الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شهيد يمشى على الأرض.. طلحة بن عبيد الله




 


إنه الصحابى الجليل طلحة بن عبيد الله، قال عنه الرسول: «من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشى على وجه الأرض؛ فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله» [الترمذي].
وهو أحد العشرة الذين بشرهم الرسول بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليكون منهم خليفة المسلمين.
وكان طلحة قد سافر إلى أرض بصرى بالشام فى تجارة له، وبينما هو فى السوق سمع راهبًا فى صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟ فذهب إليه طلحة، وقال له: نعم أنا، فقال الراهب: هل ظهر أحمد؟ قال طلحة: من أحمد؟ قال الراهب: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذى يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة ويباخ (يقصد المدينة المنورة)، فإياك أن تسبق إليه.
فوقع كلام الراهب فى قلب طلحة، ورجع سريعًا إلى مكة وسأل أهلها: هل كان من حدث؟ قالوا نعم، محمد الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبى قحافة، فذهب طلحة إلى أبى بكر، وأسلم على يده، وأخبره بقصة الراهب.[ابن سعد]، فكان من السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر.
ورغم ما كان لطلحة من ثراء ومال كثير ومكانة فى قريش فقد تعرض لأذى المشركين واضطهادهم مما جعله يهاجر المدينة حين أذن النبى للمسلمين بالهجرة، وجاءت غزوة لكنه لم يشهدها، وقيل إن الرسول أرسله فى مهمة خارج المدينة وحينما عاد ووجد المسلمين قد عادوا من غزوة بدر، حزن طلحة حزنًا شديدًا لما فاته من الأجر والثواب، لكن الرسول أخبره أن له من الأجر مثل من جاهد فى المعركة، وأعطاه النبى سهمًا ونصيبًا من الغنائم مثل المقاتلين تمامًا.
ثم شهد طلحة غزوة أحد وما بعدها من الغزوات، وكان يوم أحد يومًا مشهودًا، أبلى فيه طلحة بلاء حسنًا حتى قال عنه النبى: «طلحة شهيد يمشى على وجه الأرض» [ابن عساكر].
وحينما نزل قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب: 23]، قال النبى: «طلحة ممن قضى نحبه» [الترمذي].
وحينما حدث اضطراب فى صفوف المسلمين، وتجمع المشركون حول رسول الله كل منهم يريد قتله، وكل منهم يوجه السيوف والسهام والرماح تجاه الرسول إذا بطلحة البطل الشجاع يشق صفوف المشركين حتى وصل إلى رسول الله، وجعل من نفسه حصنًا منيعًا للنبى، وقد أحزنه ما حدث لرسول الله من كسر رباعيته (أى مقدمة أسنانه)، وشج رأسه، فكان يتحمل بجسمه السهام عن رسول الله، ويتقى النبل عنه بيده حتى شلت يده، وشج رأسه، وحمل رسول الله على ظهره حتى صعد على صخرة، وأتاه أبو بكر وأبو عبيدة، فقال لهما الرسول: اليوم أوجب طلحة يا أبا بكر»، ثم قال لهما: «عليكما صاحبكما»، فأتيا إلى طلحة فوجداه فى حفرة، وبه بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة، وقد قطعت إصبعه» [ابن سعد].
وكان أبو بكر الصديق إذا ذكر يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، وقد بشره الرسول بالجنة.
وقد بلغ طلحة مبلغًا عظيمًا فى الجود والكرم حتى سمى بطلحة الخير، وطلحة الجواد، وطلحة الفياض، ويحكى أن طلحة اشترى بئر ماء فى غزوة ذى قرد، ثم تصدق بها، فقال رسول الله: «أنت طلحة الفياض» [الطبراني]، ومن يومها قيل له طلحة الفياض.
وقد أتاه مال من حضرموت بلغ سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: مالك؟ فقال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال فى بيته، فأشارت عليه أن يقسم هذا المال على أصحابه وإخوانه، فسرَّ من رأيها وأعجب به، وفى الصباح، قسم كل ما عنده بين المهاجرين والأنصار، وهكذا عاش حياته كلها كريمًا سخيًّا شجاعًا.
واشترك فى باقى الغزوات مع النبى ومع أبى بكر وعمر وعثمان، وحزن حزنًا شديدًا حينما رأى مقتل عثمان بن عفان رضى الله واستشهاده، واشترك فى موقعة الجمل مطالبًا بدم عثمان وبالقصاص ممن قتله، وعلم أن الحق فى جانب علي، فترك قتاله وانسحب من ساحة المعركة وفى أثناء ذلك أصيب بسم فمات.
وقد روى عن على -رضى الله عنه- أنه قال: والله إنى لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى: (ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين) [الحجر: 47].
وتزوج طلحة -رضى الله عنه- أربع نسوة، كل واحدة منهن أخت لزوجة من زوجات النبى، وهن: أم كلثوم بنت أبى بكر، أخت عائشة، وحمنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، ورقية بنت أبى أمية أخت أم سلمة.
وقد ترك طلحة تسعة أولاد ذكور وبنتًا واحدة، وروى عن النبى أكثر من ثلاثين حديثًا.