الجمعة 6 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كيف كانت المناهج الدراسية ومراحل التعليم عند المصريين القدماء ؟

المصريون القدماء من أوائل الشعوب التى أولت اهتمامًا كبيرًا بالتعليم والمعرفة، إذ اعتبروا التعليم ركيزة أساسية لتقدم المجتمع وازدهاره، وكانت المعرفة مقدسة فى نظرهم، فقد ارتبطت بالآلهة والحكمة الإلهية، ما يثير تساؤلات كثيرة حول شكل التعليم والمواد الدراسية لدى المصريين القدماء، وأشهر الجامعات المصرية القديمة، ومراحل التعليم ومسمى كل مرحلة.



الدكتور محمود حامد الحصري، مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة الوادى الجديد، قال: التعليم فى البيت كان أكثر أنواع التعليم شيوعًا، فالآباء كانوا يعلمون أبناءهم العناصر الأساسية لمهنتهم، وكانت المدارس تسهم فى الحفاظ على الثقافة المصرية القديمة وتعليم الأجيال الجديدة، ما ساعد على استمرارية المعرفة، فالمدارس كانت من أهم المؤسسات التى أسهمت فى تشكيل الثقافة والمعرفة فى مصر القديمة، وقد أثر التعليم بشكل كبير على الحياة اليومية والتطور الاجتماعى فى الحضارة المصرية القديمة.

بيت الكتابة

وتابع: الملوك عهدوا تعليم أبنائهم وبناتهم الذين من الدم الملكى إلى مؤدبين مختصين، وأرسل الصناع والموظفون أولادهم ليتتلمذوا على يد الأساتذة، ثم جاءت المرحلة الثانية عندما جُمع عدد من التلاميذ تحت إمرة أستاذ واحد، وأرسلت عائلات النبلاء أولادها ليتعلموا فى فصول مع أطفال الملوك، وكان للمصالح وإدارات الحكومة مدارسها الخاصة، كما طبق هذا النظام فى المعابد.

وعن أنواع المدارس والمناهج الدراسية فى مصر القديمة، قال الحصري: كانت المدرسة تُعرف عادةً باسم “بر عنخ” أى “بيت الحياة” أو “بيت الكتابة”، حيث كانت تُدرس فيه مختلف العلوم والمعارف، وكانت هذه المؤسسات تُعنى بتعليم الفتيان من الطبقات العليا أساسيات الكتابة والقراءة والرياضيات، بالإضافة إلى التعليم الدينى والفلسفي.

وأضاف: كانت المناهج الدراسية فى المدارس المصرية القديمة عدة مواد، منها الكتابة الهيروغليفية لتعليم الطلاب كيفية استخدام الرموز الهيروغليفية لكتابة النصوص، والرياضيات حيث تدريس الأساسيات مثل الحساب والقياسات، والتاريخ لدراسة الأحداث التاريخية وأصول الحضارة المصرية، والأدب لقراءة ودراسة النصوص الأدبية والدينية، والطب للمعرفة الأساسية عن الطب والأعشاب الطبية، والفلسفة لفهم الأفكار الفلسفية والدينية فى المجتمع، والفنون لتعليم الفنون التشكيلية والموسيقى، وكان يُعتبر تعليم اللغة والكتابة أمرًا أساسيًا لخدمة الدولة فى المناصب الإدارية والدينية، حيث تشير الوثائق إلى أن المصادر التعليمية كانت تتضمن النصوص الدينية والأدبية، حيث كان يتم تحفيظ الطلاب هذه النصوص واستخدامها فى التعلم.

وفيما يتعلق بمراحل التعليم فى مصر القديمة، قال الحصري: كان التلميذ فى مصر القديمة يسمى “سبعتي” sbaty، وكانت هناك 3 مراحل رئيسية للتعليم، المرحلة الأولى فى التعليم تعنى بتعليم الطفل القراءة والكتابة والحساب، وكانت هذه المرحلة ليصبح كاتبًا صغيرًا أو ليلتحق بالعمل لدى أحد الأغنياء، والمرحلة الثانية من التعليم تعرف باسم “عت-سبا” أى دار التعليم ويقصد بها المدرسة أو قاعدة الدرس، وبعض تلك المدارس كانت ملحقة بالمعابد، وكانت الدراسة بها تستمر طوال اليوم وتتخللها فسحة طويلة تسمح بتناول الطعام واللعب فى المنطقة المحيطة بالمدرسة، والمرحلة الثالثة تم الاهتمام فيها بتعليم الطالب لإعداده للناحية العملية لكى يتقن وظيفة معينة، وكان يُعهد بهذه إلى دواوين الحكومة.

جامعة هليوبوليس

وأكد الحصرى أنه كان فى مصر القديمة عدد من أشهر الجامعات والمراكز التعليمية، حيث عرفت بداية ظهور المدارس أو “بيت الحياة” فى مصر القديمة خلال الدولة الوسطى، وكان الذكور أكثر حظًا من الإناث فى التعليم، إذ لم تذهب الإناث للمدارس، إلا أن الأمر لم يخل من وجود بعض الإناث اللاتى عرفن القراءة والكتابة وشاركن فى الثقافة، حيث توجد وثائق تشير إلى مراسلات بين إناث من الطبقة المتوسطة، وذكرت المصادر اليونانية والمصادر المصرية القديمة العديد من المراكز الثقافية المصرية، هذا إلى جانب إشادتها بمكتباتها التى كانت تحوى ذخائر ونفائس المخطوطات، كما ظلت مصر لدى معظم من زارها أو من كتب عنها من الكتاب الإغريق مهد الحضارة والرقى الإنساني، فقد ذكرها “هوميروس” فى ملحمته الرائعة الأوديسا بأنها بلد الأطباء أحكم أهل العالم، وكانت هناك العديد والعديد من المراكز التعليمية فى مصر القديمة.. وقد تركزت المدارس فى مناطق عين شمس ومنف وطيبة، وكانت أهم المدارس هى البيت “المنزل”، لذا حرص الآباء على تلقين أبنائهم خلاصة تجاربهم وخبراتهم، وكان الطفل يذهب إلى المدرسة وهو فى حوالى العاشرة من عمره ويبقى فيها 4 سنوات تقريبًا، وهذا وفقًا لما ذكره “باك إن خنسو” على جدران قبره، وكان النظام المدرسى طويلًا إذ غالبًا ما تنتهى الدراسة فى منتصف النهار، وكان المعتاد أن تذهب الأم بطعام ولدها إلى المدرسة، ومن أشهر الجامعات المصرية القديمة كانت فى مدينة طيبة، وكانت فى معبد الكرنك الذى كان مركزًا لدراسة الدين والفلك والطب والهندسة، ومدينة هليوبوليس التى كان بها معبد عظيم للشمس كان مركزًا للدراسات الدينية والفلكية، ومدينة منف وكانت تضم مدرسة للطب والهندسة المعمارية والفنون الجميلة، ومدينة أخميم التى كانت تشتهر بمعاهد الكتابة والفنون والآداب.

التعليم الفني

الدكتور ممدوح فاروق، مدير متحف إيمحتب، قال: إن مصر القديمة عرفت التعليم الفنى والمهني، حيث طوع الإنسان المصرى موارد الطبيعة ليشكل هويته كصانع محترف ثم كمعلم، وكانت بداية تعليم الأطفال من سن ٥ حتى 12 عامًا فى مدرسة «بر عنخ» أو «عت سبا»، مشيرًا إلى أن الصغار كانوا يكتسبون المهارة من الكبار سواء الوالدين أو الأقارب، وكانت الكتابة أهم مهنة حث عليها المصرى القديم لتعلمها للتغلب على الحواجز الإجتماعية “تعاليم خيتي”.

وتابع فاروق: كان التعليم المهنى الشاق يختص غالبًا بالذكور، أما الإناث تم تعليمهن النسيج، الإنشاد الدينى والرقص، وكان تعليم الأطفال يتم أحيانًا فى المنازل، حيث اعتمد التعليم على النسخ والحفظ وتعلم الرياضيات والجغرافية، وذلك داخل المؤسسات التعليمية فى القصور والمعابد، وكانت المدن العمالية مثل دير المدينة والكاهون يهتمون بتعليم الصغار والكبار للمشاركة فى المشاريع القومية.. وأشار مدير متحف إيمحتب إلى أن المصادر الرئيسة للتعرف على نظام التعليم الفنى فى مصر القديمة هى الأوستراكا “قطع الفخار” ومناظر الحرف والصناعات والحكم والتعاليم فى الأدب المصرى القديم، حيث كانت الورش الفنية هى مدارس لتعلم الحرف وتوارثها عبر الأجيال، وكان الصبى الذى كان يتعلم الحرفة يأخذ لقب «غرى عا»، وقد انتشرت فكرة المعلم أو الأب لتعليم الصغار، وكان يأخذ لقب «نب» السيد/«إيت» الأب.

الآداب والنصائح

ويعد الأستاذ الدكتور عبدالعزيز صالح، عالم الآثار الراحل، من أبرز العلماء الذين تناولوا موضوع التربية والتعليم والمدارس فى مصر القديمة، وخصص لذلك كتاب صدر منذ عدة سنوات عن هيئة الكتاب، الذى كشف عن كثير من الجوانب المهمة فيما يتعلق بالتعليم لدى المصريين القدماء وأهمية التعليم فى حياتهم، حيث كان التعلم والدراسة سبيلًا لتحقيق مكانة مرموقة وسعادة للمتعلم، وقد كان للأسرة دور كبير فى تعليم أبنائهم من خلال الآداب والتعاليم والنصائح، هذا بخلاف المدارس التى كانوا يتلقون فيها التعليم على يد معلمين، وكانت المناهج تتنوع ما بين اللغة المصرية القديمة والتاريخ والرياضيات والآداب وغيرها.

أيضا الدكتور سعيد إسماعيل علي، أستاذ فلسفة التربية والسياسات التعليمية بجامعة عين شمس، قام بدراسات متعمقة فيما يتعلق بالتعليم ومكوناته فى الحضارة المصرية القديمة، حيث تناولها بشكل علمى وتاريخى دقيق فى أحد كتبه، وأكد فيه اعتبار المصرى القديم العلم والتعليم مقياسًا لحضاراته وسط الحضارات الأخرى، ما جعله يقوم بتعليم صغاره منذ حداثتهم، وذلك حسب ما كان متوفرًا من مناهج ومواد تعليمية فى ذلك الحين، حيث اكتشف المصرى القديم أهمية التعليم وقيمته كمؤشر على التقدم والرقي، ما دفع المصرى القديم لإنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية المتنوعة، التى كانت تتوفر بها أدوات الكتابة والتعليم المختلفة.

وكشف إسماعيل عن 3 مراحل للتعليم فى مصر القديمة، وتبدأ بالتعليم العام من سن 4 - 10 أعوام، ومن سن 10 : 15 أعوام تكون المرحلة الثانية وهى النسخ، أما المرحلة الثالثة والأخيرة تبدأ بعد سن 15 سنة وهى مرحلة التعليم العالى وتتضمن عدة علوم ومعارف، موضحًا أن المناهج التعليمية اختلفت حسب كل مرحلة دراسية، حيث يتعلم الطفل فى البداية اللغة وكيفية نطقها وكتابتها، ثم فى مرحلة تالية يتم تدريبه على ممارسة اللغة وكتابتها وتعلم معلومات من بعض العلوم بشكل مبسط، وفى آخر مرحلة تعليمية يتلقى الطالب تعاليم دينية ومهنية وعلوم مثل الطب والرياضيات والفلك، وكانت هناك مدارس مثل قصور كبار القوم والملوك لتعليم أبنائهم، ثم تطور الأمر لإنشاء مدارس عامة ومهنية، كما تم إنشاء بعض المدارس العسكرية لتعليم الطلاب فنون الحرب والقتال، هذا غير المدارس الدينية التى كانت ملحقة بالمعابد.