السبت 8 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصص مؤلمة لزوجات هربن من الفخ

التحليل النفسى لضحايا «الإدمان»

لا يدفع من يسير بقدميه للسقوط فى بئر الأدمان ثمن أخطائه بمفرده، بل يدمر حياته وحياة المحيطين به من أسرة وزوجة وأبناء، ويجعل حياة والديه جحيمًا إذا كان فى سن الشباب.



 العزلة، الاكتئاب، تغيير الأصدقاء، العزوف عن التجمعات العائلية، التكاسل عن العمل، اللهث الشديد وراء المال، والعنف الأسرى، جميعها علامات تنذر بالخطر.

الكثير من الزوجات وجدن أنفسهن ضحايا لمدمنين رفضوا تسريحهن بإحسان، ما اضطرهن إلى اللجوء إلى محكمة الأسرة لإنهاء معاناتهن مع رجال فقدوا السيطرة على أنفسهم.

ضحايا الإدمان

بدموع منهمرة، بدأت رحمة حديثها عن الحياة المأساوية التى عاشتها فى كنف المدمن. 

قالت إنها تنتمى إلى أسرة فقيرة، هدفها تزويجها للتخلص من عبء نفقاتها.

 وبمجرد أن تقدم لها “سعيد. ن”، وافق الأهل دون التأكد من كونه زوجًا مناسبًا أم لا، ولكنهم انجذبوا لكونه صنايعيًّا ولديه دخل، ولن يُثقل كاهلهم بمزيد من النفقات.

وتابعت: “كان يأتى كل ليلة ومعه المخدر (المزاج)، ولأننى لا أستطيع الطلاق والعودة إلى نار أهلى، تحملت العيش معه، وأنجبت منه أربعة أطفال، اثنان منهم توأمان. 

ومع مرور الوقت، ازداد تعاطيه وتنوعه، وعجز عن الإنفاق، مما اضطرنى للبحث عن عمل لتوفير نفقات الأولاد. 

وعندما زاد العبء عليّ وأصبحت أنا العائل الوحيد، طلبت الطلاق منه ولكنه رفض”.

الحالة المزاجية

وأضافت: “كان دائم الاعتداء علينا بالضرب، حتى كاد يقتل أحد أطفالى. فهربت مع أولادى، ولجأت إلى المحكمة لطلب الطلاق للضرر”.

«مراية الحب عامية»، هذا ما بدأت به «مى. ص» حديثها، مؤكدة أن زواجها من مدمن تم بمحض إرادتها، مشيرة إلى أن ارتباطًا عاطفيًا كان يجمع بينهما، ما جعلها تصدق كلام طليقها المعسول وتسقط فى شباكه.

وتابعت: علمت أنه يتعاطى مخدر الحشيش، وعندما اعترضت وأبلغته أننا لن نكمل المشوار معًا، أوهمنى بأنه ليس مخدرًا ولا يمثل خطورة على متعاطيه، وأنه فقط لتحسين الحالة المزاجية بسبب ضغوط الحياة، وأنه لا يتعاطاه بصفة مستمرة.

وأردفت: صغر سنى فى ذلك الوقت، وقلة خبرتئ، وعدم تحكيمى للعقل، جعلنى أعتقد أننى أستطيع إبعاده عن المخدر.

لكن الكارثة أننى كنت على أعتاب الإدمان، بعد أن عرض علىّ تجربته لأشعر بالسعادة”.

واصلت حديثها قائلة: أخذت منه وخضت التجربة، لكن فى وقتها فقدت جنيني، وقررت وقتها الابتعاد نهائيًا. 

ومن ثم نشبت بيننا الخلافات والمشاجرات، التى انتهت بالطلاق للضرر داخل محكمة الأسرة.

الطب النفسى

قال الدكتور جمال عبدالعظيم، استشارى الطب النفسى ومدير مستشفى العباسية سابقًا، إن المدمن قابل للتعافى، ولكن قد يعود للتعاطى بسبب ضغوط الحياة.

وأوضح أن هناك برنامجًا علاجيًا وتأهيليًا للمدمن يُسمى «الـ12 خطوة»، تم استحداث نسخة عربية منه. 

يطبق هذا البرنامج أول ثلاث خطوات أساسية، وهي: الوقوف على قدميه، الاعتراف بالخطأ فى حق نفسه والآخرين، وتكوين إرادة تمنعه من العودة إلى التعاطى مرة أخرى.

وتابع: نحاول بقدر الإمكان إعادة تأهيل المدمن ليتمكن من الانخراط فى الحياة الاجتماعية من جديد. 

كما يُكتب فى تقرير خروجه من المصحة أنه كان يتلقى علاجًا للاكتئاب وليس للإدمان، وذلك لحمايته من التمييز فى العمل وحتى لا يتحول من متعاطٍ إلى مدمن وموزع (ديلر).

وشدد الدكتور عبدالعظيم على ضرورة فرض رقابة صارمة على العقاقير المهدئة والمنومة من قبل الجهات المختصة، نظرًا لأنها تمثل أسهل وأول باب للإدمان، وعلى رأسها عقار متداول وسيئ السمعة يُوصَل للمنازل «ديليفرى»، ويُصرف دون وصفة طبية أو روشتة، مثل عقار «كالم. ن».

وأضاف: الطلاق يصبح حتميًا مع المدمن لأنه يفقد العقل، فى بداية الأمر قد يزيد الإدمان من القوة الجنسية، ولكن سرعان ما تتدهور صحة المدمن الجسدية”.

أنواع الشخصيات المدمنة

من جانبه، أوضح الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان، أن هناك أربعة أنواع من الشخصيات المدمنة لا تصلح للزواج، نظرًا لمعاناتها من أمراض نفسية واكتئاب قادتها نحو التعاطى.

وأشار إلى أن هذه الشخصيات هي: الشخصية المكتئبة، الشخصية السيكوباتية، الشخصية الاعتمادية، والشخصية ذات الحدية العالية.

 وأكد أن الشخصية السيكوباتية تأتى فى مقدمة هذه الأنواع من حيث الخطورة، وتعد الأكثر صعوبة فى التعافى، حيث تبلغ نسبتها 4% فقط من الحالات.

وأكد الدكتور فرويز أن ما يُشاع حول أن مخدر الحشيش ليس خطيرًا ولا يحوّل متعاطيه إلى مدمن هو اعتقاد خاطئ، مشيرًا إلى أنه أحد أخطر المواد المخدرة. إذ يدمر الحشيش الخلايا العصبية لمتعاطيه، ويزيد من حدة اضطراباتهم النفسية، مما يؤدى فى النهاية إلى انهيار حياتهم وتدميرها.

مبرر للطلاق

وأكدت الدكتورة ثريا عبدالجواد، أستاذ علم النفس، أن الإدمان مبرر قوى للطلاق، موضحة أن هذه الظاهرة ازدادت فى الفترة الأخيرة.. وتابعت: «حالات الطلاق بسبب الإدمان ليست مقتصرة على الطبقة الفقيرة، بل تحدث فى الأوساط الثرية وحاملى المؤهلات العليا. 

وفى بعض الأحيان، يدلس الأهل على الزوجة ويخفون عنها حقيقة إدمان نجلهم، وهذا غش وتدليس. يعتقد الأهل أن ابنهم المتعاطى سيصلحه الزواج، ولكن هذا غير صحيح».

علماء الاجتماع

قالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن الإدمان سبب رئيسى فى كثير من الجرائم المجتمعية. أما الطلاق من متعاطى المخدرات، فهو أمر ضروري، لأن المدمن عقله مغيب، ويتصرف بشكل جنونى يصعب السيطرة عليه.

واستكملت: «ارتفعت نسب الطلاق فى الفترة الأخيرة بسبب الإدمان، لأنه يلقى فى البداية على عاتق الزوجة كامل المسئولية، ويتسبب فى حالات عنف أسرى تنتهى بالتعدى على الأبناء بكل الصور، وقد يصل التعدى إلى القتل».

وأشارت إلى ضرورة تعامل الأهل مع مشكلة الابن المدمن، ومراقبته، ومساعدته فى تلقى العلاج والتعافى وفق بروتوكول طبي، بدلًا من دفعه للزواج للتخلص من مسئوليته، مما يؤدى إلى تدمير مستقبل فتاة فى مقتبل العمر.

صندوق مكافحة الإدمان

قال الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان ومساعد وزير التضامن الاجتماعي، إن المواد المخدرة تسبب هلاوس وتصورات غير واقعية للمتعاطى، مما يزيد من احتمالية ارتكابه للجرائم، وعلى رأسها العنف الأسرى.

وأضاف أن هناك أنواعًا جديدة من الأقراص المُخلّقة والمصنعة تُكسب المدمن نوعًا من التخلى والبلادة، وتفقده الإحساس بالمسئولية، التى هى أساس الزواج، مما يؤدى إلى دمار الأسرة وطلب الزوجة للطلاق.

وتابع: لا يستطيع المدمن تكوين أسرة والارتباط بزوجة وأبناء فى حالة الإدمان النشط. ولكن العلاج والتعافى أولًا، ثم قوة إرادته ورفضه للعودة إلى التعاطي، هى ما تؤهله للعودة إلى حياة طبيعية.

القانون وحقوق الإنسان

أوضح المستشار محمد البدوي، رئيس الجمعية المصرية لحقوق الأحداث وحقوق الإنسان، أن الإدمان يسبب دمار الأسرة وتفككها. 

وأكد أن تعاطى المخدرات لا يقتصر على الأزواج فقط، بل هناك عدد كبير من الزوجات المدمنات اللاتى يتعاطين المخدرات.

وتابع: تنتشر هذه الحالات بين السيدات العاملات فى مجالات شاقة، من أبرزها العاملات فى المنازل، حيث يبدأ الأمر بتعاطى المسكنات ثم المهدئات، وصولًا إلى المواد المخدرة.

وأكد أنه فى مثل هذه الحالات، ينتهى الزواج عادة بتطليق الزوج لزوجته. وفى معظم الأحيان، لا تصل مثل هذه الحالات إلى التقاضى فى المحاكم.

واستكمل: تلجأ بعض الزوجات إلى المحاكم للخلاص من هذه الزيجة التى قد تهدد حياتهن وحياة أبنائهن. لكن كثيرات منهن يتحملن المسئولية بأنفسهن، ويهربن بعيدًا عن الزوج والمعارف.