معركة الرصاصة والقلم
مراسلون على خط النار
مروة مظلوم
“سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة فى فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء” لهث التاريخ ليسجل فى أحد عشر يومًا آلاف البطولات ليمحى بدماء أصحابها مرارة الهزيمة وحلاوة النصر وآماله كما قالها السادات فى خطابه الذى ألقاه فى افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب بعد الحرب، ووقفت الدنيا تسمع للمرة الأولى كلمة مصر على لسان قائدها بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات.
الحقيقة أن مشاعل البطولة لم يحملها جنود القوات المسلحة فحسب وإنما حملتها أم ثكلى وأطفال يتامى وأرض أحرقتها نار العدوان وحملها صاحب قلم حر خرج إلى أرض المعركة يحمل روحه وسلاحه وقلمه إعلاءً لكلمة الحق.. المراسل الحربى جندى مجهول على الجبهة وعين الأمة والتاريخ على الأحداث ترصد وتنقل وتسجل تاريخًا لولاهم لما وصلنا منه شيء..
محمد عبد المنعم
يأتى على رأس هؤلاء الأبطال جنرال الصحافة محمد عبد المنعم المحرر العسكرى للأهرام وقتها ورئيس تحرير مؤسسة روزاليوسف الصحفية الأسبق والذى شارك فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر بالسيف والقلم معًا، فكان ضابطًا بالقوات الجوية والدفاع الجوى واستدعى للعمليات برتبة رائد، فكان يخدم كضابط بين صفــوف المقاتلين وفى الوقت نفسه يسجل بقلمه كصحفى ما يجرى من معارك.. فكان تسجيلًا واقعيًا ودورًا مشرفًا لم يتح لأحد غيره.
وفى خطة خداع العدو قبل حرب أكتوبر لم تجد القيادة العامة غيره لإشراكه فى خطة الـخداع بخبر ينشر فى الأهرام عن سماح وزارة الدفاع بسفر الضباط لإجراء العمرة، فكانت القيادة تعلم أنه ضابط وملتزم، ونشر الخبر دون جلجلة وتفاخر وابتلعته مخابرات العدو.
صلاح قبضايا
أما ما أورده صلاح قبضايا عميد المراسلين الحربيين فى مذكراته وكتاب “الساعة 1405.. الحرب الرابعة على الجبهة المصرية” أول كتاب عن حرب أكتوبر فهو إلى يومنا هذا من أهم المراجع التى رصدت أحداث الحرب وواقعها من أرض المعركة وما قام بتغطيته قبضايا أثناء معركة العبور، حيث رصد فيه ما عايشه، وهو ما يوضح تزييف وادعاءات إسرائيلية تظهر فى كل احتفالية بذكرى السادس من أكتوبر، فيما قالوا عنها: إن الحرب بدأت فى 6 أكتوبر 1973 واستمرت حتى يوم 24 من نفس الشهر، فى حين أشار قبضايا إلى أن البيانات العسكرية توقفت بعد يوم 24 أكتوبر، إلا أن القتال لم يتوقف. وأكد قبضايا فى كتابه أن الاشتباكات والمعارك استمرت بصورة متواصلة لمدة 83 يوميًا، من 86 يومًا هى الفترة بين 24 أكتوبر وحتى اتفاقية الفصل بين القوات فى 18 يناير عام 1974، لم يتوقف القتال فيها سوى 3 أيام، أسماها بـ”القتال الصامت”، مشيرًا إلى أن هذا القتال كان مليئًا بالأحداث التى لم تذع تفاصيلها نتيجة توقف البيانات العسكرية، وليس لكونها معارك صغيرة كما يتصور البعض.
عبده مباشر
كما شارك عبده مباشر من الأهرام فى العمليات خلف خطوط الــعدو بسيناء مع وحدات الــكوماندوز المصرية بقيادة ابراهيم الرفاعى. وكان بذلك المدنــى والصحفى الوحيد الذى تطوع للقيام بهذا الدور الوطنى، بدأت رحلته بالتطوع فى كتائب الفدائيين عام 1951 وانضم لقوات الحرس الوطنى والمقاومة الشعبية بعد نكسة 1967، رغم أنه مدنى لكن تاريخه الطويل فى العمل التطوعى والمقاومة الشعبية أهّله للالتحاق بالمجموعة 39 قتال التى كانت مهمتها القتال خلف خطوط العدو فى سيناء ، ولذلك منحه الرئيس الراحل أنور السادات نوط الشجاعة من الطبقة الأولى لتعدد أعمال الهجوم على العدو وأسر العديد من أفراده فى ميدان القتال، كما أمر بمنحه رتبة عسكرية فخرية، ليكون بذلك أول مدنى يحصل على هذه الرتبة بقرار جمهورى.
حمدى الكنيسى
أما عن مراسل الإذاعة المصرية على الجبهة أثناء حرب أكتوبر 1973 حمدى الكنيسى فكان يتواجد على الجبهة يوميًا ثم يعود للقاهرة لتسجيل ومونتاج برنامجيه اللذين كان يقدمهما وهما، يوميات مراسل حربى وصوت المعركة، ثم يعود مجددًا للجبهة صباح اليوم التالى، مشيدًا بالروح القتالية لضباط وجنود قواتنا المسلحة التى ظهرت على ساحة المعركة وقت الحرب.
برنامجه صوت المعركة كان ذا صدى واسع داخل أرجاء إسرائيل، إذ كان يتابعه الإسرائيليون الذين يتحدثون اللغة العربية، وكذلك كان ذائع الصيت بين الفلسطينيين، وعقب ذلك أخبر أحد رجال المخابرات الرئيس الراحل أنور السادات بعد الحرب بأن إسرائيل شكلت لجنة لبحث أسباب هزيمة الجيش الإسرائيلى وبحث أسباب انتشار برنامج «صوت المعركة» بين الإسرائيليين المتحدثين باللغة العربية.