الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قلعة «الروبيكى» تستعد للنهوض بصناعة الجلود فى مصر

قلعة «الروبيكى» تستعد للنهوض بصناعة الجلود فى مصر
قلعة «الروبيكى» تستعد للنهوض بصناعة الجلود فى مصر




تحقيق وتصوير - محمود ضاحي

عشرات الكيلو مترات من القاهرة إلى منطقة الروبيكى والتى تقع تحديدًا بين مدينة الشروق والمنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان التابعة لمدينة بدر، والتى تمتد من طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوى حتى طريق القاهرة السويس الصحراوي، حيث مدينة الجلود والمدابغ  الحديثة كأول مشروع رسمى منظم بعيدًا عن العشوائيات لتصنيع وتصدير الجلود فى مصر.
 
مهندسون وعمال يعمرون ويشيدون تحت أشعة شمس عمودية فى أقصى شهور الصيف، أكبر مدينة متخصصة للدباغة، للانتهاء من تسليمها نهاية سبتمبر المقبل، حيث المكان الأكثر تنظيما كمدينة صناعية كبيرة مترامية الأطراف خارج القاهرة وبعيدا عن الأحياء السكنية، حيث ترعاها الدولة بكل قوتها، فيها العشرات من الهناجر التى تستوعب كل معدات الدباغة، وتفاصيل الصناعة.
مدينة مساحتها شاسعة تكفى آلافًا من العمال للعمل وللتعلم.. تكفى بشراً تكدسوا وسط روائح عفنة فى أماكن تنعدم فيها التهوية وتغرق فى الصرف الصحى  بمنطقة مصر القديمة وتحديداً خلف سور مجرى العيون، وهم من المصريين رافضى فكرة المجازفة للخروج إلى الأفضل بحجة البقاء فى الأماكن التى عاشوا فيها عشرات السنين.
من منطلق الحيادية فى نقل الصورة الكاملة  زارت «روزاليوسف» منطقة «الروبيكي» للوقوف على مدى جاهزيتها لاستقبال أصحاب المصانع والعمال.
يقول رايد عبدالملك - 58 عاما - وهو أحد المهندسين القائمين على المشروع فى مدينة المدابغ والجلود بالروبيكى، إنه تم الانتهاء من أكثر من ٣٤ هنجرًا فى أقل من سنة، وهى بمساحات مختلفة، لكنها لا تقل عن  ٧٢ مترًا طول فى عرض 18 مترًا، ونظراً لهذه المساحة الكبيرة فإنه يمكن تقسيم الهنجر إلى 8 عنابر، حيث إنه تم تشطيب معظم الهناجر من مياه وكهرباء ودورات مياه وغيرها، وذلك نتيجة عمل متواصل لخمس شركات تبلغ أقصى جهدها لإنهاء المشروع فى الوقت المحدد.
وأضاف «عبدالملك»، أن عمال الجلود الموجودين بمنطقة مصر القديمة سيتم نقلهم إلى  منطقة الروبيكي، بمجرد تسليم المشروع  للحكومة نهاية سبتمبر المقبل، كما أنه ستقام الكثير من المشروعات حول المدينة حيث إن المنطقة مساحتها ٦٠ فدانًا.
وأشارعبدالملك لـ«روزاليوسف» إلى أن تكلفة المشروع تقدر بحوالى 1.2 مليار جنيه، وسيتم توفير وحدات سكنية للعمال فى مدينتى بدر والعاشر من رمضان، إضافة إلى استخدام محطة السكة الحديد خط السويس القريبة من المدينة فى نقل البضائع، ويوجد أكثر من محطة مياه، وقسم شرطة، ونقطتى إسعاف ومطافى، كما تم إنشاء خط مياه من مدينة العاشر من رمضان لملء 10 خزانات ضخمة، بقدرة 24 ألف متر مكعب، ومحطة لاسترجاع الكلور بقدرة 1200 متر مكعب، كما يتم تجهيز محطة الكلور للتشغيل حاليًا.
أحد المهندسين القائمين على المشروع - طلب عدم ذكر اسمه - أوضح أن كل صاحب مدبغة حسب مقدرته ومعداته يتم تسكينه، كما أن وزارة التجارة والصناعة  ستجرى تسهيلات لمن يريد شراء معدات جديدة، مشيراً إلى أن الهناجر متوقفة على تركيب البلاط الذى لا يتم إلا بعد تركيب المعدات، مؤكداً أن الحكومة هدفها العمل بحرفية ونظام، بعيداً عن العشوائية فى طريقة العمل، بمقابل مادى يحدده صاحب كل مدبغة لعمّاله.
وأكد أن تشغيل المدابغ الجديدة ستكون فور نقل وتركيب الماكينات لها من مدابغ  سور مجرى العيون بمصر القديمة، أو تركيب ماكينات جديدة تأتى فى إطار عمليات تحديث القطاع، مشيراً إلى أنه سيكون هناك تشجير لعدد كبير من الشوارع، وعدد من المزارع سيتم من خلالها استخدام مياه الصرف بعد معالجتها وتنقيتها فى محطات الصرف واستخلاص المحل منها فى تشجير وزراعة الأراضى.
وأشار إلى أنه توجد مدبغة نموذجية تشمل وحدات دباغة ومركز تكنولوجى ومعامل اختبارات ومنظومة متكاملة للخدمات مع التركيز على جذب استثمارات داخلية وخارجية وربطها مع العاصمة الإدارية الجديدة.
وأكد المهندس محمد العربى - 25 عاماً - وهو أحد المسئولين عن محطات المياه، أنه يوجد أكثر من محطة صرف صحي، وسيتم تنقية مياه الصرف الناتج عن عملية الدبغ حتى تكون صالحة للزراعة، حيث ستكون أربع محطات قوية لتوفير المياه من منطقة العاشر من رمضان.
ووصف «العربى» المشروع بالممتاز، مستطردا: بل سيصبح من أكبر وأقوى مدن صناعة الجلود فى العالم، ويوفر الكثير من فرص العمل، خاصة أنه منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى شئون البلاد وهناك جدية فى تنفيذ المشروع، خصوصًا بعد زيادة عدد الشركات والعمال للانتهاء منه فى الوقت المحدد، منوهاً إلى أنه منذ عام مضى لم يكن هناك هناجر قد نفذت، ولكن الآن تم بناء أكثر من 50 هنجرًا على مساحات مختلفة.
وأضاف: إن عمليات الإخلاء والهدم بمنطقة المدابغ بمجرى العيون لن تنفذ إلا بعد التشغيل الفعلى للمنشأة التى تم نقلها لمدينة الروبيكى، وأيضًا حصول غير الراغبين فى استمرارهم بالنشاط على التعويض المالى الخاص بهم، مشيراً إلى أنه سيتم منح أصحاب الوحدات القديمة بمنطقة مجرى العيون مدة تصل إلى 9 أشهر من تاريخ استلام الوحدة الجديدة للانتهاء من عمليات نقل المعدات والأجهزة، مشيراً إلى أن المشروع يعتبر نقلة حضارية لصناعة الجلود فى مصر ويأتى فى إطار استراتيجية الدولة لتنمية وتطوير دباغة وصناعة الجلود وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الجلدية المصرية.
قال نبيل الشيمى - مدير عام غرفة الجلود باتحاد الصناعات المصرية - إن منطقة الروبيكى ستؤثر على حركة التصدير للمصنوعات الجلدية وستتطور صناعة الجلود لتنافس الأسواق العالمية، وأكد الشيمى أن المدينة ستؤدى إلى انخفاض التكلفة والقدرة على المنافسة، حتى تكون المنتجات متاحة، لكن عملية النقل ستستغرق أكثر من عام كامل لترتيب الأوضاع هناك ونقل المواد والبراميل والماكينات، الأمر الذى سيؤدى إلى تطور الصناعة خاصة أنها ستكون على أساس علمى.
وأشار إلى أن المدابغ فى الروبيكى ستقلل من التالف والفاقد أثناء التصنيع، خاصة مع استخدام المواد العلمية وبإشراف علمى وليس العمل بطريقة عشوائية، مضيفاً أن جلود الحيوانات المصرية تعتبر من الأفضل على مستوى العالم، إلا أنها ببقائها على حالها فى سور مجرى العيون سيؤدى إلى تدهورها بسرعة، فالدول المتقدمة فى الغرب والصين لهما تكنولوجيا هائلة فى هذه الصناعة مثل إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا والهند والولايات المتحدة بكل ما صاحبها من تطور علمى مذهل.
وقال ياسر جابر - المتحدث باسم وزارة التجارة والصناعة - ناسباً حديثه إلى الدكتور طارق قابيل وزير التجارة والصناعة إن المشروع يتضمن 3 مراحل، وتم تخصيص المرحلتين الأولى والثانية لنقل المدابغ من منطقة مصر القديمة إلى «الروبيكى»، وأكد أن مشروع المدابغ يعد نقلة نوعية فى مسيرة صناعة الجلود، وستكون الروبيكى أول مدينة متخصصة صناعياً باستحواذها على ما يتراوح بين 45 و55% من حجم صناعة الجلود، وبالتالى فإن تطويرها لعمليات الدباغة ستتم وفق أحدث النظم العالمية، موضحاً أن المشروع يتكون من 3 مراحل لاستيعاب المصانع الموجودة بمجرى العيون والصناعات المكملة.
وأضاف أن المرحلة الأولى بمدينة الروبيكى ستكون على مساحة 180 ألف متر، وهناجر بأحجام مختلفة بتكلفة 1.2 مليار جنيه، 80% منها مخصص للصناعات الصغيرة والمتوسطة، والمرحلة الثانية تقام على مساحة 116 فدانًا، وسيتم تخصيص 200 مليون جنيه من صندوق الترفيق لبدء الأعمال الإنشائية.
وأشار الى أن مجلس الوزراء وافق على تخصيص 1000 شقة بمساحة 95 مترًا مربعًا بمدينة بدر للعاملين بهذه المصانع لتوطين المنطقة وسيتم إنشاء غابة شجرية على مساحة 280 فدانًا للاستفادة من مياه الصرف الصناعى للمشروع، وهذا الصرف منفصل عن شبكة الصرف العامة للمنطقة، وأنه تم إنجاز 97% من المشروع، وخلال فترة قصيرة جداً سيتم نقل الأهالى من سور مجرى العيون إلى الروبيكي، ومن المقرر أن يفتتح الرئيس المشروع خاصة أنه يعطيه أهمية كبيرة.
وقال إن المدينة تضم بنية تحتية أساسية حديثة تتغلب على كل المشاكل البيئية الموجودة فى منطقة سور مجرى العيون خاصة، وأن هناك محطة مخصصة لفصل الأملاح ومادة الكروم الضارة وتدويرها فى العمليات الصناعية، إضافة إلى إنشاء غابة شجرية على مساحة 280 فدانًا للاستفادة من هذه المياه.
كما أكد أن مساحات الوحدة السكنية ستكون على حسب حجم مساحة المدبغة، وتكلفتها من صاحب العمل، مشيراً إلى أن الروبيكى لا يعتبر نقلا للصناعة من مكان إلى آخر فقط، بل هناك أسباب بيئية خطيرة، فالأمر له بُعدان اجتماعى واقتصادي، كما أن منطقة سور مجرى العيون بها أماكن أثرية، وبقاء هذه الصناعة فى هذا المكان يضر بها.
وأضاف: وجود الدباغة وسط الأماكن السكنية يعانى منه السكان منذ فترة كبيرة، حيث اختلاط الصرفين الصحى بالصناعى، خاصة أنه لا يوجد محطات معالجة، وتسعى الحكومة خلال الفترة القادمة إلى نقل معظم الصناعات التى تجتاح وسط القاهرة إلى خارجها بعيداً عن التكتل السكانى.
قال النائب محمد السويدى - عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب - إن منطقة مدابغ الروبيكى هدفها الأول هو تزويد القيمة المضافة على الجلود، وستزيد من نسبة العمالة فى المشروع والتقليل من الاستيراد بنسبة كبيرة، وأوضح أن هناك خطة لتشجيع كل المشروعات التى من خلالها يتم تزويد القيمة المضافة من تعدين وغيره، منوهاً إلى أن اللجنة ستناقش أيضاً إقامة عدد من المشروعات بجوار الروبيكى لتنشيط حركة التجارة فى المنطقة.
قال محمد حربى - رئيس غرفة دباغة الجلود - إن الروبيكى مدينة كانت تشيد منذ عشرين عاماً وانتهى أمرها، مشيراً إلى أن المكان فرصة وأفضل من أماكن أخرى سواء فى 6 أكتوبر أو حلوان أو الشروق، منوهاً إلى أن المشروع انتهى منه 60% فقط، ولن يتم افتتاحه فى أكتوبر كما ذكرت وزارة الصناعة والتجارة الداخلية، وأكد أن المدينة هى ورثة وتركة لأولاد الصناع الحاليين، بل هو مشروع الدولة فى أمس الحاجة له، خاصة أن منطقة سور مجرى العيون عبارة عن مأساة، كما أن الحكومة ستساعد بجوار العمل لتعمر مدينتهم فى الروبيكي، مضيفاً: الرئيس وعد فأوفى.
وطالب حربى بالتسهيل على قطاع دباغة الجلود فى الحصول على قروض دون فوائد أو بفوائد مبسطة لعملية تحديث وتطوير الصناعة للوصول إلى أحدث أساليب تكنولوجيا دباغة الجلود فى العالم، وقال إن المدينة ستصدر إلى إيطاليا وإسبانيا وأمريكا والبرازيل والصين وهونج كونج، منوهاً إلى أن الدولة تعمل على إخلاء كل ما يشغل العاصمة من مستشفى 57357  وحتى كورنيش النيل، لافتا إلى أن هناك بعض المعدات لا يمكن إحلالها وستقوم الحكومة بتعويض أصحاب هذه المعدات عن تلفها.
وأضاف: إن مشروع الروبيكى يتم على 3 مراحل الأولى 2 مليون متر مربع، والثانية 500 ألف متر، والثالثة حوالى مليون متر مربع، مؤكداً أنه فور الانتهاء من مدينة الروبيكى الصناعية وبدء العمل بها فإن حجم الصادرات سيرتفع خلال عامين من 2 إلى 6 مليارات دولار بنسبة 200%.