الأحد 17 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ندوة جريدة روزاليوسف

خبراء يرسمون خارطة طريق مستقبل الاقتصاد المصرى

أعدها للنشر : 



نيفين صبرى

فتحى الضبع

سلوى عثمان

هيثم يونس

شارك بها

رضا داوود

ناهد إمام

ناهد سعد

تصوير:مايكل أسعد

 

استطاعت مصر بقيادة سياسية واعية، أن تقطع شوطًا كبيرًا خلال العقد الماضى نحو بناء اقتصاد متنوع وقوي، رغم ما شهده العالم من أزمات متلاحقة، بدءًا من تداعيات ثورتى 2011 و2013، مرورًا بجائحة كورونا وانهيار سلاسل الإمداد العالمية، وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ثم الحرب فى غزة.

تلك التحديات التى أطاحت باقتصادات كبرى، تحولت فى مصر إلى حافز لتسريع وتيرة الإصلاحات وتبنى مشروعات قومية غير مسبوقة.

وفى هذا السياق نظمت جريدة روزاليوسف ندوة جمعت نخبة من كبار الخبراء فى الاقتصاد والطاقة والزراعة والتحول الرقمي، استعرضت حصاد مصر خلال عقد كامل من الإنجازات، وخطواتها الثابتة نحو تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات العالمية بثقة واقتدار.

 

عبور التحديات

اجتازت الدولة المصرية مراحل عصيبة، خاصةً بعد التحديات التى أعقبت الثورات، إلا أن القيادة السياسية أدركت مبكرًا أن ملف الطاقة يمثل حجر الزاوية فى منظومة الأمن القومي، وذلك حسبما ذكرت الدكتورة وفاء علي، أستاذ الاقتصاد والطاقة. 

وأضافت أن الدولة سخّرت جميع إمكانياتها لتكون رائدةً إقليميًا فى هذا المجال، وتجاوزت العقبات التى كانت تعترض مسارها.

أستاذ الاقتصاد أوضحت أن مصر تمتلك جميع أنواع الطاقة، من المصادر التقليدية كالنفط والغاز، إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مشيرةً إلى أن استراتيجية الدولة فى هذا الملف قامت على ثلاثة محاور رئيسية: إدارة الطلب، تأمين الاستدامة، وضمان الإمدادات.

وكشفت أن مصر كانت تعانى من عجز بلغ 6050 ميجاوات، إلا أن ترتيب الأولويات والرؤية بعيدة المدى مكّنا الدولة من التحول إلى فائض، وهو ما وضعها على خريطة الاقتصاد الإقليمى والعالمي.

وأشارت إلى أن التحولات الجيو سياسية أثّرت فى مسارات التجارة الدولية، مستشهدةً بما يحدث فى سوريا وخط الغاز الممتد من أذربيجان مرورًا بسوريا وتركيا وقطر.

وأكدت أن مصر حققت الاكتفاء الذاتى من الغاز، وتمكنت من تشغيل جميع المحطات، قبل أن تواجه تراجعًا فى المخزون الطبيعى للآبار، الأمر الذى استدعى الاستيراد، وهو أمر طبيعى حتى فى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة.

وأضافت أن أحد أبرز التحديات الذى واجه قطاع الطاقة كان مديونيات الشركاء الأجانب، وهو ما نجحت الدولة فى حله عبر سداد مستحقاتهم، ما شجعهم على استئناف أعمالهم فى مصر.

طاقة متجددة.. وبنية تشريعية متطورة

وحول الرؤية المستقبلية لقطاع الطاقة، أوضحت أن الدولة تركز حاليًا على إعادة صياغة مستقبل الطاقة المتجددة، وهو ملف يتطلب ثلاثة عناصر أساسية: بنية تحتية متطورة، بنية تشريعية مواكبة، وإرادة سياسية قوية، مشيرةً إلى أن مصر تتميز فى العنصر الأخير على مستوى العالم العربى.

وكشفت أن مصر تمتلك مساحات شاسعة ومقومات طبيعية تؤهلها لريادة هذا القطاع، فضلًا عن مشروع محطة الضبعة النووية، الذى أدخل مصر نادى الطاقة النووية بطاقة إنتاجية تصل إلى 4800 ميجاوات، تُضاف إلى الشبكة القومية مع افتتاح المحطة الجديدة، مؤكدةً أن المحطة ليست مخصصة لتوليد الكهرباء فقط، بل ستُستخدم أيضًا فى مجالات الإشعاع، وتحليل الآثار، ودراسة الطبقات الرسوبية، وتحلية المياه.

كما لفتت إلى أن ملف الطاقة المتجددة يحظى باهتمام استراتيجي، حيث من المقرر، خلال العامين المقبلين، ربط 29 ميجاوات إضافية على الشبكة القومية.

شراكات واستثمارات وتوطين الصناعة

وأوضحت أستاذ الاقتصاد والطاقة أن الانخراط فى شراكات دولية يضمن نجاح قطاع الطاقة، مؤكدةً حاجة هذا القطاع إلى مزيد من الاستثمارات، وهو ما تدركه الدولة من خلال تقديم حوافز استثمارية متنوعة.

وشدّدت على أن توطين الصناعة أصبح هدفًا محوريًا، خاصةً فى مجال الطاقة، لما له من أثر اقتصادى إيجابى من خلال تشغيل الأيدى العاملة.

وتطرقت إلى ملف الهيدروجين الأخضر، واصفةً إياه بأنه من الملفات المعقدة التى تحتاج إلى إمكانيات ضخمة، مؤكدةً أن رؤية القيادة السياسية تمثلت فى تطوير البنية التحتية للغاز الطبيعى لتكون مؤهلةً مستقبلاً لتخزين الهيدروجين الأخضر.

 قطاع الزراعة.. والتغيرات المناخية

من جانبه لفت أيمن عبد المجيد، رئيس تحرير صحيفة روزاليوسف، إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها أثر مباشر على الاقتصاد العالمي، حيث قفزت أسعار الأقماح إلى مستويات غير مسبوقة، ما انعكس على زيادة فاتورة الاستيراد، وأثقل كاهل الميزانية المصرية.

وأشار إلى أن مساحة الأراضى الزراعية فى مصر كانت تُقدَّر بحوالى 9 ملايين فدان، إلا أن الزيادة السكانية وارتفاع الطلب على الغذاء فرضا التوسع فى الرقعة الزراعية. ووفقًا للخطة التنموية، تم رفع المستهدف بمعدل 5.9 ملايين فدان إضافية، فى خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائى وتقليل الاعتماد على الواردات.

وتساءل عبد المجيد: «ماذا تحقق فى قطاع الزراعة فى ظل هذه التحديات الكبرى، خاصةً مع تأثيرات التغير المناخى وتراجع نصيب مصر من مياه النيل بعد سد النهضة»؟.

من كورونا إلى الاستصلاح الزراعى

الدكتور إبراهيم درويش، أستاذ الزراعة بجامعة المنوفية، يجيب قائلاً: إن الحديث عن الزراعة فى مصر لا يمكن أن ينفصل عن مفهومين أساسيين: الأمن الغذائى والاكتفاء الذاتي.

وأوضح أن الأمن الغذائى مفهوم أشمل، يقوم على قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها من السلع الغذائية، سواء عبر الإنتاج المحلى أو الاستيراد.

أما الاكتفاء الذاتي، فيعنى أن توفّر الدولة كل احتياجاتها الغذائية من مواردها الداخلية، وهو ما فشلت دول غنية بالموارد الطبيعية - مثل السودان - فى تحقيقه، رغم امتلاكها المقومات.

وأشار درويش إلى أنه منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى المسئولية، كان هدفه تحقيق الأمن الغذائى لـ110 ملايين مواطن، عبر التوسع فى مشروعات الاستصلاح الزراعي. ومع أزمة كورونا وانهيار سلاسل الإمداد العالمية، أصبح الاكتفاء الذاتى ضرورةً استراتيجية لتجنب الخضوع لابتزاز الأسواق العالمية. ومن هنا انطلق العمل على تطوير قطاع الزراعة وزيادة الإنتاج المحلى.

الدلتا الجديدة ومستقبل مصر الزراعى

وأشار درويش إلى مشروعات كبرى مثل «مستقبل مصر» و«الدلتا الجديدة»، التى تهدف إلى تخفيف الضغط السكانى عن الوادى والدلتا، وخلق مجتمعات عمرانية وزراعية جديدة، رغم التحديات المائية الهائلة. وأوضح أن مصر دولة مصب، وتعانى من محدودية حصتها المائية التى تبلغ 55 مليار متر مكعب من نهر النيل، إضافة إلى 1.3 مليار من الأمطار، ليصل الإجمالى إلى نحو 60 مليار متر مكعب، فى حين تحتاج، لتلبية احتياجات نحو 120 مليون نسمة، إلى 120 مليار متر مكعب سنويًا.

أربعة محاور للخطة المائية

كشف درويش عن خطة وطنية قائمة على ما سماه «الأربعة تاءات»:

التنمية: تعزيز العلاقات مع دول حوض النيل، وإنشاء محطات تحلية على السواحل، واستخدام المياه المحلاة فى المدن الساحلية والصناعة والسياحة.

الترشيد: تغيير ثقافة الاستهلاك لدى المواطنين، والتحول إلى نظم الرى الحديثة كالرى بالرش والتنقيط، والحفاظ على المياه فى المؤسسات والمنازل.

التنقية والمعالجة: إنشاء محطات معالجة كبرى مثل محطة المحسمة (1.3 مليار م³/يوم)، ومحطة الحمام (7.5 مليار م³) ضمن مشروع «النهر العظيم».

التوعية والتشريعات: منع إلقاء المخلفات فى المياه، وتطبيق قوانين لحماية الموارد، وتشجيع سلوكيات رشيدة فى استهلاك المياه والطاقة.

التغيرات المناخية

وأوضح أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد استهلاك المياه، ويؤثر على الإنتاجية، مع انتشار أمراض نباتية وحشرات ضارة، ووجود مؤشرات على تراجع إنتاجية محاصيل استراتيجية كالقمح والشعير، فضلًا عن مخاطر التصحر والجفاف وتملّح الأراضي.

ورغم التحديات، سجّلت مصر، حتى منتصف العام، تصدير 1.1 مليون طن موالح، و1.3 مليون طن بطاطس، مع التركيز على زيادة القيمة المضافة عبر التصنيع الزراعي.

واختتم درويش بالتأكيد على ضرورة الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ودعم الاستثمارات الزراعية الكبرى، مع تنسيق الجهود بين الوزارات والمؤسسات والمراكز البحثية، لتوحيد الرؤية وتحقيق التنمية الزراعية المستدامة.

الاقتصاد الإنتاجى 

أكد الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، أن من أبرز الدروس المستفادة من التجربة الأمريكية، رغم كونها الدولة الأعلى تكنولوجيًا فى العالم، هو إدراكها لأهمية التحول من الاعتماد على الاقتصاد الخدمى إلى تبنى نهج الاقتصاد الإنتاجي.

وأوضح د. هشام أن الولايات المتحدة، رغم تفوقها التكنولوجي، بدأت مؤخرًا تدرك أنها أصبحت تعتمد بشكل مفرط على قطاع الخدمات، فى حين أن المنافس الصينى المزعج يتقدم بسرعة بفضل دعمه للإنتاج. 

وأضاف: «الأمر ذاته ينطبق على مصر، التى كانت تعتمد لفترة طويلة على الاقتصاد الخدمي، لكنها بدأت مؤخرًا فى التحول إلى اقتصاد إنتاجي، وهى خطوة استراتيجية بالغة الأهمية».

وأشار أستاذ التمويل والاستثمار إلى أن السوق الأمريكية تتمتع بعنصر جاذب رئيسي، يتمثل فى التعداد السكانى الذى يتجاوز 300 مليون نسمة، ما يجعلها سوقًا ضخمة تسعى الشركات العالمية إلى اقتحامها. 

وقال إن مصر تملك ميزة مشابهة، فهى سوق يتجاوز تعدادها السكانى 110 ملايين نسمة، كما أنها ترتبط باتفاقيات تجارية إقليمية ودولية تتيح لها النفاذ إلى أسواق تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة. وشدد د. هشام على أن التقدم التكنولوجي، خصوصًا فيما يتعلق بخدمة القطاعات الاقتصادية، يُعد أمرًا ضروريًا، لكنه غير كافٍ بمفرده.  وأكد أهمية التركيز على رفع كفاءة إدارة الموارد، وتعزيز الاقتصاد الإنتاجى باعتباره الطريق الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مؤشرات الأداء الاقتصادي.

التنافسية والإصلاح 

وأكد أستاذ التمويل والاستثمار هشام إبراهيم أن التنافسية أصبحت الهدف الاستراتيجى الأبرز فى المرحلة الحالية، مشددًا على أن العديد من الدول فى المحيط الإقليمى دخلت فى سباق تنافسى حاد، ما يستوجب على مصر أن تحذو حذوها وتسعى لتكريس ثقافة التنافس كمنهج اقتصادي.

وأشار إلى أن الحكومة قطعت شوطًا لا بأس به فى ملف الإصلاح النقدى والمالى خلال العام ونصف العام الماضيين، إلا أن الإصلاح الهيكلى لا يزال بحاجة إلى جهود أوسع تشمل المجتمع بأسره، حتى تتمكن مؤسسات الدولة من تحقيق الجاهزية الكاملة للمنافسة.

وأوضح أن العقد الأخير شهد تحركًا باتجاه رفع معدلات التنمية الاقتصادية، ضمن استراتيجية تعتمد على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وليس مجرد نمو رقمي. 

التحول الرقمى

أكد الدكتور محمد عزام، استشارى التحول الرقمي، أن مصر تمضى بخطى جادة نحو تعزيز قدرتها التنافسية فى مختلف القطاعات، مشددًا على أن التحول الرقمى وتوطين التكنولوجيا لم يعد خيارًا، بل أداة استراتيجية لبناء اقتصاد قوى ومستدام.

وأوضح عزام أن النجاح فى هذا المسار لا يتحقق بمجرد استيراد التكنولوجيا أو استخدامها، بل يتطلب توطينًا حقيقيًا لها، يشمل تطويرها محليًا وتوفير بيئة خصبة للإبداع والابتكار، معتبرًا ذلك «المدخل الحقيقى لبناء اقتصاد قادر على مواجهة التحديات العالمية».

وأشار إلى أن العديد من الدول استطاعت أن تحتل مكانة متقدمة فى المشهد التكنولوجى العالمى خلال فترة وجيزة، ليس عبر الكم، بل من خلال التركيز على الجودة والكفاءة فى تبنى التكنولوجيا، مؤكدًا أن مصر تملك ثروة بشرية وعقولًا مبدعة قادرة على قيادة هذا التحول. ورغم تحقيق الاقتصاد المصرى قيمة مضافة فى بعض المجالات، يرى عزام أن دمج التكنولوجيا فى جميع القطاعات سيمنحه دفعة قوية نحو الريادة والاستدامة، خاصة فى ظل عالم تحكمه التكنولوجيا وتشكل فيه أداة الصراع الاقتصادى الأبرز.

سياسات داعمة وتحديات قائمة

دعا عزام إلى سنّ سياسات وتشريعات مرنة تدعم بيئة الابتكار وريادة الأعمال، مؤكدًا أن البيروقراطية والعقبات الإدارية ما زالت تشكل عائقًا أمام تطور القطاع التكنولوجى.

وحذّر عزام من الاعتماد على أدوات الماضى لبناء المستقبل الرقمي، داعيًا إلى التعلم من التجربة الصينية والانخراط بذكاء فى سباق الذكاء الاصطناعى الذى يقود الصراع العالمى حاليًا. وكشف أن خسائر البورصة الأمريكية جراء تفوق الصين فى الذكاء الاصطناعى تجاوزت 560 مليار دولار، أى ما يعادل الناتج القومى لدولة مثل السويد.

أشار عزام إلى أن غياب امتلاك أدوات التكنولوجيا وتوطينها يهدد قدرة أى دولة على البقاء فى سباق التقدم العالمي، لافتًا إلى أن حتى أوروبا، رغم تشريعاتها المتقدمة، وجدت نفسها بين مطرقة الصين وسندان أمريكا، وهو ما ظهر بوضوح فى مؤتمر الذكاء الاصطناعى الذى استضافته باريس مؤخرًا.

أكد عزام أن الوقت قد حان لإعادة النظر فى أولويات الاقتصاد، موضحًا أن تصدير المنتجات الزراعية، رغم أهميته، لا يوازى فى قيمته الاقتصادية شركات تكنولوجية عملاقة مثل «أمازون» أو «آبل»، حيث تضم قائمة أكبر 100 اقتصاد عالمى شركات تكنولوجية تفوق فى ناتجها اقتصادات دول بأكملها.

اختتم عزام بتجديد الدعوة إلى إطلاق مشروع قومى شامل لتوطين التكنولوجيا وابتكارها محليًا، مشيرًا إلى أن البنية التحتية البشرية والتكنولوجية فى مصر تؤهلها لذلك، شرط تطوير التعليم ليتماشى مع متطلبات العصر الرقمي، وتعزيز التعاون الدولى مع دول رائدة مثل ألمانيا وأمريكا.

كما شدد على ضرورة دعم شركات ريادة الأعمال المحلية، وتوفير بيئة محفزة للبحث والتطوير، محذرًا من أن استمرار البيروقراطية والقوانين العقيمة سيظل عقبة رئيسية أمام تحقيق رؤية مصر فى مجال التكنولوجيا والاقتصاد الرقمى.