الثلاثاء 16 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تصعيد عسكرى أم تحركات استراتيجية؟

بينما يلملم عام 2025 أوراقه للرحيل، يحتدم الصراع فى بقعة جديدة من العالم، وتحديدا فى منطقة الكاريبى، حيث تصاعدت حدة الإجراءات الأمريكية ضد فنزويلا، سواء بالخطاب المعادى، أو التحركات العسكرية؛ بعدما أنذر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نظيره الفنزويلى نيكولاس مادورو، يوم 21 نوفمبر الماضى، بضرورة مغادرة بلاده رفقة عائلته.



جاء هذا الإنذار بعد الحشد العسكرى الأمريكى، قبالة سواحل فنزويلا، منذ أغسطس الماضى، والذى أعقبته هجمات أمريكية على أكثر من عشرين قاربًا فنزويليًا بحجة أنها قوارب تهريب المخدرات للولايات المتحدة، أسفرت عن مقتل أكثر من ثمانين شخصًا، كما أرسلت واشنطن حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد ر. فورد، إلى مياه البحر الكاريبى وتهديدات الرئيس الأمريكى المتكررة بشن ضربات برية مستقبلية بدعوى مكافحة تهريب المخدرات.

وأصدر الرئيس الأمريكى، الإنذار النهائى للرئيس الفنزويلى بعد رفض سلسلة من المطالب المزعومة التى قدمها الرئيس الفنزويلى مقابل خروجه المبكر من منصبه، والتى تضمنت رفع العقوبات الأمريكية وإغلاق المحاكمة فى المحكمة الجنائية الدولية، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة نائبة الرئيس ديلسى رودريجيز.

وبعد انتهاء الموعد النهائى للمهلة، أعلنت أمريكا غلق المجال الجوى الفنزويلى بالكامل، ما أدى لتعليق الرحلات الدولية لفنزويلا، وردًا على ذلك، سحبت حكومة مادورو ترخيص شركات الطيران التى تعمل فى بلاده.

التوتر بين البلدين ليس وليد اللحظة الراهنة، إنما يعود لسبعينيات القرن العشرين، حين أممت فنزويلا حقول النفط التى تديرها شركات أمريكية، وخلال حكم الرئيس الفنزويلى السابق هوجو تشافيز، منذ عام 1999 حتى عام 2013، استمر العداء بين البلدين ليصل ذروته عندما تولى الرئيس نيكولاس مادورو السلطة عام 2013، وعقب انتخابات عام 2024 رفضت واشنطن الاعتراف به رئيسًا وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه بتهم دعم عصابات المخدرات، ورصدت مكافأة 50 مليون دولار لمن يقدم معلومات لاعتقاله.

ويبرر البيت الأبيض ضربات العملية المسماة بـ«الرمح الجنوبى» بأنها ضرورية لوقف تدفق المخدرات من قارة أمريكا الجنوبية إلى الولايات المتحدة، خاصة من عصابة «ترين دى أراجوا» الفنزويلية التى صنفتها واشنطن منظمة إرهابية أجنبية فى بداية 2025.

لذا تدافع إدارة ترامب عن شرعية الهجمات الأمريكية على قوارب المخدرات «فى أمريكا اللاتينية»، مؤكدة أنها إجراء ضرورى للدفاع عن النفس؛ يهدف إلى إنقاذ أرواح الأمريكيين. فيما اعتبرها الخبراء القانونيون غير شرعية وتنتهك القانون الدولى باستهدافها المدنيين، دون توفير الإجراءات القانونية الواجبة للمشتبه بهم.

ولم تفصح إدارة ترامب عن الهدف النهائى لسياستها تجاه فنزويلا بعيدًا عن مسألة تهريب المخدرات، إلا أن هناك دوافع لا يغفلها المراقبون منها: «قضية اللاجئين الفنزويليين فى أمريكا الذين يصل عددهم 8 ملايين لاجئ دخلوا بطرق غير قانونية بعض ومنذ سبتمبر الماضى رحلت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) نحو خمسة آلاف فنزويلى.

علاوة على الحد من التقارب بين فنزويلا، والصين، وروسيا، وهو ما يشكل تهديدًا لمصالح أمريكا فى أمريكا اللاتينية، ومنطقة الكاريبى، بوجه خاص، وأيضًا لا يمكن التغاضى عن رغبة واشنطن الحصول على امتيازات لشركات أمريكية فى حقول النفط بفنزويلا، التى تعد عضوًا فى منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» وتمتلك احتياطات هائلة من النفط.

ليس واضحًا ما ستسفر عنه الأمور بين واشنطن وكاراكاس، ويوضح تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى أنه بدلًا من السعى إلى مزيد من الصراع، ينبغى على إدارة ترامب التركيز على استخدام انتشارها العسكرى للتفاوض مع الرئيس الفنزويلى لمنع التصعيد. 

واعتبر المجلس إن الخيار الصعب هو الحرب الخطأ الفادح، كما أنه يتعارض مع استراتيجية ترامب للأمن القومى التى تثنى عن التدخل المباشر عسكريًا خارج البلاد لمدة طويلة مع استبعاد التدخل العسكرى بريًا فى فنزويلا بسبب تكلفته الاقتصادية واللوجستية الباهظة وما قد يسفر عنه من فوضى فى منطقة الكاريبى.

ويعد المراقبون أن التصعيد فى منطقة الكاريبى عسكريًا قد يسفر عن تدخل قوى عالمية أخرى فى الصراع مثل روسيا والصين للحفاظ على مصالحهم فى قناة بنما ومناطق النفوذ فى أمريكا اللاتينية.