الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
صلاح جاهين بين فتحى غانم وأحمد بهاء الدين!

صلاح جاهين بين فتحى غانم وأحمد بهاء الدين!

فى يوم وليلة أصبح الشاعر الشاب «صلاح جاهين» حديث المدينة والوسط الصحفى والأدبى عقب صدور ديوانه الأول «كلمة سلام» أواخر عام 1955.



تلقف ديوان صلاح جاهين اثنان من نجوم الصحافة والكتابة، وكتب كل منهما مقالا بديعا يبشر بانفجار موهبة شعرية لا نظير لها، والكاتبان هما الأستاذ «فتحى غانم» والثانى هو الأستاذ «أحمد بهاء الدين».

اختار فتحى غانم الذى نشر مقاله فى آخر ساعة بتاريخ 28 ديسمبر 1955 عنوان شاب صغير عمره آلاف السنين وكتب يقول:

احتفل شاعر مصرى كبير بعيد ميلاده الخامس والعشرين منذ ثلاثة أيام، هذا الشاعر الصغير السن - ما زال مجهولا - لم يقرأ له أحد بيتا واحدا من الشعر ولكنه نشر أشعاره أخيرا منذ أيام قليلة ليقرأها المصريون والشرقيون ولتترجم إلى العالم أجمع.

اسمه «صلاح جاهين» اذكروا هذا الاسم وارقبوه فأنتم وحدكم القادرون على أن ترفعوه إلى أعلى قمم الفن، وأنتم وحدكم القادرون على أن تهيلوا عليه تراب النسيان والموت!

وأشعار صلاح جاهين باللغة العامية التى يتكلم بها المثقفون من أبناء الشعب هى ارتقاء باللغة العامية والتقاء فى الوقت نفسه باللغة العربية، أما موضوعاته فهى أحداث مصر فى الفترة ما قبل ثورة 23 يوليو «1952» وهى تسجيل فنى للاستعمار فى مصر والجنود الإنجليز فى أراضينا ومعركة القنال ومأساة فلسطين واللاجئين المشردين فى الصحراء والإقطاع وأصحابه من الأمراء الأتراك وأنصاف الآلهة الذين يسكنون القصور الباذخة ثم صور أخرى عن الجريمة التى تفشت بين الشباب والفلاحين فى الحقول والصيادين فى البحر والعمال فى المصانع وتحس وأنت تقرأ هذه الأشعار أن «صلاح جاهين» ولد منذ ربع قرن ولكن عمره الحقيقى - كمصرى - هو آلاف السنين.

أما مقال الأستاذ أحمد بهاء الدين فقد اختار له عنوان «كلمة سلام» ونشره فى مجلة «روزاليوسف» 9 يناير 1956 وقال: صلاح جاهين شاب موهوب أكبر ميزاته البساطة، بسيط فى سلوكه الشخصى وفى إنتاجه الفنى على السواء، كان المفروض أن يدرس القانون فى كلية الحقوق ولكن للقانون قواعد وقيودا وحدودا فهو لا يلائم طبيعة صلاح جاهين الذى فر من حظيرة القانون لكى يدرس الفنون ثم لكى ينتج بالريشة والقلم ويعبر عن نفسه وعن مجتمعه وعن بيئته رسما وشعرا.

وبساطة صلاح جاهين تتجلى فى أنه لا يحاول أن يقنعك بأنه فنان ولا يتحذلق حذلقة الفنانين ولكنه يرسم ويقول الزجل وكأنه يعلن خواطره لا أكثر ولا أقل، وليس معنى ذلك أن صلاح لا يدرك تماما أهمية ما يرسم أو ما يقول.. فهو شاب مثقف مؤمن بأن الثقافة لها رسالة وليست مجرد زينة أو زخرفة لكنه لا يحب أن يستعرض ثقافته، إنما يقول الحقائق التى يصل إليها من أقرب طريق، وببساطة البديهيات وهو منطق فى معالجة الأمور أقوى - فى رأيى - من منطق التعقيد والغموض والمصطلحات!

والقصائد التى جمعها صلاح فى ديوانه «كلمة سلام» تنم عن هذا الجمع الموفق بين الثقافة السليمة وبين بساطة الأداء، إن قصيدة «دموع وراء البراقع» صورة رائعة لعامل يفقد عمله وهى فى سطورها البالغة البساطة تعرض لك أمورا بالغة الأهمية:

الأزمات الاقتصادية التى تؤدى إلى تسريح العمال، الضمانات التى يجب أن تتوافر للعامل، النظام القضائى المرهق الذى لا ينفذ إلى صميم المشكلة المعروضة عليه، فالعامل صاحب هذه المأساة يعبر عن إحساسه قائلا: «وأنا مجرد تلات كلمات» فهو ليس رجلا وقلبا ينبض، ومعدة تجوع، ونفسا تذخر بالعواطف، وبيتا وزوجة، وإلى جانب ذلك ترى الصورة الإنسانية الكاملة لأسرة صغيرة يهزمها الفقر وترى الجو المصرى الكامل فى ختام هذه القصة:

وأصبح اسم يتكفن بكل لسان من السكان

بعيد عن بيتكو يا أم فلان..

خلاص بيبعوا عفش فلان

وتمشى مراتى بعيالها عشان تأكل فى بيت أبوها

هناك فيه ناس يحبوها... إلخ

ويختتم أحمد بهاء الدين مقاله قائلا: وبعد أننى لم أقدم لكم صلاح تقديما كافيا، ولكنكم ستعرفونه أكثر من صباح الخير.

وكان الأستاذ بهاء يقصد تألق صلاح على صفحات صباح الخير التى صدرت بعد ثلاثة أيام فقط من كتابة المقال يوم 12 يناير 1956!