هند سلامة
سماء إبراهيم.. المتمردة
صفت ملامحها من أى شوائب صناعية، لتتأهب فى استقبال الكلمات وملامح الشخصية التى نسجها المؤلف، ثم تترجمها سماء إبراهيم إلى روح نابضة بالحياة، تتجرد للاندماج فى فن التشخيص كالمتصوفة أو لاعبة اليوجا، التى قررت التأمل والسباحة فى بحر التجسيد، وعلى غرار ما أطلقت على فريقها المسرحى «إيماء السماء»، أطلقت لموهبتها العنان فى توظيف الإيماءة والنظرة للتعبير عن مكنون شخصياتها الدرامية.
تجلت بوجهها الصافى علينا فى دراما هذا العام بشخصيتن متناقضتين «أم بسنت» فى «ملوك الجدعنة»، و«ست الناس» فى «لحم غزال»، ملامح أم بسنت تبدو لك من الوهلة الأولى امرأة لعوب ذات شخصية قوية تحيا كما تشاء، غير عابئة بنظرة الجيران والشارع أو حتى ابنتها، فهى امرأة مبهجة تهوى العبث مع الرجال، تناولته من خط كوميدى بسيط، بينما «ست الناس» سيدة فقيرة مغلوبة على أمرها، تبدو عليها ملامح الحزن والفقر الدائم، تشعر بالظلم والأسى تحاول الدفاع عن نفسها أو البوح بالحق الغائب داخل السوق، تعيش فى حالة من المراقبة والتجسس لامرأتين طارئتين على هذا السوق اللعين، فى جلسات الغمز والنميمة مع نظيرتها الفنانة حنان يوسف، تطلعنا سماء إبراهيم بالنظرات والإيماءات وأحيانًا الكلمات عن جوهر تلك الشخصية البائسة التى لا حيلة لها سوى لسانها، تتشكل وتتلون مع تبدل نوع وجوهر الشخصيات، سماء إبراهيم القادمة من خلفية مسرحية أضافت لها ثراء وخبرة وعمقًا بدا من الوهلة الأولى مع ظهورها على الشاشة الصغيرة، هى خريجة المعهد العالى للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج، وكلية الفنون الجميلة، والمعهد العالى للنقد الفني، سعت منذ البدايات لتقديم أعمال مسرحية ذات ثقل فنى ومعنى وأسلوب خاص.
تنتمى منذ انطلاقاتها الفنية الأولى لمدرسة «البانتومايم»..»التمثيل الصامت أو التمثيل الإيمائي»، لذلك أطلقت على اسم فرقتها المسرحية اسم «إيماء السماء» عام 1986، هذه المدرسة الخاصة فى فن الأداء المعتمد على تعبيرات الوجه وحركة الجسد فى توصيل مشاعر وانفعالات الشخصية، منح سماء إبراهيم هذا العمق الكبير والوزن الثقيل فى لعب أدوارها بالدراما التليفزيونية سواء خلال موسم رمضان الحالى أو فى أعمالها السابقة وكان أحدثها مسلسل «ما وراء الطبيعة»، تمنج إبراهيم كل شخصية القدر الكافى والمتزن من الانفعال دون زيادة أو نقصان، وجهها وعيناها أسلحتها وذخيرتها تشحنهما بطاقة التعبير النقى الخالى من شوائب مساحيق التجميل وعملياته، آمنت وصدقت بأن الممثل ما هو إلا وجه صاف وعينين ناطقتين بروح وتفاصيل الشخصية التى تجسدها، وبالتالى تمحو بهذا الأداء الرفيع الظلم الواقع على فنانى المسرح بأنهم عادة ما يتصفون بالإنفعال المبالغ فيه أمام الكاميرا، لتتبدل على يديها هذه التهمة وتحولها مع آخرين من زملائها هذا العام الذين أثبتوا وبجدارة أن المسرحيون أصحاب الفن الرفيع، قد تتفوق هذا الموسم على نجمات اتخذن من التجميل وسيلة للأداء واستعراض الشكل الخارجى للشخصيات، بينما كانت الأكثر حرصًا وذكاء فى الاعتناء بصنعتها وبأدوات هذه الصنعة التى مكنتها من التجلى علينا فى الحلقات الأولى من دراما رمضان، هكذا تسير سماء إبراهيم على خطى الفنانة عبلة كامل وتحفر اسمها كممثلة مخضرمة متمردة على التقاليد الأنثوية فى ممارسة فن التمثيل..!