الثلاثاء 5 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اختطاف نجيب محفوظ

هل يحاول تنظيم الإخوان اختطاف أديب نوبل ضمن محاولاتهم لاختطاف الرموز الأدبية

اختطاف نجيب محفوظ

لقد بات واضحًا تمامًا استهداف الجماعة الإرهابية والمنتمين لها للحياة الثقافية فى مصر بديلًا عن فشلهم السياسى وسقوطهم الكبير فى 30 يونيو، وصارت واضحة كذلك خطتهم البديلة التى يحاولون عبرها الهيمنة على الثقافة، وصار أكيدًا لمن يدقق أن هذا يتم عبر أدوات كثيرة ترتبط بالنشر وبعض الصالونات الأدبية، أو الندوات، وحفلات التوقيع، وبعض الأشكال الأدبية الأخرى، وبعض المكونات الفكرية التى يبثونها فى بعض الأعمال، وغيرها من الممارسات والأدوات؛ فالتنظيم الدولى الموجه والمتمرس على السطو والتخريب المادى والمعنوى لا يمل ولا يستسلم بسهولة، فهذا التنظيم أقرب لنموذج “ميدوسا” الأفعى الشريرة فى الأساطير اليونانية التى كانت لها رؤوس كثيرة تنبت من جديد إذا  ما استطاع البطل قطع أحدها. 



الأمر ليس فزاعة للتهويل والتخويف من الممارسات المتحورة للإخوان بقدر ما هو رصد لواقع حقيقى له عشرات الشواهد والأدلة التى تقود للحقيقة، ولكنه يحتاج إلى قدر من التركيز ولا يرصده إلا عقل مشغول يدقق فى الظواهر الأدبية والثقافية ويرى بعمق وعن كثب وصبر تحولات الحياة وارتباطها ببعضها حيث لا ينفصل السياسى عن الثقافى أو الاقتصادى والعكس.

هل يحاول تنظيم الإخوان اختطاف نجيب محفوظ بالفعل ضمن محاولاتهم لاختطاف الرموز الأدبية؟ هل يجدى هذا معهم ضمن خطتهم الأكبر لاختطاف الوطن وضمن إصرارهم على سرقة ما ليس من حقهم؟ هل هذه الممارسات الثقافية والأدبية التى سنشير لها بالتفصيل قد تكون فعلًا تتعلق بصراعهم المحموم للوصول إلى السلطة والاستيلاء على الحكم؟

بالتأكيد يجدى بل يمكن أن يكون هدفًا أساسيًا وغاية ملحة لهم، لأن تراث نجيب محفوظ فى الحقيقة أبرز القوى الضاربة ضد الرجعية وأهم العوامل الفاعلة نحو التنوير والتحديث وخلخلة التخلف والرجعية الدينية التى هى الزاد التى يتغذى عليه التنظيم. ولكن كيف يكون هذا الاختطاف أو كيف يسعون إلى تنفيذه؟

ليس غريبًا على جماعة الإخوان فكرة الاختطاف فى ذاتها، فهم مدربون بقوة وباحترافية على فعل الاختطاف وادعاء ملكية أشياء ليست لهم، ولكن السؤال الأكثر مباشرة وأكثر أهمية فى اتصاله بموضوعنا هو لماذا يتدافع (مثقفو الإخوان) – مجازًا طبعًا لأن الإخوانى لا يمكن أن يكون مثقفًا حقيقيًا - أو بالأحرى أتباعهم فى الحياة الثقافية نحو أديبنا العالمى نجيب محفوظ سواء بالدراسة والتناول أو التفسير والشرح أو التمحك والثاقف وادعاء حال ليست لهم من الوعى الطليعى أو غيرها مما يتصل بتناول تراثه ومقاربة إنتاجه الأدبى العظيم؟ لماذا أصبحوا فى كثرتهم وعبر رموزهم وشخصياتهم الواضحة والمتعمدة للتخفى يتحلقون حول اسمه ويكتبون بكثرة المقالات والدراسات والكتب عنه؟ لماذا أصبحوا مشغولين به على هذا النحو المحموم وما جدوى أو خطورة هذا؟ جدواه لهم وخطورته على المجتمع بالطبع وعلى تراث نجيب محفوظ.

ما الذى يمكن أن يجنوه من التحلق والالتفاف حول تراث نجيب محفوظ ،والاستيلاء على اسمه أو الاستحواذ على أغلب الدراسات التى تقوم عليه؟ فى تصورى أنها كلها ظواهر مركبة وتحتاج إلى تأمل عميق وتدقيق كبير. 

لعل أبرز مكاسب أعضاء الجماعة من اختطاف اسم نجيب محفوظ هى ادعاء الثقافة أو اكتساب رونق ثقافى ورونق حداثى وأدبى وإنسانى ليس لهم على وجه الحقيقة، فالتحلق حوله أو الاتصال باسمه يساعدهم على ادعاء هذه الحال المثالية، كما يساعدهم على التخفى تحت شعارات أدبية وإنسانية هى جزء أساسى من منجز نجيب محفوظ، فيتخفون تحت شعارات مثل العلم والتوافق التام بين العلم والدين، ويقصدون بهذا الصورة الدينية الخاصة بهم، وليس الدين فى مجمله أو بطابعه الإنسانى المنفتح، كما يساعدهم على المناداة بشعارات تتصل بالديمقراطية وأنظمة الحكم وهى المسائل التى لم يكن يتصدى له محفوظ بشكل مباشر وسطحى أبدًا، وكان فى مجمل أعماله مشغولًا بالقيم الإنسانية العامة وبالجمال الأدبى فى المقام الأول، ولا يمكن أن نغفل بالطبع أن تحلقهم حول اسم محفوظ إنما يساعدهم على التخفى واكتساب جلد آخر أو مظهر آخر غير المظهر الإخواني، والتخفى جزء مهم فى استراتيجيتهم وبخاصة فى عملهم العام والثقافى ،أو الذى يتصل بمحاولات التأثير فى المجتمع ،أو اقتياده بخفاء ولا وعى نحو هاوية فكرية وثقافية، أى نحو الرجعية والتخلف والتعصب والأحادية وغيرها من المكونات الفكرية التى يمكن تتبعها وتفكيكها والكشف عنها فى خطاباتهم ومنهجهم الثقافي، بل يمكن الكشف عن كيفيات بثها أو تركيبها ودمجها بخبث فى الخطابات الأدبية والثقافية التى تشكل الوعى الجمعى بشكل ناعم ومتدرج.

تاريخيًا الإخوان أول من عادى نجيب محفوظ بل حاولوا قتله، بل إن فكرة قتله تتجاوز كثيرًا الاعتداء البدنى إلى القتل المعنوى سواء بإبعاد المصريين عن أدبه وإنتاجه الثرى العظيم أو بمحاولات إثنائه وإبعاده عن الإبداع وهو حي، والحقيقة أن هذا التاريخ القديم هو الذى يحدد العلاقة الحقيقية للإخوان بنجيب محفوظ بل يحدد علاقتهم بالثقافة والإبداع الأدبى بشكل عام ويكشف عن قدر ما فى جوهرهم من الجمود والرجعية والتكلس والتخلف، إذن ما الذى تغير فى هذا الموقف العدائى الواضح الذى تدعمه عديد الشواهد من التكفير ،أو الاعتداء بالجسد أو تأليب المؤسسة الدينية عليه؟ 

الجديد أنهم تحوروا، أى أن الفيروس الإخوانى حدثت له تحورات عدة طوال العقود الماضية حتى استقر على صيغة جديدة وشكل مختلف يحدد علاقتهم بالأديب العالمى العظيم بصورة مختلفة وغير نمطية تتجاوز فكرة العداء المباشر، أولها أنهم حين وجدوا رسوخه فى الحياة الأدبية وأنه أصعب من أن تقتلعه أى قوة حاولوا التصدى لفهم أعماله ودراسته على طريقتهم الخاصة، حاولوا أن يكونوا هم المفسر والمقدم والوسيط النقدى لإبداعه، ويحاولون أن يكونوا هم الممثل لكل حراك ثقافى وفكرى ونقدى حول نجيب محفوظ وتراثه، وفى ذلك خطر عظيم يحتاج إلى تناول تفصيلي، ولنا أن نتخيل فى عجالة كيف يكون مقدار السوء والكارثة إذا كان أغلبية ما يطرح لدينا حول تراث محفوظ يكون عبر منظور عقل الإخوانى وأفقه الضيق وذهنيته المحدودة، وكيف ستكون الخسائر إذا انحسرت رؤيتنا له فلم نر فى أعماله إلا ما هو سطحى من الأسئلة مثل إذا ما كان موقفه من الرجعية الدينية هى مجرد التوفيق بينها وبين العلم كما يدعى بعض الإخوان فى كتبهم ،أو أن نجيب محفوظ جسد وصور كافة الطبقات بشكل متوازن وعادل وأن تصويره لشخصية المتشدد أو المتطرف يمثل إقرارًا لوجود هذه النماذج فى حياتنا ،وأن وجودها يمكن أن يكون أمرًا طبيعيًا أو منطقيًا أو مقبولًا ضمن تنوع الحياة كما قد يصور ويرى ناقد إخوانى آخر، فمسألة تصدى الإخوان لأعمال نجيب محفوظ بالقراءة والنقد والتفسير مسألة تحتاج منا دراسات مقابلة تفند وتدقق وترد وتصوب ولا تدع الساحة نهبًا لهم، وتحتاج إلى جهود مخلصة ونقاد وأدباء حقيقيين، بل هو أمر يحتاج لاستنفار طاقاتنا النقدية الأصيلة ،ويفترض أن يستفز عقول المفكرين الحقيقيين.

لقد كانت أول الأكاذيب الكبرى للجماعة الإرهابية وأتباعها أن سيد قطب هو أول من كتب نقدًا عن نجيب محفوظ، بل وصل الادعاء إلى صورة من التدليس توحى بأن سيد قطب هو من عرف الناس على نجيب محفوظ واكتشفه، والحقيقة أن هذا أمر أوهى وأضعف من أن يحتاج إلى دلائل لنفيه أو تكذيبه؛ لأن نجيب محفوظ بدأ حياته الأدبية مبكرًا بعدد من الجوائز المهمة وكتب عنه سلامة موسى الذى كان أول أديب يقرأ رواية محفوظ الأولى، وهى مخطوط بحسب تصريح محفوظ نفسه عن سلامة موسى، وتأثيره الكبير فيه، وبالطبع كان سلامة موسى علمًا شهيرًا فى ذلك الحين. 

والأهم من فكرة السبق أن نجيب محفوظ لم يكن مجرد اكتشاف عابر، بل قيمته فى كونه ظاهرة ثقافية ممتدة وفاعلة ومؤثرة على مدار عقود، والمغالطة الأهم فى ادعاء الإخوان هى أن سيد قطب، الذى كان قد كتب عن محفوظ فى أول حياته لم يكن نجمًا أدبيًا شهيرًا أو ناقدًا لامعًا وذائعًا ،أو رئيس تحرير وصاحب قلم نافذ ،بل كان مجرد مدرس لغة عربية محدود، وبرغم ذلك لم يكن قد بدأ فى مسيرته المتطرفة ،ولم يكن انحدر نحو تحوله الأخطر، وبالتالى فهو برغم محدوديته يختلف كثيرًا عن سيد قطب المشرع للتكفير والإرهاب والمنظر الأكبر لهما فى العالم العربى والإسلامي، وهكذا فالسؤال المنطقى هو ما علاقة الإخوان بهذا المعلم الذى كان أقرب لليسار ،والاشتراكية فى ذلك الوقت، وليته برغم محدوديته الثقافية استمر فى الكتابة والإبداع. 

وهكذا نرى إن هناك تزييفًا ثقافيًا كبيرًا وعلى قدر كبير من الخطورة حين بدأ يكثر ترديد الإخوان وبخاصة من بعد ثورة يناير 2011 أن سيد قطب هو مكتشف نجيب محفوظ وأول من كتب عنه، ومن الغريب ألا يتبنه كثير من المثقفين لخطورة هذا الأمر الذى يهدف بالكذب إلى لفت الانتباه إلى منظر التكفير وإظهار قدر نباهته وعلمه الأدبى العظيم، والحقيقة أن ما لديه من المعرفة الأصولية باللغة وبالأساسيات إنما تشكلت بعد ذلك على مراحل وبعد فترة متأخرة فى حياته قضاها يعانى من الوحدة والكآبة وهذه المعرفة الأصولية غير الواعية وغير المجددة وهى ما تجلت فى كتبه المتطرفة ،إنما كانت ميراث الخوارج ليس أكثر ولكنه قدر بعد خبرة طويلة على صياغتها فى تفسيره المعروف، الذى يضلل الشباب ويخدعهم ويصور لهم أنهم أمام عالم كبير ،وصاحب منهم وهو فى أصله مؤسس على مغالطات كبرى ،ويتجاهل ميراث التفسير، الحقيقة أن سيد قطب لم يكن أكثر من أديب فاشل وناقد فاشل، كتب أعمالًا لم تحقق له أى ذيوع ،أو انتشار، أو مكانة أدبية حقيقية، وهذا هو الأولى أن يكون فى الاعتبار فى دراسة انزلاق سيد قطب نحو التطرف والفشل الأكبر، أما تصويره على أنه كان الناقد الذى كتب عن نجيب محفوظ ؛ فهذه المغالطة التى من شأنها أن تضللنا وتصوره على أنه الأديب والناقد اللامع الذى امتد نجاحه بعد ذلك فى بقية مسيرته كما سيفهم أتباع الإخوان من المخدوعين. 

لم يكن الأمر فى الالتفاف على هرم نجيب محفوظ مقصورًا على هذه الكذبة الكبرى، بل الأخطر هو ما كتب بعض النقاد من الإخوان عن نجيب محفوظ فى كتبهم، بل إن بعض هؤلاء الذين كتبوا عن نجيب محفوظ لم يكونوا نقادًا أصلًا، مثل الدكتور صلاح سلطان القيادى الإخوانى وأستاذ الشريعة السابق بكلية دار العلوم القاهرة الذى كتب كتابًا فى عام الاعتداء على محفوظ وبعد محاولة قتله فى سنة 1995 يفترض أنه فى هذا الكتاب يقدم قراءة نقدية فى رواية أولاد حارتنا كما هو مكتوب على العنوان، ولا أدرى كيف يقدم أستاذ الشريعة الإسلامية قراءة نقدية فى عمل أدبى بشكل علمى ومنهجي، والطريف أنه كان يوزع هذا الكتاب على طلاب الكلية الذين يدرس لهم الشريعة، ويجعلهم يدفعون سعر الكتاب وقتها خمسة جنيهات، المهم أن هذا الكتاب للدكتور صلاح سلطان يكشف عن التحول الخطير فى تعامل الإخوان مع نجيب محفوظ، وهو أنهم يتصدون له بالكتابة ويحاولون الاستحواذ على ما يدار حوله من نقد، ولم يكن الكتاب فى حقيقته غير محاكمة لنجيب محفوظ ولرواية أولاد حارتنا ولكنها محاكمة من قاض ليس مختصا، محاكمة جائرة تفترض هى قوانينها بنفسها وتطبقها بطريقتها وعلى حسب أهوائها يمثل كتاب صلاح سلطان وثيقة اتهام ولائحة جرائم لنجيب محفوظ تنسب له الحديث المباشر عن الأنبياء والرموز الدينية، ويبدأ كتابه بتصدير للشيخ محمد الغزالى يؤيد رأى صلاح سلطان ،ولكن يؤكد ضرورة مواجهة هذه الأفكار بالفكر وبالكتابة/يقصد أفكار محفوظ فى رواية أولاد حارتنا، ويبدو أنه منذ هذه النقطة ومنذ تلك المرحلة وقد اختلفت تمامًا طريقة تعامل الإخوان مع نجيب محفوظ فقرروا أن يكونوا هم المتعاملين معه ومع كتابته وإبداعه وأن يستحوذوا على النسبة الأكبر مما يصدر عنه من نقد، يريدون أن يصدروه للمجتمع بفهمهم وعقولهم وعبر تصوراتهم وأفكارهم، حتى لو كان هناك حديث عن براعة وعن جماليات فالأفضل من وجهة نظرهم أن يكون ذلك أيضًا عبر رؤيتهم وتصوراتهم، فهم المحدد لما يكون جميلًا فى إبداع محفوظ ما لا يكون كذلك، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن يروا فى تجسيد العلاقات الإنسانية بواقعية وتفصيل شيئًا جميلًا، وقد تنحسر رؤيتهم للجمال عنده فى بعض القشور مثل بعض التراكيب أو الصور البلاغية أو تصويره لبعض الطبقات الفقيرة ،أو تناوله لتحولات السلطة ،أو فكرة الديمقراطية ،أو إدانته أحيانًا لبعض مظاهر الاشتراكية والإلحاد. 

المهم بالنسبة لهم هو ألا يصل إبداع نجيب محفوظ للناس إلا عبر فلتر العقل الإخواني، وفى الحقيقة هو ليس فلترًا واقيًا أو يحصن بل هو بالأساس موزع سينشر السم ويدسه فى العسل المحفوظى ويسمم هذا التراث الإنسانى الثري، يعمل الإخوان على الانتقاء والإخفاء والتركيز على أشياء بعينها فى إبداع نجيب محفوظ حين يتعاملون معه بالنقد والدراسات الأكاديمية أو المقالات فى الصحف، والحقيقة أن لدى أمثلة كثيرة تابعتها فى بعض هذه الكتابات وأريد أن أعرض لها بالتفصيل وأبين خطورتها من وجهة نظري، لأن النقد يوجه وعى المتلقى ويقوده فى أدغال غابة العمل الأدبى وبخاصة إذا ما كان المتلقى أو القارئ فى هذا العمل الأدبى حديث العهد مثل بعض الفئات من الشباب، وبخاصة كذلك إذا ما كان هذا العمل الأدبى ثريًا مثل أعمال محفوظ ويتحمل تأويلات عديدة ويتسم بطابع بلورى ويمكن رؤيته عبر عديد الزوايا ووجهات النظر. 

ولعل فكرة الانتقاء تذكرنا ببعض ممارسات النشر التشويهى مع أعمال نجيب محفوظ حين أقدمت دار نشر على تشويه بعض أعماله بداعى تبسطيها وحذفت منه أشياء رأت أنها تخدش الحياء أو أنها لا يصح عرضها على فئات من الشباب والقراء صغار السن، وهكذا مارسوا الوصاية والحذف ومنحوا لأنفسهم حق التصرف فى إبداع أدبى إنسانى فذ حاز إعجاب العالم ولكنهم يرون أمرًا آخر، ويتسللون نحوه بممارسات يشرعونها بمنطقهم ومبرراتهم وأبواقهم الكثيرة. والطريف مثلًا أن الدكتور صلاح سلطان كان قد خصص فصلًا فى كتابه النقدى المزعوم يتحدث فيه عن بذاءات نجيب محفوظ من وجهة نظره، وعنون هذا الفصل بقاموس البذاءات، وبالطبع قرأ هذا الكتاب آلاف من خريجى كلية دار العلوم الذين درس لهم سلطان، فضلا عن غيرهم من الأعضاء المنتمين للجماعة أو محبيها الذين سمعوا بهذا الكتاب وليس لهم أدنى علاقة بالإبداع الأدبى عمومًا أو بنجيب محفوظ بشكل خاص.  إن استراتيجيات الجماعة للاستحواذ على الرموز وخططهم وأهدافهم من هذا تحتاج إلى المزيد من المتابعة والتدقيق وتحتاج للاقتراب بدرجة أكبر من كتب بعينها، ليست مجرد وجهات نظر أو قراءات مغايرة حتى وإن كانت محدودة فيمكن أن نتفق أو نختلف معها، بل هى فى الحقيقة قراءات وكتب ودراسات جزء من خطة وجزء من منهج إخوانى محسوب، ولعل أقل خطرا هو محاصرة نجيب محفوظ فى دائرة الاتهام طوال الوقت أو الاكتفاء بفكرة هل هو خارج عن الإجماع المصرى ومتمرد على المجتمع وثوابته أم أنه كان يعمل فى إطار المجتمع وأن الإبداع له فضاءاته الخاصة وأن المبدع دائما ما يكون سباقًا وطليعيًا. 

وقريب من هذه الفكرة ما يمارسه بعض الإخوان كذلك مع طه حسين فى كتب جديدة لهم من الانغلاق فى دائرة التساؤل عن مقدار تدينه وعلامات أو إشارات تدل على إيمانه وحرصه على الإسلام، وبدلا من أن ننشغل بميراث الرجل الفكرى ونعمل فى إطار أسئلته العملية ونترسم حدود منهجه الفلسفى والفكرى والتنويري، نظل جامدين فى مربع الترافع والدفاع عن إيمانه وتدينه. فهل هذا هو منتهى الجدل العلمى الذى يمكن أن يثار حول تراث رموز من الطبقة العالمية فى الإبداع الأدبى والإنساني؟ أم أنه المستنقع الذى تحاول أن تجرنا الرجعية والتنظيم ورجاله إليه، هل يمكن أن نرضى بهذا الاختطاف أم أن نكشفه ونبين خطورة أن يحيط التافهون من الإخوان بهذه الكواكب المضيئة، ورغبتهم فى إظلام عالم دعم لمشروعهم ومخططهم الخبيث. والحقيقة أنه موضوع يحتاج إلى تفصيل أكبر وتناول أكثر تدقيقًا وتمعنًا فى نماذج محددة من هذه الأعمال والكتب والدراسات الإخوانية التى تحاول اختطاف رمزنا الأدبى والثقافى الضخم.