الخميس 1 يناير 2026
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أرض الصومال..   اللعب بالنار فى القرن الإفريقى

أرض الصومال.. اللعب بالنار فى القرن الإفريقى

ليست هذه المرة الأولى التى تُختبر فيها صلابة النظام الدولى أمام أفعال أحادية تتجاوز القواعد وتستند إلى منطق الاستعلاء والقوة. ففى تاريخ الصراعات، كثيرا ما لجأت قوى مختلفة إلى وسائل ظنت أنها تحقق اختراقا سياسيا سريعا، لكنها لا تلبث، بعد حين، أن تكتشف أنها لم تحصد سوى مزيد من الفوضى وتقويض الأسس التى يقوم عليها النظام الدولي.



ويمثل الإعلان الصهيونى الأحادى بالاعتراف بما يسمى «أرض الصومال» دولة مستقلة حلقة جديدة فى هذا المسار. فهو تطور بالغ الخطورة، لا لأنه يمس الصومال وحده، بل لأنه يفتح بابًا يصعب إغلاقه فى منطقة يقوم توازنها الهش على احترام الحدود الموروثة، مهما بلغت هشاشة الدول القائمة داخلها. فالقرن الإفريقى لا يحتمل تجارب سياسية عابرة، ولا مغامرات اعترافية تُختبر نتائجها على خرائط الآخرين.

لقد كان احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها حجر الأساس فى النظام الدولى منذ الحرب العالمية الثانية. ليس لأن هذا النظام كان مثاليا أو عادلا على الدوام، بل لأنه مثل الحد الأدنى الممكن لمنع الانزلاق إلى فوضى الاعترافات المتقلبة. ومن هنا، فإن تجاهل حقيقة أن «أرض الصومال» لا تتمتع بأى وضع قانونى دولى مستقل، وأنها جزء لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، لا يمثل مجرد خطأ قانوني، بل انحرافا عن منطق الاستقرار ذاته.

وتقول التجربة إن تشجيع النزعات الانفصالية لا يولد دولا قابلة للحياة، بل يفتح شهية نزاعات جديدة. وفى منطقة تعانى أصلا من صراعات ممتدة، وتواجه تحديات الإرهاب والهشاشة الاقتصادية، وتنافس القوى الكبرى عند البحر الأحمر وباب المندب، يصبح اللعب على خرائط التفكيك فعلا محفوفا بالعواقب. فالممرات البحرية لا تُحمى بالبيانات، وأمن الطاقة لا يُصان بإشعال بؤر توتر جديدة.

فى هذا السياق، يبدو الموقف المصرى الرافض لهذا الاعتراف أكثر من مجرد تضامن سياسى؛ إنه تعبير عن إدراك استراتيجى مفاده أن العبث بوحدة الدول الإفريقية لا يقف عند حدودها، بل يرتد على الإقليم بأسره. فالبحر الأحمر ليس ساحة منفصلة عن محيطه، وأى تصدع على ضفافه سرعان ما يتحول إلى مصدر قلق أمنى واقتصادى عابر للحدود.

ولم يكن الموقف العربى الداعم لوحدة الصومال أقل دلالة. فقد جاء تأكيد جامعة الدول العربية على سلامة الأراضى الصومالية ليعيد التذكير بأن وحدة الدول ليست مسألة عاطفية، بل شرطا ضروريا للاستقرار الإقليمي. والتجربة العربية، فى أكثر من بلد، أثبتت أن تفكيك الدولة لا ينتج كيانات أقوى، بل يفتح ساحات واسعة للصراع.

أما الرهان على فرض الوقائع فقد جُرّب من قبل، والمخطط الإثيوبى الساعى إلى منفذ بحرى عبر ترتيبات أحادية شاهد قريب على ذلك. يومها بدا أن المسألة مسألة وقت، لكن تماسك الموقف الصومالي، مدعوما بإسناد عربى وإقليمي، كان كفيلا بإجهاض المشروع. لم يكن ذلك انتصارا خطابيا، بل درسا سياسيا فى أن الجدوى لا تتحقق بالقفز فوق القانون.

وهنا يطرح السؤال نفسه، كما طرح فى تجارب أخرى: ما جدوى الاعتراف الأحادي؟ ماذا يضيف إلى الاستقرار؟ وأى مستقبل يمكن أن يُبنى على كسر قواعد يُفترض أنها وُضعت لحماية الجميع؟ فالأفعال التى تفتقر إلى الجدوى لا تمضى بلا ثمن، وإن تأخر حسابها.

ولا يبدو الاعتراف الإسرائيلى بما يسمى «أرض الصومال» خطوة معزولة، بل جزءا من محاولة لاختراق فضاءات جيوسياسية حساسة. غير أن التاريخ القريب يعلم أن مثل هذه المحاولات، حين تصطدم برفض إقليمى واسع، سرعان ما تفقد زخمها. فالمنطقة، على هشاشتها، طورت قدرا من المناعة تجاه المشاريع التى تقوم على التفكيك لا البناء.

وخلاصة الأمر أن اللعب بوحدة الصومال لعب بالنار فى القرن الإفريقي. قد يبدو مغريا فى حسابات قصيرة الأمد، لكنه يحمل فى طياته مخاطر تتجاوز بكثير حدود الصومال. وفى المقابل، فإن التمسك بمبدأ وحدة الدول وسلامة أراضيها يظل، رغم كل العيوب، الخيار الأقل كلفة، والأكثر قابلية لحماية الاستقرار، وإفشال الأوهام التى تظن أن التاريخ يمكن القفز فوقه.

كاتب صحفى وباحث صومالى