الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
علقة روزاليوسف لإحسان!

علقة روزاليوسف لإحسان!

صفحة جديدة ومختلفة تماما بدأت فى حياة إحسان عبدالقدوس والسيدة «روزاليوسف» عقب دخوله كلية الحقوق تفاصيل الحكاية رواها إحسان فى مقاله النادر والرائع وعنوانه «أمى» والذى أزاح الستار عنه الزميل والصديق الأستاذ «إبراهيم عبدالعزيز» فى كتابه الممتع والمهم «إحسان عبدالقدوس سيرة أخرى» (400 صفحة - مؤسسة بتانة»



كتب إحسان يقول: أرادت أمى أن تخلق منى صحفيا بنفس الطريقة التى خلقت بها صحيفتها، فعينتنى محررًا فى مجلتها وخصصت لى راتبا شهريا ينقطع إذا انقطعت عن التحرير، واستطاعت أن تقنع أبى أن يمنع عنى «المصروف» حتى أعتمد على هذا المرتب كل الاعتماد!

وأصبحت حائرًا فى علاقتى بها، فهى تعاملنى معاملة رئيس التحرير الأصغر وأخيب محرر من محرريه، فإن حاولت أن أعاملها نفس المعاملة أى معاملة «أخيب محرر» لرئيس التحرير، تغلبت صلة الدم علىّ، فألقى نفسى أحيانا بين ذراعيها أو أقبلها فى جبينها مستعملا حقى كابن لها، وليس من عادة المحررين أن يلقوا بأنفسهم بين أذرع رؤساء التحرير أو يقبلوهم! وأن حاولت أن أعاملها كأم ناسيا إنها رئيسة التحرير أو قفتنى نظراتها الغاضبة عند حدى!!

واحترت بم أناديها: بماما كما اعتاد كل ابن أن ينادى أمه؟! أم أناديها بسيدتى كما اعتاد زملائى أن ينادوها؟ وأخيرا تغلب علىّ ما أرادته السيدة «روزاليوسف» فأصبحت أناديها «سيدتى» وأصبحت علاقتى معها لا تتعدى علاقة رئيسة التحرير بأحد المحررين، بل أنى وجدت نفسى أنضم إلى زملائى المحررين فى الشكوى من قلة المرتب أحيانا، وفى المطالبة بعلاوة غلاء أحيانا أخرى، وفى الهمس فى اجتماعاتنا الخاصة حول عناد رئيسة التحرير وسوء معاملتها ومطالبتها لنا بأكثر مما نتحمله!

والسيدة والدتى عنيدة فى عملها عنادا أحس به كل من عمل معها أو اتصل بها، وكان يجب علىّ أن أنفذ أوامرها بلا مناقشة، وأعتنق آراءها بلا مجادلة، ولكن من سوء حظى أو من حسن حظى - إنى ورثت عنها كل هذا العناد، فكنا إذا اختلفنا فى رأى أو فى تنفيذ أمر أصطدمنا وهنا تحدث الطامة!! لم تكن تلين أبدا ولم تكن ترحم أعصاب ابنها البكر الوحيد، بل كانت دائما طاغية، طاغية جبارة، ولم تعاملنى أبدا كأم إلا مرة واحدة عندما تذكرت أن من حقوق الأم أن تضرب ابنها «علقة» فضربتنى علقة!

وصدقونى: إذا قلت لكم إنى أحببت هذه الساعة التى ضُربت فيها، أحببتها لأنى شعرت فيها أنها أمى، وليست رئيسة عملى، وأحببت اليد التى ضُربت بها وصحت: كمان والنبى يا ست»!

وبلغت مصادماتنا حدا وصل إلى طردى من تحرير المجلة عدة مرات، فخرجت واشتغلت فى جرائد أخرى، وكتبت قصصا لشركات السينما، واشتغلت بالمحاماة، وكل ذلك لأن الطرد كمان يعقبه قطع المرتب، وأعتقد إنها كانت تبتسم بعد أن تلقى فى وجهى أمر الطرد، فأدير ظهرى وأخرج باحثًا عن عمل جديد، كانت تبتسم لأنها تحب فى ابنها أن يكون له عنادها، وأن يخرج إلى الحياة معتمدًا على نفسه ويشق طريقه ـ أو على الأقل جزءًا من الطريق ـ بلا معونتها! وكان أصدقاؤها وأصدقائى يتعجبون عندما يجدوننى تائهًا فى الحياة باحثًا عن عمل أكمل به طريقى، يتعجبون لأن المفروض إننى «صاحب مجلة» ما دامت صاحبتها أمى! فكيف أهجر مجلتى وألجأ إلى مجلات أخرى؟! ولكن هذا ما كان يحدث!

ومنذ شهور ـ شهور فقط ـ اطمأنت أمى إلىّ واعتقدت أنها أتمت رسالتها نحوى، وجهادها فى سبيلى، وإنى اليوم أستطيع أن أقف على قدمى دون أن أتكئ عليها، فبدأت تنسى أنها رئيسة تحرير، وتذكرت انها أمى، فأمرت بفتح الباب الذى يفصل بين مكتبها ومكتبى، وأستطيع الآن أن آراها بطرف عينى وهى تنظر إلىّ نظرة فيها إعجاب الأم وغرورها بولدها! وللحكاية بقية