قنـاع الإخـوان الجـديـد
محـاولـة فاشلة لاختراق السيـادة وأداة للضغط

أشرف ابوالريش ومحمود محرم ونهى حجازى ومحمد السيد
بين التأكيد على أنها امتداد طبيعى لممارسات الإخوان ومحاولة لاستخدام مأساة القطاع ذريعة لاختراق السيادة المصرية وأنها ليست سوى حلقة جديدة من مخطط خبيث يعود إلى أحداث يناير 2011، استهدف تفكيك الجيوش الوطنية وإسقاط الدول العربية.. هكذا رأى الخبراء «القافلة» التى حاولت اختراق الحدود المصرية..
وفى مشهد يعيد إلى الأذهان تكتيكات قديمة لطالما استخدمتها جماعة الإخوان الإرهابية، حذر خبراء من أن ما يُعرف بـ«قافلة الوعى» ليس إلا واجهة مموهة لتحركات الجماعة المحظورة، التى تسعى مجددًا إلى استغلال القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لتحقيق أهداف مشبوهة تستهدف أمن واستقرار الدولة المصرية.
وفى خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة والجهود الدولية المتفاوتة، تبرز قضية القوافل الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة كإحدى النقاط الساخنة التى تسلط الضوء على أبعاد إنسانية وسياسية وأمنية معقدة، فحسن النوايا لدى البعض لا ينفى أن هناك مؤامرة فى توقيتها رغم أن بعض المتواجدين فى تلك القوافل لديهم بالفعل نوايا طيبة لدعم غزة فى مواجهة ما تتعرض له من إبادة على يد الاحتلال الإسرائيلى، وهو ما أكده عدد من أساتذة القانون الدولى والخبراء فى شئون الحركات الإسلامية، أن مثل هذه الأمور هى استكمال للمخططات الخبيثة التى تستغل المشاعر الوطنية والأزمات الاقتصادية لتشويه مؤسسات الدولة وإثارة الفتنة.
قناع الإخوان الجديد
الخبير مختار نوح أكد لـ«روزاليوسف» أن «قافلة الوعى» ليست أكثر من امتداد طبيعى لممارسات الجماعة الإرهابية، التى طالما تاجرَت بالقضية الفلسطينية لجمع التبرعات وتوظيفها فى تنفيذ أجندات تضرب الدولة المصرية.
«محاولات مكشوفة» هكذا وصف «نوح» محاولات انتقاد الموقف المصرى من غزة، هدفها التشويش على الدور الوطنى والإنسانى الذى تلعبه القاهرة، مشددًا على أن هذه القوافل تُستخدم كأداة لإثارة الفوضى وزعزعة الثقة فى مؤسسات الدولة.
داعيًا إلى ضرورة اليقظة وعدم الانسياق وراء الشعارات الزائفة التى تهدف لتقويض استقرار الوطن فى وقت تمر فيه المنطقة بظروف دقيقة.
سيادة الدولة المصرية
مصر دولة ذات سيادة لا يجوز أن نقبل أن يدخلها أحد على اعتبار أنها دولة مستباحة.. بهذه الكلمات علق الشاعر والمفكر الدكتور علاء عبدالهادى الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ونقيب كتاب مصر، على محاولات اختراق الحدود المصرية تحت مزاعم «قافلة الصمود».
نقيب كتاب مصر قال فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» حول ما يتعلق بالأحداث الأخيرة بشأن «قافلة الصمود» التى كانت تريد الذهاب إلى مدينة رفح الحدودية لكسر حصار غزة كما قيل، إننا فى مصر لا نريد أن يزايد علينا أحد فى العالم، خصوصا فى القضية الفلسطينية ودعم غزة وشعبها منذ عشرات السنين، وحتى ما تعرضت له غزة بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
الأمين العام للكتاب العرب، لفت إلى أن مصر قدمت أكبر قوافل مساعدات إنسانية على مدار الأزمة للشعب الفلسطينى فى غزة، وهذا من منطلق الدور الرائد للدولة المصرية بضرورة دعم الأشقاء فى هذه المحنة. وأشار إلى أهمية احترام سيادة الدولة المصرية عندما تريد بعض الدول تقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عن طريق المعابر والبوابات الرسمية لدخول تلك المساعدات.
وشدد الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب على ضرورة حماية الأمن القومى المصرى فى ظل الأحداث العصيبة التى تمر بها المنطقة، وأن حماية أمننا القومى فوق كل اعتبار، وأن السيادة المصرية لا يمكن أن تتم انتهاكها من قبل مجموعة من الأشخاص دخلوا البلاد على سبيل السياحة وزيارة معالم الدولة المصرية، ويتضح بعد ذلك أنهم ذاهبون إلى الحدود المصرية الملتهبة فى هذا التوقيت دون إذن من الجهات المختصة.
وأكد عبدالهادى أن مصر دولة مؤسسات وقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية فى بيان رسمى للعالم، أن زيارة المناطق الحدودية تخضع إلى اعتبارات تتعلق بالأمن القومى، ولا يجوز لأحد أن يذهب إليها من نفسه ضاربا بقواعد ولوائح الدولة المصرية عرض الحائط.
وقال نقيب كتاب مصر إنه تابع عن قرب كل ما نشر عن قافلة الصمود، والتى تضم أكثر من ٣٠ جنسية من كل أنحاء العالم، ووصل إلى نتيجة بأن هناك سوء تقدير وعدم إخلاص النوايا لهذه القافلة التى تريد تحقيق مصالح أخرى بعيدة عن مساعدات أهل غزة، إضافة إلى وقوع أضرار تتعلق بالأمن القومى المصرى.
جزء من مخطط منذ 2011
أما طارق البشبي شى، خبير شئون الحركات الإسلامية، فرأى أن «قافلة الصمود» ليست سوى حلقة جديدة من مخطط خبيث يعود إلى أحداث 25 يناير 2011، وكان يستهدف تفكيك الجيوش الوطنية وإسقاط الدول العربية.
يرى «البشبيشى» أن مصر نجَت من مصير مؤلم سقطت فيه دول أخرى، ما دفع أعداءها إلى تصعيد حملاتهم بأساليب جديدة، تستغل المشاعر الوطنية والأزمات الاقتصادية لتشويه مؤسسات الدولة وإثارة الفتنة. بينما الجماعة الإرهابية، التى أوغلت فى استهداف الدولة خلال فترة حكمها القصير فى 2012، وطّنت الإرهاب فى سيناء، والآن تطور أدواتها لضرب استقرار الدولة، لكن وعى المصريين وإدراكهم لخطورة هذه التحركات يمثل درعًا صلبة تحبط تلك المحاولات.
مخطط يائس
من جانبه، وصف هشام النجار، خبير شئون الحركات الإسلامية، القافلة بأنها «مخطط يائس» من جماعة فقدت أدواتها، وتحاول العودة للمشهد باستغلال القضية الفلسطينية كغطاء.
الهدف الحقيقى- على حد وصفه- كان استعراضًا إعلاميًا لإحراج الدولة المصرية وخلق قلاقل أمنية، بل وربما تنفيذ مخططات أكثر خطورة.
النجار أكد أن هذه التحركات لم تخدع أحدًا، فالشعب المصرى وأجهزته كانوا على درجة عالية من الوعى، وأدركوا أن ما يجرى لا يقدم أى دعم حقيقى لغزة، بل يسعى فقط لإثارة موجة فوضى تعيد الجماعة للمشهد بعد أن لفظها المجتمع المصرى.
ما وراء النوايا الحسنة
الدكتور محمد عبدالعظيم الشيمى، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة حلوان، أكد فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» أن هناك تصاعدًا ملحوظًا فى ظاهرة القوافل الإنسانية التى تسعى لتخفيف المعاناة عن المدنيين فى قطاع غزة، موضحًا أن هذه القوافل تنطلق من جهات مختلفة، سواء كانت تيارات أو جماعات، وتأتى بدافع كسر الحصار الجائر المفروض من قِبل الاحتلال الإسرائيلى، وما يتسبب فيه من كوارث إنسانية بحق الشعب الفلسطينى.
لكن خلف هذه الجهود الإنسانية، بحسب الشيمى، تكمن تعقيدات أخرى، فبعض هذه القوافل، كما يقول، لا تخلو من الخروقات، وتُستخدم أحيانًا كأدوات ضغط سياسى لتحقيق أهداف خارجية، سواء من قبل دول أو من قبل جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة.
ويشير إلى أن هذا التصاعد فى النشاط الإنسانى الموجه لغزة يتقاطع مع محاولات مستمرة من قِبل الاحتلال، وبدعم أمريكى، لفرض سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى مصر، وهو مشروع كارثى– كما وصفه– يُفقد القضية الفلسطينية جوهرها، ويهدد بإفراغ غزة من سكانها.
وفى هذا السياق، يؤكد الشيمى أن الضغوط المتزايدة تُمارس على الدولة المصرية، بصفتها الدولة العربية الأكبر الرافضة لهذا السيناريو، مشيرًا إلى أن بعض القوافل تحاول– ولو بشكل غير مباشر– خلق حالة من الفوضى على الحدود المشتركة مع القطاع، وهو ما تعتبره مصر تهديدًا لأمنها القومى.
وبرؤية واقعية للمشهد الإقليمى، حذر أستاذ العلوم السياسية من أن هناك محاولة لتعزيز الضغوط الدولية على القاهرة، وفرض أمر واقع بالقوة من خلال حالة الفوضى المُفتعلة.
كما كشف عن نشاط استخباراتى مكثف تمارسه الأجهزة الإسرائيلية خلال هذه المرحلة، ليس فقط داخل إيران، بل فى دول عربية متعددة، فى مسعى– وصفه بالخطير– يهدف إلى زعزعة الاستقرار الإقليمى ونشر الفوضى فى الشرق الأوسط.
وفى المقابل، يواجه هذا النشاط الاستخباراتى باستنفار أمنى واسع فى دول الجوار، تحسبًا لأى تهديدات قد تمس أمنها القومى، وفقًا لما أشار إليه الشيمى.
مصر ليست ملزمة
من جانبه، شدد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى، على أن مصر ليست ملزمة بالسماح بأنشطة غير منسقة تُنفذ على أراضيها، وأن الموقف المصرى واضح ويقوم على حماية الأمن القومى، وتنظيم دخول الزوار وفقًا للقواعد القانونية الدولية، فالجميع يتشارك الأمل ذاته، والهدف المشترك فى فك الحصار عن غزة ورفع الظلم عن أهلها، لكنه أشار فى الوقت نفسه إلى أن الحفاظ على أمن الدولة يبقى أولوية قصوى، على حد قوله.
مهران رحّب ببيان وزارة الخارجية المصرية بشأن الضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة، واصفًا إياه بأنه يعكس حكمة السياسة المصرية والتزامها بالقانون الدولى.
وشدد على أن الإجراءات التى اتخذتها مصر تمثل ضرورة استراتيجية لضمان سلامة الزوار وحماية الأمن القومى.
مهران يرى أن البيان المصرى يُجسد بوضوح التوازن الدقيق الذى تنتهجه الدولة، فهى متمسكة بدعم حقوق الشعب الفلسطينى، وفى الوقت ذاته حريصة على أمنها واستقرارها، مؤكدًا أن هذا الموقف يعكس رؤية مصر العميقة لتعقيدات الأزمة وحدود التعامل معها قانونيًا وأمنيًا.
تزييف الحقائق
الدكتور طارق البرديسى، أستاذ القانون الدولى، وصف «قافلة تزييف الوعى» بأنها تمثل تحولًا خطيرًا فى طبيعة المعركة، حيث يتم تزييف الحقائق وتوجيه الأنظار بعيدًا عن الجانى الحقيقى– الاحتلال الإسرائيلى– صوب أطراف داعمة مثل مصر، ولفت إلى أن الدولة المصرية تقف سدًّا منيعًا فى وجه محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتؤدى دورًا محوريًا فى الحفاظ على جوهرها.
البرديسى انتقد الأصوات التى تحدثت عن «نقل الغزاويين إلى سيناء»، واصفًا هذه المزاعم بأنها تزييف متعمد للواقع يهدف إلى إفراغ القضية من مضمونها، مشددًا على أن مصر تقف فى مواجهة هذه المحاولات، وتدعم بقاء الفلسطينيين على أراضيهم، خصوصًا فى قطاع غزة. السيادة الوطنية ليست فقط قضية أمن داخلى حسبما يؤكد البرديسى، بل هى أحد الضمانات الأساسية للحفاظ على الحقوق الفلسطينية، مشيرًا إلى أن مصر تاريخيًا كانت الداعم الرئيسى للقضية، ولا يستطيع أحد إنكار هذا الدور إلا إذا كان ينوى التلاعب بالحقائق.
دور مصر متجذّر
الدكتور محمد عطا الله، أستاذ القانون الدولى، أكد أن الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية يمتد إلى ما قبل عام 1948، وأن أى محاولات للتشكيك فى هذا الدور ما هى إلا محاولات بائسة من أطراف سياسية حاقدة ومعادية لمصر.
عطا الله أشار إلى أن الحروب التى خاضتها مصر ضد الكيان الصهيونى لم تكن لمصلحتها فقط، بل كانت من أجل تحرير الأراضى العربية وعلى رأسها فلسطين.
كما ذكّر بدور مصر فى قيادة تحركات سياسية دولية حاسمة، بدءًا من تبنى مشروعات قوانين إدانة الاستيطان، وصولًا إلى جهود الرئيس الراحل أنور السادات من خلال اتفاقية السلام التى كانت تنص على إقامة دولة فلسطينية، والتى أفشلها موقف الرئيس الراحل ياسر عرفات.
عطا الله كشف أن مصر تسهم بأكثر من 70% من المساعدات الطبية والإنسانية التى تصل إلى الشعب الفلسطينى، مؤكدًا أن الدعوات المتكررة لفتح معبر رفح بشكل دائم تكشف عن جهل سياسى بخطورة الوضع الأمنى، ورغم ذلك تستمر مصر فى استقبال الجرحى وتقديم العون الإنسانى.