انهيار السياحة فى «الأقصر» و«دندرة» يقطع الأرزاق
حسن الكومى
قنا - حسن الكومى
«السياحة اتضربت والحال واقف» عبارة رددها كل من أصحاب البازارات والمراكب السياحية وسائقى عربات الحنطور بمحافظة الاقصر والتى تحوى ثلث آثار العالم وتعد قبلة السياحة الاولى فهى تحتضن مجموعات من المعابد الفرعونية غاية فى الجمال والروعة والتى كانت تستقبل فى السنوات السابقة لثورة يناير آلاف السياح والزائرين من مختلف جنسيات العالم وكانت تمثل أحد أهم مصادر الدخل للدولة فالسياحة فى الاقصر هى العمود الفقرى ومصدر دخل رئيسى للاقتصاد إلا أن الاحداث التى تشهدها البلاد اثرت عليها بالسلب واصابتها بالركود، وفى جولة لعدسة «روزاليوسف» بمعابد الاقصر كشفت مدى المعاناة التى تعيشها السياحة والعاملون بها فالمعابد خاوية على عروشها وعشش بها العنكبوت واتخذتها الكلاب مأوى لها والمراكب السياحية وعربات الحنطور تبحث عن زبائن حالة من الركود الشديد على الرغم من دخول الموسم الشتوى والذى كان يشهد اقبالا كثيفا من قبل السياح.
وفى الجولة داخل معبد الكرنك الذى يعد أكبر صرح أثرى فى العالم وبه مجموعة من المسلات الجميلة والبحيرة المقدسة التقطت العدسة صوراً لمجموعة من الكلاب الضالة سكنت المعبد واتخذته مأوى لها تكشف مدى الاهمال والغياب التام للسياحة الخارجية التى لم يتعدى عددهم 5٪ داخل المعبد. وفى لقاء مع عبدالله أحمد الخفير بالمعبد قال: إن السياحة مريضة مرضاً شديداً وبندعيلها بالشفاء العاجل، واصفا حال السياحة وفترة الركود التى تعيشها، مشيرا إلى أن فى فصل الشتاء من المفترض أن الافواج السياحية لا تنقطع عن المعبد ولكن نسبة الاقبال ضعيفة على الجانب الآخر تشهد أغلبية المناطق الاثرية اقبالا كثيفا من قبل السياحة الداخلية من طلبة المدارس والجامعات الا أنهم فى الغالب يفتقدون للثقافة الاثرية وكثيرا ما يكتبون العبارات الغرامية على جدران المعابد وهو الأمر الذى يتسبب فى تعب ومشقة لنا خلال فترة زيارتهم لأننا نظل مرافقين لهم حتى نهاية الرحلة.
بينما يرى عبدالله خضر المشرف على إحدى الرحلات المدرسية بالمعبد انه يجب على الدولة ان تشجع تلك الرحلات الى المناطق الاثرية التى تحكى تاريخ الاجداد وتزود الطلاب بمعلومات ثقافية وتشجع على السياحة الداخلية فى الوقت الذى ضعفت فيه السياحة الخارجية، كما أنها تنمى عند الطالب موهبة البحث والقراءة من خلال الأبحاث المدرسية التى يقوم بعملها بعد زيارته للأماكن السياحية، موضحا أن عودة تلك الرحلات لزيارة المعابد بعد توقفها دليل قوى على استقرار الاوضاع الامنية بالبلاد.
وعلى شاطئ النيل تجد المراكب السياحية متوقفة تماما لا تحركها سوى أمواج المياه وعلى مقربة من الشاطئ جلس اصحابها تحت ضوء الشمس تغطيهم أدخنة السجائر التى لا تفارق ايديهم وبالاقتراب منهم قال أحدهم ويدعى مصطفى فرغلى «الحال واقف والمعيشة بقت صعبة» السياحة هى مصدر دخلنا ومنها فاتحين بيوتنا ومنذ ثورة يناير واحنا نقول السياحة هترجع والبلد هترتاح لكن منهم لله الارهابيين هم السبب فى وقف الحال الى احنا فيه الواحد مننا كنا بيعمل مصاريف بيته وأهله وكان بيوفر فلوس دلوقتى مش عارفين نروح فين الديون تحاصرنا، ويلتقط عماد عبدالتواب «أطراف الحديث مش عارفين نشتغل ايه وملناش مصدر رزق غيرها» الرحلات السياحية ماتت ومفيش غير رحلات المدارس والزبون المصرى مش بيدفع أكثر من 20 جنيها بنتمنى من الله أن البلد تهدأ والسياحة تعود لعافيتها فى ناس كتير باعت مراكبها وسافرت الخارج واذا استمرت الازمة مضطرون للهجرة.
وأمام معبد الاقصر اصطفت سيارات الحنطور وينادى سائقوها على الزبائن ولكن لا حياة لمن تنادى فالكساد والركود يخيم على جميع المناطق السياحية والاعداد البسيطة التى تأتى للمعبد فى الغالب سياحة شركات ويتحركون بأتوبيسات وسيارات خاصة.
وأمام ساحة مسجد القطب الصوفى سيدى أبوالحجاج الاقصرى جلست سيدة تدعى امنية تبيع الحلى والمشغولات اليدوية تنادى على بضاعتها وفى حديثنا معها أكدت أنها تعانى مثلها مثل باقى التجار متأثرة بضعف السياحة وأصبحت تعتمد على الزبائن المصرية من العشاق والمحبوبين الذين يأتون لزيارة المعابد والترفيه وطالبت رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى بضرورة صرف اعانة بطالة للمتضررين من ركود السياحة.
وبعد أن توقفت السياحة بشكل يكاد يكون شبه نهائى متأثرة بالاحداث السياسية التى لا تنقطع ما أثر على الجميع بالمحافظة باتت الديون تهدد اصحاب البازارات السياحية لتأخرهم فى سداد الايجارات واضطر بعضهم لتغير نشاطه من بازار سياحى الى سوبر ماركت حتى يستطيع سداد الايجار وعندما تتجول داخل إحدى الاسواق التجارية بشوارع مدينة الاقصر تشعر بمدى المعاناة التى يعيشها اصحاب تلك البازارات نتيجة لغياب السياحة ولكن كل الاصوات العاقلة يملأها الامل فى أن يتكاتف الجميع لتوفير مناخ هادئ يتم من خلاله جذب السياحة الخارجية لمصر مجددا وتعود الاقصر لسابق عهدها.
ومن معابد الاقصر الى معبد دندرة الذى يقع غرب محافظة قنا ويمثل تحفة معمارية من طراز اصيل لاحتفاظه بنقوشه ورونقه الجمالى - القلب لا يحزن - فعلى شاطئ النيل قبال قرية دندرة أنشأت المحافظة فى عهد اللواء عادل لبيب محافظ قنا الاسبق مرسى للسفن السياحية الا أن انعدام الامن وعدم توافر نقط شرطية بالقرب من المرسى أدى الى توقف الرحلات النيلية وفى الطريق من مدينة قنا حتى المعبد تنعدم بها أى مظاهر سياحية وتخلو تماما من المظاهرالجمالية وتمثل عقبة أمام الزائرين فلا توجد وسيلة مواصلات من الطرق العامة حتى المعبد وكثيرا من الزائرين يضطرون للمشى على الأقدام مما يمثل خطورة على حياتهم بسبب وجود الكلاب الضالة فى تلك الطرق.
خالد رسلان إخصائى وثائق ومكتبات مقيم بالقرب من المعبد يؤكد أن معبد دندرة كفيل بأن يجعل محافظة قنا على الخريطة السياحية الا أن الاهمال والسياسات الخاطئة تسببت فى تدهور سياحى فالمرسى السياحى توقف بعد ما كلف الدولة مليون جنيه وخطة التطوير التى نفذتها المحافظة بالمعبد قضت على الحديقة الجميلة التى كانت تجذب فى المواسم والاعياد آلاف الزوار من المصريين والاجانب حيث كان بها أشجار ونباتات نادرة اقتلعت بعد احاطة المعبد بسور ليس ذلك فحسب بل ان المحافظة ارتكبت خطأ فادحا عندما بدأت فى خطة التطوير حيث تعدت على حرم المعبد وأنشأت بارك للأتوبيسات السياحية وقامت برصفه رغم وقوعه داخل المنطقة الاثرية، كما أغلقت الاجهزة الامنية الكافتيرات والمحلات التى أنشأها الاهالى خارج المعبد بطرق غير شرعية فأصبح الزائر يجد صعوبة فى الحصول على زجاجات مياه أو مأكولات وانعدمت المظاهر السياحية بمحيط المعبد.
ويناشد خالد المحافظة ووزارة السياحة والآثار بضرورة فتح افاق للاستثمار بمحيط معبد دندرة وتحول القرية الى قرية سياحية من خلال إنشاء البازارات والفنادق السياحية وادخال سيارات الحنطور لتستخدم كمواصلات داخلية للمعبد وعودة السياحة النيلية وتشغيل المرسى السياحى.
أيمن هندى كبير المفتشين ومدير المعبد قال إن معبد دندرة الذى خصص لعبادة الإله «حتحور» يختلف عن غيره من المعابد الفرعونية بوجود سقف يحوى مجموعة من النقوش الفرعونية الجميلة فضلا عن دائرة الأبراج الفلكية والتى تعد موسوعة فى علم الفلك. وأوضح هندى أن نسبة الاقبال للمعبد تزداد يوما بعد يوم، مؤكدا أن المعبد يستقبل بشكل يومى ما يزيد على 500 سائح، مشيرا إلى أن الجمعة الماضية استقبل المعبد 25 سائحا ألمانيا مندوبين لشركات سياحية ألمانية مقدما الشكر لمحافظ قنا اللواء بعدالحميد الهجان على اهتمامه بالمعبد.