «أو ما نظنه كذلك» والخوف من ارتكاب أى نوع من الخطأ ومن ثم يمكن مما يمكن أن تجلبه هذه الشهرة من أثر هو عكس المطلوب بالضبط ولكن سرعان ما ذهب الخوف وقّل السرور!

ذلك أننى بعد أن ظهرت فى التليفزيون ثلاث أو أربع مرات بدأ يعترينى الشعور بالضيق من طريقة معاملة المشتغلين بالتليفزيون لضيوفهم! تبين لى أن جماهيرية التليفزيون تضغى على العاملين فيه أهمية لا يستحقها معظمهم فإذا بهم يتصرفون وكأنهم وسطاء بين ضيوف التليفزيون وهذه الأعداد الغفيرة من المشاهدين فيصدرون الأوامر لهؤلاء الضيوف بالالتفات إلى اليمين أو اليسار وبأن يتحركوا على هذا النحو أو ذاك فتشعر بعد لحظات بأنك كالمشلول أو بالشخص الذى قُيدت قدماه وذراعاه فتسمر فى مكانه! ويخرج الكلام مغتصبًا وبلا روح وبينما يقطعه مقدم البرنامج بإعلان الجمهور والضيوف بأنه لابد من قطع الكلام لمشاهدة فاصل من الإعلانات التى لا توجد صلة بينها وبين ما كنت تتكلم فيه، بل المنافية تماما لموضوع الحديث!

وقد تظن أن لديك قدرة على الانسحاب وعدم الاستمرار فى هذه التمثيلية التى تقدم وكأنها فرصة ممتازة للحوار والكلام بحرية، ولكنك فى الحقيقة تدرك بسرعة من كل هذه الجدية والصرامة التى يحاط بها البرنامج أن الانسحاب مستحيل! إذ إن هذا الجمهور الذى ينتظر البرنامج أو يفترض أنه ينتظره يجب أن تلبى رغباته ويشبع نهمه للتفرج على هؤلاء الحمقى الذين قبلوا المجىء للتحاور أمامه! ولا وظيفة لهم فى الحقيقة الا تسليته والترويح عنه وهو أى أن هذا الجمهور يستطيع فى أى لحظة بضغط إصبعه على زرٍ صغير أن يمحوك تمامًا من الصورة ويستغنى عنك، ويستبدل بك راقصة أو مغنية أو فيلما سينمائيا.

وهذه الحرية المزعومة للحوار التليفزيونى يقلل من قدرتها إدارة التليفزيون على أن يحذفوا أى جملة من جملك يعتبرونها للسياسة العليا للتليفزيون دون أن يشعر المشاهد بأن أى حذف قد حدث، ومن ثم يجد ضيف التليفزيون نفسه وقد نسب إليه رأى غير رأيه!

جعلنى كل هذا أفقد الثقة فى التليفزيون وأفقد الرغبة سواء فى مشاهدته أو الاشتراك فى أحد برامجه باستثناء حالات استثنائية رأيت فيها أن البرنامج جاد ويسمح بدرجة لا بأس بها من الحرية!

وقد حاولت مرة أن اشترط عدم قطع البرنامج بالإعلانات فأفهمونى أن هذا مستحيل، وأدركت أننا بظهورنا على شاشة التليفزيون حتى فى تلك البرامج القليلة الجادة إنما نظهر بدافع واحد فقط لدى منتجى البرامج والمشرفين على التليفزيون وهو تحقيق أقصى ربح ممكن من الإعلانات!

ويحكى د.جلال أمين هذه الواقعة ذات الدلالة فيقول: سألت صديقًا لى مرة عن السبب الذى جعله يشترك فى حوار تليفزيونى لا أرى فيه أى ميزة تجذب المرء إلى الاشتراك فيه: لا الموضوع ولا شخصية المذيع المحاور ولا اتجاهاته السياسية؟! فقال لى إنه يظل سنوات يكتب المقالات فى صحيفة من الصحف بعد أخرى فلا يشعر بأنها كونت له جمهورًا يقرأه ويعرفه ثم يظهر مرة واحدة فى برنامج تليفزيونى ولو فى ساعة متأخرة من الليل فإذا به فى كل يوم يقابل من يتعرف عليه ويسأله باهتمام: حضرتك بتطلع فى التليفزيون؟! انتهت الحكاية الطريفة!