الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التجربة المصرية فى مكافحة «الهجرة غير الشرعية»

التجربة المصرية فى مكافحة «الهجرة غير الشرعية»






على امتداد شواطئ الموت. فى أعالى البحار. حيث يصارع المهاجرون الفارون الأمواج العاتية. هروبًا من المعلوم الجاثم على أرض أوطانهم التى تحولت إلى أطلال تسكنها الأشباح. إلى مجهول ربما يجدون عنده شربة ماء أو كسرة خبز أو أملًا فى مستقبل أبنائهم.
فى رحلة الموت. فى رحلة الهروب من المعلوم إلى المجهول. تطفو جثث الغارقين على سطح المياه. لتكشف للعالم الغارق فى تفاصيل قسوته وهيمنته وجبروت قوته، حقيقة وفجيعة ما ارتكبته قواه الدولية وتحالفاته الإقليمية، التى قادت أكبر حملة تهجير قسرى عرفها التاريخ الحديث.
الناجون من الموت لا تكاد أجسادهم المنهكة تلامس الشواطئ، فإذا بهم يواجهون سلطات الدول التى لا تزال تحتفظ بحرارتها عقب العودة من حملات القصف المكثف التى انهالت على رءوسهم بينما كانوا آمنين مطمئنين.
■ ■ ■
بطول امتداد الحدود المصرية، وبعرض مياهها الإقليمية. اتجهت بصيرة «عبدالفتاح السيسى» وبصره، نحو أمن وطنه. وسط إقليم تتقاذفه أهواء السقوط. الرجل لم يغفل عن مراقبة أفواج النازحين من ديارهم هربًا من ويلات سقوط بلادهم.
انشغال السيسى بأمن وطنه لم يفتر لحظة واحدة. من موقع المسئولية كان لديه إدراك لمفهوم مُركب للأمن، تندمج فيه قدرة الدولة على تأمين نفسها داخليًا وتأمين حدودها. مع مفهوم قدرتها على ألا تكون حدودها ومياهها الإقليمية مصدرًا للخطر الداهم على دول الجوار. حركة السيسى لضبط منظومة الأمن على هذا النحو حتمًا ارتكزت على قاعدة صلبة للدولة المصرية التى استطاعت سريعًا مباشرة التزاماتها أمام المجتمع الدولى.
بالرغم من مشاعر الرجل التى أسرتها مشاهد المهاجرين. من غرق منهم أو من نجا. إلا أنه قرر التعامل مع الظاهرة من منطلق القانون الدولى والإنسانى. كانت أهدافه تتمثل فيما يلى:
■ التأكيد على قدرة الدولة المصرية على فرض الأمن بكامل تفاصيله
■ احترام سيادة الدول
■ القضاء تمامًا على فكرة أن تكون الحدود المصرية أو مياهها الإقليمية مستباحة لأى سبب
■ وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته فى التصدى للظاهرة التى تسبب فيها بتمرير عمل عسكرى أو بالإصرار على تعطيل الحلول السياسية اللازمة لإعادة استقرار الدول التى باتت  مصدرة لقوافل الهجرة غير الشرعية.
■ فرض حالة إنصات دولى لموقف مصر منذ البداية لإعادة تقييم إجراءات المجتمع الدولى مع أزمات الإقليم والتى ثبت عدم صوابها.
■ ■ ■
هنا. على أرض مصر فقط، تحققت هجرة النازحين من أوطانهم لا معسكرات لجوء أو إيواء. كل شارع مصرى كان متاحًا لهم. الوافدون إلى مصر تدفقوا بسهولة إلى المجتمع المصرى، المتميز بقابلية خاصة فى استيعاب التنوع والاختلاف، وتمكينه من ممارسة كل مظاهر الحياة بل وامتصاص عادات الوافد عليه.
180 ألف سورى مسجلة أسماؤهم فى سجلات المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالقاهرة. من قبلهم العراقيون واليمنيون والليبيون. الجميع آمن على حياته وقوت يومه. بات آمنًا فى سربه على أرض مصر. مصر التى لم تزايد أو تبتز أو تتاجر بذلك على المجتمع الدولى. فقط أثبتت قدرة مذهلة على العطاء والاحتواء من معين إنسانيتها الممتدة عبر التاريخ.
■ ■ ■
على الضفة المقابلة من المتوسط. حيث الجار الأوروبى. لم تنقطع غرف العمليات هناك. الهجرة غير الشرعية كابوس يؤرق القارة العجوز. باتت تهدد بتفكيك الاتحاد الأوروبى. أضعفت حكومة ميركل. دفعت البريطانيين للتصويت من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبى. دفعت الاتحاد الأوروبى إلى تبنى اقتراح لتعزيز الضوابط الأمنية يمتد من 2020-2027 يعتمد على زيادة تمويل البرامج الخاصة بالهجرة واللجوء وحماية الحدود من 13 مليارا إلى 35 مليار يورو.
 ضغوطات أوروبية إلى سن قوانين تحد من دخول وخروج المهاجرين عبر الحدود. التحركات جاءت بعد تقديرات غربية أن 1500 عنصر داعشى عادوا إلى 12 دولة أوروبية من مناطق القتال فى الشرق الأوسط. رقم ذو دلالة على الربط بين عودة المتطرفين والمهاجرين غير الشرعيين.
■ ■ ■
على الضفة المقابلة. جنوب المتوسط. كانت مصر قد امتلكت كل أدوات عبقريتها الجغرافية. سيطرت عليها وشرعت فى استخدامها بشكل قانونى ومؤسسى لحماية مياهها الإقليمية وبسط سيطرتها عليها وإيقاف أى عمل غير شرعى يستخدم تلك المياه منفذًا للتسلل يهدد أمنها أو امتداداته الإقليمية.
بأدواتها المتاحة تحولت مصر إلى حارس البوابة الأمين. تحملت وحدها تكاليف وجهود إيقاف إعصار الهجرة غير الشرعية الهادر نحو أوروبا. الذى تعالت أصواته لمسامع القادة فى الاتحاد الأوروبى وفى حلف الناتو لتقول لهم: “الجزاء من جنس العمل”.
لم تكن مصر تُمارس حالة من الاستعراض الأمنى أو العسكرى، بل كانت تُمارس مسئوليتها الإنسانية بكامل طاقتها من أجل إنقاذ المهاجرين من الغرق وإنقاذ أوروبا من الإغراق.
فى أعالى البحار تعالت واستعلت أصوات الدولة المصرية على أصوات تلاطم موجات الغدر التى لم ترحم المهاجرين، وحدها مصر مدت لهم أيادى الرحمة.
الأصوات المصرية وصلت إلى الاجتماعات الأوروبية التى لم تعد تملك إلا الإنصات لمن نجح بقوة إيمانه بوطنه فى فرض شرعية الأمر الواقع التى راحت من قبل أصوات أوروبية تشكك فيها، الأصوات المصرية أعادت صياغة حدود الأمن الاستراتيجى الأوروبى داخل الملفات بعنوان عريض «حيث تكون مصر قوية على طول امتداد حدودها وأعماق مياهها الإقليمية. تكون أوروبا آمنة».
■ ■ ■
وحش الهجرة غير الشرعية الذى راح يستبيح الأسر المهاجرة وينهش أجساد أطفالهم الصغيرة ويلقى بجثثهم على شواطئ الموت على مرأى ومسمع من ضمير العالم لم يجد من يروضه إلا مصر بقوة قانونها وعزيمة مؤسستها.
الوحش وجد نفسه صاغرًا أمام مصر التى تحولت إلى مركز إقليمى لإعادة تهجير الهجرة غير الشرعية بعدما كانت مياهها الإقليمية مركزًا رئيسيًا لانطلاق المهاجرين نحو أوروبا فى لحظات غفلة من الزمن اعتقد خلالها البعض أنه يمكن أن يعيش آمنًا، بينما مصر لا تستطيع السيطرة على حدودها، فإذا به يجدها تملك حقوقًا حصرية لمفاتيح أمنه وأمانه.
مصر التى كانت تواجه الإرهاب نيابة عن العالم راحت تواجه الهجرة غير الشرعية باسم الإنسانية من خلال منظومة مُحكمة تمثلت إجراءاتها فى الآتى:
■ إحكام السيطرة على كل المنافذ الحدودية والبحرية.
■ غلق منافذ مراكب الهجرة غير الشرعية والتصدى للسماسرة
■ توفير فرص عمل بمحافظة كفر الشيخ باعتبارها المصدر الرئيسى للهجرة بإنشاء أكبر مزرعة سمكية فى الشرق الأوسط بمنطقة بركة غليون إضافة إلى مشروعات تعليب وتصنيع الأسماك
■ وضع استراتيجية للقضاء على الجريمة المنظمة وتهريب المهاجرين بالاتفاق والتنسيق مع جمعية النواب العموم الأفارقة
■ تنفيذ 140 برنامج توعية للأسر والشباب للتنبيه بمخاطر الهجرة غير الشرعية
■ إصدار القانون رقم 82 لسنة 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين
■ تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر فى 23 يناير 2017 بقرار رئيس الوزراء رقم 192 لسنة 2017    
 بفعل الإجراءات المصرية أعلنت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود «فرونتكس» تراجع معدلات الهجرة غير الشرعية إلى حدود الاتحاد الأوروبى عام 2017 بنسبة 60٪ عن عام 2016. حينها أدركت أوروبا أن امتلاك الدولة المصرية لأدواتها هو كلمة السر لأمن أوروبا.
■ ■ ■
لم تكن مصر يوما تمارس ابتزازًا سياسيًا أو تستخدم أدوات خارج الشرعية من أجل إثبات شرعية ثورتها، بل كانت تمارس مسئولياتها المحلية والإقليمية من واقع إدراكها لأهمية وتفرد موقعها الجغرافى الذى يمنحها حقوقًا احتكارية لا غنى عنها لانضباط منظومة الأمن الإقليمى.
لم يكن امتلاك مصر لحاملتى الطائرات «ميسترال» وتطوير أسطولها البحرى من باب الترفيه العسكرى بل من واقع التحديات التى باتت تفرض نفسها على كامل الإقليم، لتثبت مصر أن التكامل الإقليمى لم يعد هناك غنى عنه وأنها لا يمكن أن تكون طرفًا فى علاقات إذعان دولية، بل رقمًا حاسمًا فى منظومة للندية الدولية الرشيدة.
على امتداد الحدود المصرية وفيما وراء البحار وصولًا إلى شواطئ أوروبا تواجدت شخصية الدولة المصرية فى أروقة الاتحاد الأوروبى وفى الأمم المتحدة لتقول: “إن مصر منارة الأمن والقانون والسيادة”.