الجمعة 15 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«زنجير» مختطف ابن عم ملكة بريطانيا فى العدوان الثلاثى يسكن فى منطقة شعبية




حوار ـ مصطفى زغلول وتصوير ـ محمد سعد
فطلبت منه أن يحدثنى عن نفسه وعن العملية الكبيرة التى نفذها مع مجموعته الفدائية باختطاف «مورهاوس» أحد أفراد العائلة المالكة وابن عم ملكة بريطانيا وقتها ..
فبدأ يسرد الحكاية: اسمى (على حسن زنجير) من مواليد 1927م لدى 8 من الأبناء و29 من الأحفاد .
كانت المقاومة الشعبية  أثناء حرب 56 (العدوان الثلاثى) عبارة عن مجموعات للفدائيين، تتكون كل مجموعة من خمسة أو ستة أفراد، وكنت فى مجموعة يقودها المرحوم «محمد حمد الله»، وتتكون من أحمد هلال و حسين عثمان وطاهر مسعد بالإضافة لى أنا وحمد الله، جاءنى فى يوم « أحمد هلال» – وكان يعمل وقتها فى مخرطة –
وقال لى: يا عم على إحنا عايزين نخطف ضابط انجليزى
فقلت له: وماله، كله بتاع ربنا
قال لى: يعنى مش هتخاف
قلت له: هخاف من إيه؟ الأعمار بيد الله ..!! المطلوب إيه يا عم أحمد؟
قال لى: المطلوب إنك تيجى معانا، وعايزين نعتمد على الله ثم عليك .
قلت له: اعتمدوا على الله، بس بشرط يكون كلنا على قلب واحد، ولا يكون فى السيارة سلاح، لأننا معرضون أن توقفنا وردية من القوات الإنجليزية تقوم بتفتيشنا، وساعتها هنضر أنفسنا.
وكان فيه حظر تجول من 5 مساء: 5 صباحاً وعلشان كده حددنا الموعد الساعة 6 صباح يوم 11 ديسمبر 1956.
وكانت السيارة التى أقودها أمريكانى كبيرة ماركة «كريسلر» لونها أسود تحمل لوحات رقم 57 قنال – فلم يكن هناك لوحات بورسعيد بعد – وكانت ملك رئيس نقابة السائقين واسمه «الزكى القشاش» – الله يرحمه – أخذتها دون علمه، فقد كنت أعمل ميكانيكى وقتها، وطلبت منه السيارة لأوصل أولادى لبيت والدى .
وفى الموعد المحدد ذهبت إليهم، فوجدتهم منتظرين .
قالوا لى: أنت مستعد يا عم على ؟!
قلت لهم: توكلنا على الله .. الفاتحة للنبى ربنا يرزقنا بحاجة سمينة.
ثم ركبوا السيارة، وبدأنا السير فى شارع أوجينا « صفية زغلول» نبحث عن فريسة، حتى وصلنا إلى مدرسة الليسيه، فوجدنا «مورهاوس» يقف وحده بجانب سيارته الجيب، وكان معه (مسدس ساقية)، ولم نكن نعلم أنه «مورهاوس»، كنا نظنه ضابطا إنجليزيا عاديا فحذرتهم أن معه سلاحا، ونحن لا نحمل سلاحا، وإذا شك فى أمرنا سيضربنا بالنار.
فنزل محمد حمد الله وحسين عثمان – الذى يجيد التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة شديدة – يمشيان على أرجلهما فى الطريق،  وأنا أقف بالسيارة بعيداً منتظر الإشارة، فذهب حسين عثمان للتحدث معه، ونزل خلفهما أحمد هلال، فى الوقت الذى شعر «مورهاوس» بالقلق، فأخرج طبنجته ووضعها فى تابلوه سيارته، فجاء أحمد هلال من خلفه، ووضع أصبعه فى ظهر «مورهاوس» وثبته، ثم أخذوا منه الطبنجة، وساعتها شعرنا بالاطمئنان، ثم أشاروا لى فأسرعت بالسيارة إليهم، ففتحوا باب السيارة الأيسر الخلفى وقذفوه داخلها، وأنطلقنا مسرعين .. طلبوا منى الذهاب إلى فرق الأمن، لأنهم منسقون مع ضابط شرطة (بكباشى / عز الدين الأمير) إنهم فى حالة خطفهم لأى إنجليزى، يذهبون به إلى فرق الأمن حتى تستقر الأمور، نزلنا «مورهاوس» وركبناه سيارة شرطة (بوكس).
لم تقابلنا أية أكمنة للقوات الإنجليزية وقتها وكانت نعمة من ربنا، ثم ذهبوا به إلى مكان أعدوه لإخفائه، وطلبوا منى الاختباء، فذهبت وتركت السيارة تحت البواكى زى ما كانت وتركت فيها المفاتيح، وانطلقت إلى بيتى فى شارع الجيزة والبلدية – حى العرب – وأختبأت به خمسة أو ستة أيام.
لم نكن نعلم أن من خطفناه هو «مورهاوس» الضابط الشهير الذى ينتمى للعائلة المالكة الإنجليزية، ولكننا علمنا بعد ذلك، حينما انقلبت الدنيا ولم تهدأ، فجاء ضابط مخابرات إنجليزى يسمى «ويليامز» يتحدث اللغة العربية بطلاقة، بدأ يحقق مع المقبوض عليهم داخل ستاد بورسعيد .
فقالوا له أن هناك سيارة سوداء هى التى خطفته، فبدأوا يبحثون عن كل سيارة سوداء ويفتشونها، فاتصل بى الفدائيون وحذرونى من الظهور لأن الإنجليز عرفوا السيارة .
■ وعند سؤاله عن كيفية موت الضابط المخطوف «مورهاوس» ؟
أجابنى بأن أحمد هلال قد ربط الضابط ووضعه فى صندوق مقلوب، ووجهه إلى أسفل فمات، خاصة أنهم لم يستطيعوا الوصول إليه فى مخبئه لإطعامه لكثرة الأكمنة من قوات الإنجليز.
■ فسألته: عن الهدف من خطف الضابط الإنجليزى؟
أجاب: أنهم كانوا يريدون استبداله ببعض الأسرى المصريين المقبوض عليهم من القوات الإنجليزية .
■ فسألته: هل كرمكم جمال عبد الناصر على هذه العملية؟
أجاب: بعد خروج العدوان الثلاثى من مصر، وانتهاء الحرب.. أحضرونى أنا ومجموعتى لمقابلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى استقبلنا بنفسه وصافح كل منا بيديه وأثنى على بطولتنا، ولكن دون أى تكريم مادى.
■ ثم سألته: هل اشترك فى حرب أكتوبر 1973؟
فأجاب: للأسف لأ.. لكبر سنى، وقد كنت مهاجراً وقتها لقرية الشعراء بمحافظة دمياط.
■ ثم سألته: عن رأيه فى الرؤساء الذين عاصرهم ممن حكموا مصر ؟
فأجاب: جمال عبد الناصر.. كان الأفضل والأقوى وهو اللى جعل لمصر اسم وقيمة، أما محمد أنور السادات.. فهو رجل الحرب الذى انتصر بعد الهزيمة، ومبارك.. طيب ومسالم لم يدخل حربا وجعل البلاد مستقرة طوال ثلاثين عاماً، ومرسى .. رجل نظيف لم يسرق .
■ وبسؤاله: عن كيفية تكريمه من محافظى بورسعيد؟
قال: كانوا يتذكروننى فقط كل «عيد نصر» -  23 ديسمبر من كل عام - بشهادة تقدير ورقية، ولم يكرمنى مادياً سوى اللواء/ مصطفى عبداللطيف- محافظ بورسعيد الأسبق- بألف جنيه فقط، وهو أكبر تقدير مادى حصلت عليه، أما اللواء/ أحمد عبدالله- محافظ بورسعيد السابق- أمر بعلاجى بمستشفى بورسعيد العسكرى، ولكن كان المرافق وهو زوجتى يقيم على نفقتى، فلم استطع الاستمرار أكثر من أسبوع، أما اللواء/ سماح قنديل- محافظ بورسعيد الحالى- فقد قام بزيارتى والاطمئنان علي، وعندما طلبت منه علاج قدمى حتى استطيع الوقوف بمفردى، أرسل لى مشاية وطلب من زوجتى الذهاب إلى المحافظة كل شهر، وطلبت من سيادته أن يعفينى من مصروفات نقل ملكية الشقة التى أقيم بها وقدرها ألفان وخمسمائة جنيه فقط - لا أستطيع سدادها – فأحال الموضوع إلى رئيس حى الضواحى الأستاذ محمد كمال .
■ وبسؤاله: من الذى يمكنه قيادة البلد فى الفترة القادمة ؟
- أجاب: السيسى.. هو الذى يستطيع أن يقود البلد فى المرحلة القادمة، فأنا أتابع الأخبار والجرائد، وإحنا مش عايزين حرب.. الشعب تعبان، وأنا بحبه علشان بيحارب الجماعات الإرهابية التى تقتل وتخرب وترهب باسم الإسلام ويضرون البلد بقتل الضباط وتفجير البلد، ولم يفعل الرؤساء شيئاً للبلد سوى الزعيم جمال عبد الناصر.. كان عامل للبلد اسم وقيمة .
■ فسألته: ماذا تطلب من الرئيس القادم لمصر؟
- فأجاب: نفسى البلد تبقى كويسة زى أيام عبد الناصر كانت الناس مرتاحة.
فطلبت منه أن يوجه كلمة للمسئولين فى البلد.
- قال: ربنا ينجيهم، ويولى من يصلح، ويجب أن يخافوا على البلد لأنها ليست بلدى لوحدى، دى بلدنا كلنا .. واللهم ولى من يصلح .
■ فسألته: عن طلباته الشخصية من الحكومة؟
- فقال: كل أمنيتى أن يتم علاجى فقط، وأستطيع المشى على قدمى، دون أن يساعدنى أحد .
لأن اعتماد الإنسان على نفسه حاجة كبيرة قوى، وربنا ما يحرم أحد من صحته  لأنها أغلى شىء فى الدنيا.