السبت 2 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أنس الوجود: الإخوان عرضوا علاجه فى أمريكا لإحراج الدولة.. لكنى رفضت




كتبت- سوزى شكرى

مشهد يبعث على الكثير من الأسى يتكرر كل فترة نرى أدباءنا الكبار يتساقطون ولا نلتفت لهم حتى يرحلوا، ثم نعود لنبكيهم ونعترف بمدى التقصير الذى نالهم من جانبنا، سواء على مستوى المؤسسة الرسمية أو حتى الأفراد، حتى إن البعض ممن تقع عليهم المسئولية لا يكتفى بتقصيره، بل يهرع لينال «الشو» ويعلن أنه يتابع الحالة وأنه سوف يفعل ويفعل ولكن بعد فوات الأوان، فلا كرامة لنبى فى بلده.
 منذ أيام  قليلة بدأ فصل جديد من فصول «المهزلة» مع كاتبنا الكبير صبرى موسى، الذى يرقد فى منزله منذ سنوات بعد أن أصيب بجلطة، فغاب عن المشهد، ويوم بعد يوم سقط من ذاكرة المسئولين، فقد كسرت ساقه وتوجه مع زوجته أنس الوجود رضوان إلى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، التى اكتفت بوضع ساقه بالجبس،  وطلب من أسرته أن يترك المستشفى فجرا قبل حتى أن يجف جبس الساق، لم يراعوا أن المريض واحد من كبار مبدعينا، كما لم يراعوا السن ولا الحالة المرضية، لم تشفع له «فساد الأمكنة»، ولا سيناريوهات أفلام «الشيماء- البوسطجى – قنديل أم هاشم» التى بالتأكيد شاهدها دكاترة المستشفى عشرات المرات وأعجبوا بها..فى «روزاليوسف»  بيت الأديب الكبير نحاول من خلال هذا التحقيق أن نكشف مدى الاهمال الذى تعرض له صبرى موسى.
فى البداية روت لنا زوجته انس الوجود رضوان تفاصيل ليلة المأساة قائلة: لم أصدق ما رأيته صدمت وتألمت، وحزنت جدا أن هذا حال المستشفيات فى مصر، فمستشفى مثل قصر العينى الفرنساوى المفروض أنه يؤدى خدمة، ورعاية مدفوع ، الاجر وليس بالمجان، ولكن ما رأيته من اهمال يفوق الوصف، فقد اصيب «صبرى»  بكسر فى الساق اليمنى نتيجه سقوطه، ونقلته على الفور بالاسعاف الى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، فهى اقرب مكان الى بيتى وحالته لا تتحمل الانتظار، وفى مدخل المستشفى لاحظنا بداية الاهمال من حقن ملقاة على الارض واكياس وكم من الزبالة، وطلبت حضور طبيب فجاء ومن الواضح أنه كان  طبيب إمتياز تركه يتألم ولم يعطه اى مسكن وقال : هانعمل اشاعة مقطعية ونشوف فى ايه، ودار بينى وبينه الدكتور حوار وسألته هل تتحمل ساقه اليمنى الجبس، فقد سبق أن أصيب بجلطة فى هذه الساق، فقال هنشوف، وكانت ردود الدكاترة كلها بطيئة، لم يتفاعلوا، ولم يتحمسوا للحالة، فطلبت منهم قبل الجبس ان ياتى دكتور مخ واعصاب ويكون دكتوراً استشارياً، ولكن لم يحضر أى دكتور، وشرحت لهم الحالة بعد أن اجروا الاشاعة، فقالوا انه كسر وانه يحتاج الى جبس، وضعوا له الجبس وقالوا لى:  لو القدم تورم سنفك الجبس، فطلبت منهم غرفة كى يقيم فيها لحين عرضه على استشارى بعد وضع الجبس،  لكنى فوجئت انهم يطلبون منى الانصراف من المستشفى، فطلبت سيارة الاسعاف للعودة الى البيت خاصة أن الوقت قد تأخر، فرد  أحد الموظفين قائلا : ان يوم الجمعة تأتى حالات اصابة نتيجة المسيرات والمظاهرات، ويجب أن تكون سيارات الاسعاف موجودة بالمستشفى كى يكون الاستقبال دائما مستعداً، فخرجت من المستشفى والجبس لم يجف بعد.
وأضافت أنس الوجود : بغض النظر عن كون زوجى كاتباً كبيراً ومن المفترض أن يلقى الرعاية التى تليق به، اين الحرص على حياة الانسان وأين الاهتمام بالمريض، واين الرقابة من جانب وزارة الصحة على المستشفيات، أهذا هو جزاء المبدع  بعد كل هذا المشوار من العطاء، أن يلقى فى الشارع ويعامل معاملة لا تليق حتى بمواطن عادى، هل هذه هى الطريقة التى تتعامل بها الدولة مع مبدعيها  ورموزها من أصحاب التاريخ والبصمة، أن يترك يتألم  و ان تصل معاناته الى حد الصراخ، وقد تسمعه بعد فوات الأوان، أو تسمعه بعدما يكون المبدع فقد السمع، لقد تكلفنا بعلاج زوجى  طوال 13 عاما ولم نشكوا لاحد، ولكنى أتسال اين دور اتحاد الكتاب؟،  فهو أحد اعضائه، وأعلم أن الشيخ القاسمى تبرع للاتحاد بمبلغ كبير تم تخصيصه لرعاية المبدعين، وأين نقابة الصحفيين، و«صبرى» من اقدم أعضائها، وأيضا وزارة الثقافة لا اعلم عنها شيئا ؟، الدولة لم تقدم لصبرى شيئا يذكر بينما هو اعطاه كل حياته، خلال الفترة الآخيرة جاءنى عروض من الإخوان المسلمين وقالوا أنهم على استعداد لعلاج صبرى فى امريكا فى اهم المستشفيات، فى مقابل ان اقول ان الدولة تهمل علاجه ومقصرة، ولكنى رفضت طبعا، صبرى موسى وكل عائلته لا تقبل مثل هذه العروض، فمصر هى الوحيدة المسئولة عن مبدعيها .
وقال الكاتب الصحفى منير عامر: انا احد تلاميذ الكاتب صبرى موسى، وتعلمت منه الكثير، بالتأكيد مؤلم ما حدث، لكنى أعلم أن مستشفى قصر العينى يعانى من نقص فى الخدمات، بالاضافة الى تقصير الموجودين او ربما قلة الخبرة، إنما الدولة لم تقصر فى حق «صبرى موسى» فقد حصل على عدة جوائز من بينها جائزة الدولة التشجيعية ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله القصصية والروائية، جائزة «بيجاسوس» من أمريكا، وهى الميدالية الذهبية للأعمال الأدبية المكتوبة بغير اللغة، وجائزة الدولة التقديرية وغيرها، اما من جانب العلاج فاولاً وزراة الثقافة تعانى من نقص الميزانية بعد انفصال وزارة الاثار عنها، وقلة ميزانية صندوق التنمية الثقافية، واعلم ان وزارة الثقافة مديونية بالمليارات،  انما ارى ان علاقة الجيش المصرى قوية جدا على المستور الإنسانى مع المثقفين وتتكفل القوات المسلحة برعاية هؤلاء، وانا اتقدم الى الفريق اول عبدالفتاح السيسى لدعم وعلاج صبرى موسى، وانا اثق انه لن يتأخز عن علاج رجل اعطى لمصر اعمالاً دخلت فى تاريخنا الثقافى المصرى، وبالنسبة لمؤسسة روز اليوسف التى ينتمى إليها، فنحن بالرغم من  كل ما نعانيه فى المؤسسة من مشكلات مالية إلا أن المؤسسة  تتكفل بكل ما يخص صبرى من علاج .  
اما الكاتب والروائى يوسف القعيد فقال: يبدو أن الاهمال تسرب حتى للمهن الإنسانية ولابد من معاقبة من يهمل ويقصر فى علاج مريض، وينفذ عليه عقوبة تتناسب مع حجم التقصير، فالعلاج حق لكل مواطن، ومن العيب ان نطالب به، وكان يجب على اتحاد الكتاب ان يكون لديه متابعة بكل الحالات الحرجة من الكتاب وتتواصل معهم ومع اسرهم، ومن المفروض ان تتم المتابعة بدون ان نطالب بها، بالطبع تتحمل وزارات الصحة والثقافة ونقابة الصحفيين المسئولية، ولكن يظل  اتحاد الكتاب هو المسئول الأول فلديه مبلغ 22 مليون جنيه منحه من  الشيخ القاسمى لرعاية المبدعين، فصبرى موسى عطاؤه ليس بقليل فى القيمة والمضمون، وانتظر ايضا من القوات المسلحة التدخل الفورى لعلاجه.
الكاتب الشاب محمد محمد مستجاب أعرب عن حزنه الشديد وطالب بسرعة إنقاذه وقال: موسى سلامتك يا استاذنا وسامحنا على تقصيرنا، وأعدك أننا لن نتركك لهذه الاهانات والعجز والغباء، فأنت من علمتنا فن الحياة قبل الكتابة، وعلمتنا الابتسام قبل البكاء، أنت يكفيك ان تقول انا صاحب : فساد الامكنه، ومشروع قتل جاره، أنت المتجول فى البحيرات والصحراوات، أنت الذى اخرجت ادبنا من ضيق الحارة وبرودة الغرف لشمس الصحراء، أنت فى القلب والعقل، انت من حرضنى على الكتابة ذات يوم، وأنت من شجعت أبى ذات ماضى قديم،
أعرف أن كل المسئولين فى غيبوبة ووزيرنا الموقر واتحادنا العظيم عاجز وبائس وفقير، كنا أقوياء بك واغنياء بما علمتنا، فالان نقول لك سلامتك وغدا سوف تعود لنا بإذن الله ربنا يشفيك يا استاذنا وعمنا.
الكاتب والروائى «سمير الفيل» قال:  تربطنى صلة إنسانية بالروائى الفذ صبرى موسى، فمسقط رأسه هو مدينة دمياط، لذا كان حريصا عندما يزور المدينة التى أحبها وكتب عنها أن يلتقى بمجموعة الأدباء المقيمين فى دمياط، منهم مصطفى الأسمر وعيد صالح ومصطفى العايدى، فنسير معه فى شوارعها القديمة، وهو يعيد رسم خريطتها التى تغيرت كثيرا، ليذكر لنا أسماء قد نعرف بعضها وأسماء أخرى لم نعرفها، ويقترن ذلك غالبا بحكايات وشذرات من طرائف يذكرها هذا الكاتب الموهوب حتى النخاع.
وأضاف: تابعت ما ذكر عن المتاعب التى تعرض لها صبرى موسى حين أدخل قصر العينى «الفرنساوى» لعلاج كسر فى ساقه ثم أجبر على مغادرة المستشفى لأسباب غير مقنعة، وقد انتابنا الانزعاج لما حدث، لأديب عربى كبير نال جائزة «بيجاسوس» الأمريكية للروايات المكتوبة بغير الإنجليزية، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الحية، وكان لروايته العبقرية «فساد الأمكنة» فضل كبير كى تقوم الحكومة المصرية بدراسة منطقة البحر الأحمر، فسنت الكثير من القوانين لتحافظ على ثروة مصر المعدنية، ولترتقى قبل ذلك بالإنسان هناك، فضلا عن دوره البارز ككاتب ملتزم باحتشاد جمالى بالغ، ورؤى ثقافية فى منتهى اليقظة والوعى.
وتابع: حرص صبرى موسى على أن يضرب بسهم وافر فى ميدان الكتابة المستقبلية بعمله العلامة «السيد من حقل السبانخ»، كذا بعض أعمال السيناريو لأستاذه الكاتب الرائد يحيى حقى، مثل «قنديل أم هاشم» و«البوسطجى»، كما قدمت له السينما بعض أعماله مثل «حادث النصف متر»، وأتصور أن قيمة الكاتب المتحقق ـ خاصة بعد قيام ثورتين فى غضون 3 أعوام ـ ينبغى أن ترتقى ليشعر الجميع بأن هناك من يهتم بالرموز الثقافية، وهو ما لم يتحقق فى حالة صبرى موسى، كذلك على اتحاد كتاب مصر أن يحرص على الوقوف مع الرجل فى محنته بحيث يوفر له رعاية عاجلة من منطلق أن الدور الخدمى لاتحاد الكتاب من أهم أدواره فضلا عن كون صبرى موسى يمثل جيل الكبار فقد بزغ نجمه فى وجود عمالقة بحجم نجيب محفوظ ويوسف إدريس إن ترفعه وبعده عن التملق والزيف والمداهنة، ربما جعله بعيدا عن الأضواء بينما جل كتاباته بحثت فى محنة الوجود عند الكائنات البشرية.
 وأكمل: المنحة التى قدمها حاكم الشارقة لاتحاد كتاب مصر، ربما خصصت لهذا السبب، فيجب أن نرتفع لمستوى المسئولية، وأن نرعى صبرى موسى فى حياته بدلا من سكب الدموع بعد أن يرحل ـ لا قدر الله ـ لنغسل أيدينا من تقصيرنا نحوه، بإعداد ملفات متعجلة  عن أدب الرجل، بينما منعنا أدبه الجم من الشكوى وإظهار الحزن.