المصريون يحصدون ثمار الجمهورية الجديدة
هيثم يونس
تشهد مصر تحولًا اقتصاديًا لافتًا، تعكسه مؤشرات النمو المتسارعة فى قطاعات متعددة، إلى جانب عودة قطاعات رئيسية للتعافى بعد فترة من التباطؤ العالمى والإقليمى، وبينما يترقب المواطن المصرى تحسنًا ملموسًا فى مستوى المعيشة، تشير أغلب البيانات والتوقعات إلى أن عام 2026 سيكون نقطة فارقة فى تحول هذا التحسن من مؤشرات إلى ثمار واقعية يشعر بها الشارع بشكل مباشر.
وسجل الاقتصاد المصرى خلال الربع الأول من العام المالى الجارى معدل نمو بلغ 5.3% مقارنة بـ 3.5% فى الفترة نفسها من العام الماضى، ما يمثل أعلى وتيرة نمو منذ 3 سنوات، حيث إن هذه القفزة ليست رقمًا منفصلًا، بل نتاج حزمة إصلاحات اقتصادية وتوسعات استثمارية محلية وأجنبية بدأت تؤتى ثمارها تدريجيًا.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا الارتفاع يحمل عدة دلالات مهمة، أبرزها قدرة الاقتصاد المصرى على استعادة زخمه رغم التحديات العالمية، ونجاح الدولة فى إعادة تشغيل محركات النمو الأساسية بعد سنوات من الضغوط التضخمية وتقلبات الأسواق الدولية.
«قفزة النمو.. أسباب ودلالات»
تعود قفزة معدلات النمو إلى عوامل عدة مترابطة، بحسب خب
راء الاقتصاد، من بينها زيادة ملحوظة فى الاستثمار المحلى والأجنبى نتيجة الاستقرار التشريعى وتيسير إجراءات الاستثمار، والتوسع فى مشروعات البنية التحتية التى ظلت أحد المحركات الرئيسية للنشاط الاقتصادى خلال السنوات الماضية، وانتعاش قطاعات الإنتاج الحقيقي، مثل: الصناعات التحويلية والسياحة والبترول، مع تراجع الضغوط الخارجية نسبيًا وانحسار موجة التضخم العالمية وتحسن سلاسل الإمداد.
هذه العناصر دفعت الناتج المحلى إلى مسار صعودى واضح، ما ينعكس مباشرة على توليد فرص العمل، حيث تشير تقديرات أولية إلى إمكانية استيعاب مئات الآلاف من الوظائف الجديدة خلال العامين المقبلين، خاصة فى قطاعات الصناعة والسياحة والطاقة.
«سيناريو مرجح»
تتوقع المؤسسات الاقتصادية المحلية والدولية أن تتجاوز معدلات النمو فى مصر حاجز 5% بنهاية العام المالى الجارى، وإذا تحقق هذا السيناريو، فسيعنى ذلك انتقال الاقتصاد إلى مرحلة أعلى من التعافى الحقيقى، وليس مجرد انتعاش مؤقت، ناهيك عن أن هذا النمو المتوقع يعد إشارة مطمئنة للأسواق والمستثمرين، إذ يعكس قدرة الاقتصاد المصرى على تجاوز الضغوط والتأسيس لمرحلة أكثر استقرارًا على المدى المتوسط، خاصة مع توسع الدولة فى مشروعات الطاقة الجديدة والنقل والصناعة وتحسين بيئة الاستثمار.
الخبراء يؤكدون أنه بعد أشهر من التأثر بالتوترات الجيوسياسية على طرق التجارة العالمية، عادت قناة السويس إلى تسجيل معدلات نمو إيجابية مرة أخرى، وتشير البيانات إلى تحسن تدريجى فى حركة التجارة المارة بالقناة، ما يعزز من إيرادات الدولة من النقد الأجنبى ويدعم استقرار ميزان المدفوعات.
ويعزو متخصصون هذا التعافى إلى قدرة القناة على جذب خطوط ملاحية جديدة، وتطوير المجرى الملاحى، وزيادة الاعتماد على القناة كمسار آمن وموثوق عالميًا، مؤكدين أن الصناعات التحويلية غير البترولية تواصل دورها كمحرك رئيسى للنمو الاقتصادى، خاصة مع دخول مصانع جديدة الخدمة، وتوسع شركات محلية وعالمية فى إنشاء خطوط إنتاج داخل مصر، ناهيك عن أن التوقعات تشير إلى أن تسهم هذه الصناعات فى رفع معدل النمو الكلى خلال النصف الثانى من العام، بما يدعم زيادة فرص العمل وتحسين القدرة التصديرية للبلاد، خاصة إلى الأسواق العربية والإفريقية.
«ليالٍ قياسية وحركة غير مسبوقة»
تشير التوقعات الحكومية إلى أن قطاع البترول والثروة المعدنية سيعود إلى النمو الإيجابى قبل نهاية العام المالي، مع زيادة عمليات البحث والاستكشاف وتوقعات إعلان اكتشافات جديدة فى الغاز الطبيعي، كما تعمل الدولة على تعزيز الشراكات مع الشركات العالمية الكبرى، ما يسهم فى رفع معدلات الإنتاج ودعم موارد الدولة من النقد الأجنبى.
وتواصل السياحة المصرية أداءها الاستثنائى هذا العام، مع تسجيل معدلات قياسية فى عدد الليالى السياحية، وارتفاع أعداد السائحين القادمين من مختلف الأسواق الأوروبية والعربية، إذ تشير البيانات إلى أن القطاع بات من أكبر روافد النمو خلال الفترة الأخيرة، مستفيدًا من تحسين البنية السياحية وتطوير المتاحف والمناطق الأثرية وفتح مسارات جديدة للطيران منخفض التكلفة.
«إصلاحات اقتصادية»
العديد من المؤشرات تؤكد أن الإصلاحات الاقتصادية التى تم تنفيذها خلال السنوات الأخيرة بدأت بالفعل فى تحقيق أهدافها الرئيسية، وعلى رأسها ضبط المالية العامة وزيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاد وتحسين مناخ الاستثمار ودعم الاحتياطى النقدى وتعزيز مرونة الاقتصاد فى مواجهة الصدمات الخارجية.
وتشير توقعات الخبراء إلى أن التحسن المتسارع فى المؤشرات خلال العام الحالى وما يليه يشير إلى أن بداية 2026 ستكون نقطة تحول حقيقية، حيث يتوقع أن ينعكس النمو على القوة الشرائية ومستوى الدخل وفرص العمل وتراجع معدلات التضخم تدريجيًا.
ويمر الاقتصاد المصرى بمرحلة إعادة انطلاق قوية، تعكسها أرقام النمو وانتعاش القطاعات الإنتاجية وعودة محركات الاقتصاد الحيوية، وبينما تتسارع المؤشرات الاقتصادية نحو التحسن، يبدو أن المصريين على أعتاب مرحلة جديدة ستشهد تحسنًا ملموسًا فى مستوى المعيشة، بعدما بدأت رحلة الإصلاح فى جنى ثمارها فعليًا.
«دلالات مهمة»
إلى ذلك يؤكد الدكتور عيد رشاد عبدالقدر، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس، أن الاقتصاد المصرى يشهد خلال الفترة الأخيرة حالة من النشاط الملحوظ، تعكس بوادر تعاف حقيقى بعد سنوات من التباطؤ المرتبط بالظروف العالمية والتحديات الداخلية، فمع تسجيل معدل نمو للناتج المحلى الإجمالى بلغ 5.3% خلال الربع الأول من العام المالى الحالى مقارنة بـ 3.5% فى الفترة نفسها من العام الماضي، تبرز عدة دلالات مهمة حول اتجاهات الاقتصاد المصرى وفرصة فى الفترة المقبلة، خاصة مع التوقعات بأن يتجاوز النمو 5% بنهاية العام المالى الجاري.
وحول ارتفاع معدل النمو بهذا الشكل، يوضح أنه يعد مؤشرًا على قدرة الاقتصاد على استعادة مساره التصاعدي، خاصة أنه يأتى فى وقت يشهد العالم اضطرابات فى سلاسل الإمداد وتراجعًا فى حركة التجارة الدولية، منوهًا إلى أن هذه القفزة تعكس نجاح السياسات الاقتصادية فى تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية وتحفيز القطاعات الإنتاجية واحتواء الضغوط التضخمية تدريجيًا.
ويضيف: هذا النمو يشير إلى تحسن أداء عدد من القطاعات الحيوية، على رأسها الصناعات التحويلية غير البترولية، التى تواصل قيادة النمو، ما يعد تحولًا إيجابيًا نحو اقتصاد أكثر تنوعًا وقادرًا على تحقيق قيمة مضافة أعلى، مضيفًا: إن من أهم نتائج ارتفاع معدلات النمو توليد فرص العمل، إذ ترتبط زيادة النشاط الاقتصادى عادة بارتفاع الطلب على العمالة، خاصة فى القطاعات كثيفة التشغيل مثل الصناعات التحويلية والسياحة والإنشاءات.
«مناطق صناعية ولوجيستية»
فى ضوء استمرار الحكومة فى تنفيذ مشروعات البنية الأساسية والتوسع فى المناطق الصناعية واللوجيستية، يتوقع أن ينعكس ذلك إيجابيًا على مستويات التشغيل خلال عام 2026، حيث سيبدأ المواطن فى جنى الثمار المباشرة لهذا النمو، موضحًا أن قناة السويس عادت إلى تسجيل نمو إيجابي، وهو مؤشر مهم على تعافى التجارة العالمية وتحسن التدفقات عبر الممر الملاحي، ما يعزز إيرادات الدولة من العملة الصعبة.
ويتابع: قطاع السياحة أيضًا يواصل أداءه القياسي، مع ارتفاع عدد الليالى السياحية وتزايد نسبة الإشغال الفندقي، ما يدعم الاحتياطى النقدى ويسهم فى تنشيط القطاعات المرتبطة كالنقل الجوى والخدمات، فضلًا عن أن قطاع البترول والثروة المعدنية يتجه تدريجيًا للعودة إلى النمو قبل نهاية العام، مدفوعًا باستثمارات جديدة فى البحث والاستكشاف وتحسن أسعار الطاقة عالميًا.
أيضًا يلفت إلى أن هناك مؤشرات راهنة تؤكد أن الإصلاحات الاقتصادية نجحت فى تحقيق جانب كبير من مستهدفاتها، خاصة تعزيز مرونة الاقتصاد وتحسين بيئة الاستثمار وتحرير الأسواق وتوسيع قاعدة الإنتاج، ومع ذلك، فإن نجاح الإصلاحات يقاس بقدر انعكاسها على المواطن، وهو ما بدأت ملامحه فى الظهور، ومن المتوقع أن يصبح أكثر وضوحًا بداية عام 2026 مع استقرار الأسعار وزيادة فرص العمل وتحسن الخدمات.
ويختتم: إن الاقتصاد المصرى يتحرك فى الاتجاه الصحيح مدفوعًا بإصلاحات هيكلية وقطاعية بدأت تؤتى ثمارها، وإذا استمرت السياسات الحالية بدعم الاستثمار والتصدير وضمان الاستقرار المالي، فستكون مصر على أعتاب مرحلة جديدة من النمو المستدام، مع تحسن ملموس فى مستوى معيشة المواطن خلال السنوات القليلة المقبلة.
«طفرة وتعافٍ سريع»
أما الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، فيؤكد أن الاقتصاد المصرى يشهد طفرة حقيقية خلال الفترة الأخيرة، موضحًا أن الخطوات الإصلاحية التى تزامنت مع توقيع اتفاقية رأس الحكمة أسهمت فى تغيير المشهد الاقتصادى ودفعه بقوة نحو الاتجاه الصحيح، مشيرًا إلى أن تحقيق معدل نمو بلغ 5.3% فى الناتج المحلى خلال الربع الأول من العام المالى الجارى يعكس هذا التحسن الواضح، خاصة أن النسبة تجاوزت توقعات العديد من المؤسسات الدولية، وأن ثمار النمو والإصلاح الاقتصادى لا تنتظر حتى عام 2026 لتظهر، بل بدأت بالفعل فى الظهور بشكل ملموس.
جاب الله يوضح أن مصر تشهد تراجعًا ملحوظًا فى معدلات التضخم، متوقعًا أن يصل إلى رقم فردى أقل من 9% بحلول يوليو 2026، وأن تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على التضخم كان محدودًا للغاية مقارنة بما كان متوقعًا، منوهًا إلى أن نمو الناتج المحلى الإجمالى يلعب دورًا رئيسيًا فى خلق فرص عمل جديدة، فى ظل تحقيق قطاعات عدة معدلات نمو قياسية، أبرزها القطاع الصناعى الذى سجل نموًا يصل إلى 18%.
ويتابع: عادت قناة السويس لتسجل معدلات نمو متسارعة، مؤكدة قدرتها على التعافى السريع رغم التحديات، فى الوقت الذى تعمل فيه الدولة على تعزيز الصناعات التحويلية بشكل كبير، إلى جانب تحفيز مناخ الاستثمار، موضحًا أن الحكومة تلتزم بسداد مستحقات شركات البترول الأجنبية لضمان استمرار عملها بأقصى طاقتها.
ويلفت إلى أن قطاع السياحة باعتباره أحد أهم القطاعات الداعمة للاقتصاد حقق تعافيًا سريعًا ومعدلات نمو قوية بعد جائحة كورونا، مستفيدًا من الإصلاحات المالية والنقدية التى نفذتها وزارة المالية والبنك المركزى لتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وداعمة لنشاط القطاع الخاص، مؤكدًا أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا فى مسارها الإصلاحى وحققت نجاحات واضحة يمكن البناء عليها خلال المرحلة المقبلة.
«قوة أداء الاقتصاد القومى»
الدكتورة عالية المهدى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، تشدد على أن تسجيل الاقتصاد المصرى معدل نمو بلغ 5.3% خلال الربع الأول من العام المالى الحالى يمثل مؤشرًا بالغ الأهمية على قوة الأداء الاقتصادى، ويعكس قدرة الدولة على الحفاظ على وتيرة التعافى رغم التحديات العالمية والإقليمية، موضحة أن هذا المعدل الإيجابى لا يعد مجرد رقم اقتصادي، بل رسالة طمأنة واضحة تؤكد أن الاقتصاد يسير فى مسار تصاعدى مستقر، وأن محركات النمو الأساسية بدأت تستعيد زخمها بصورة ملموسة، بما يفتح المجال أمام توقعات أكثر تفاؤلًا خلال الفترات المقبلة.
وتضيف: إن استمرار هذا الأداء خلال الربعين الثانى والثالث بنفس الوتيرة سيشكل نقطة تحول مهمة، إذ يعنى قدرة الاقتصاد على تحقيق معدلات نمو مرتفعة بشكل متتال، وهو ما سينعكس مباشرة على معدلات الاستثمار والتشغيل ويعزز قدرة الحكومة على تنفيذ مستهدفاتها المالية والتنموية للعام المالى الحالى، مشددة على أن الحفاظ على هذا المعدل يتطلب استمرار العمل على جذب الاستثمارات ودعم بيئة الأعمال وتعزيز قطاعات الإنتاج والتصدير.
وتختتم: التفاؤل بالمؤشرات الحالية «مشروع»، لكنه مرتبط بالاستمرار فى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية ومراقبة المتغيرات العالمية، مؤكدة أن مصر تمتلك مقومات قوية تؤهلها للحفاظ على مسار النمو التصاعدى إذا ما تم البناء على النجاحات المحققة فى الربع الأول والالتزام بخطط التنمية المستدامة التى تستهدف تعزيز الإنتاج وزيادة كفاءة القطاعات الحيوية.






