الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رجال وثيران يوسف إدريس!

رجال وثيران يوسف إدريس!

قبل ستين عامًا بالضبط ـ سافر د.يوسف إدريس إلى الجزائر الشقيقة وانضم إلى ثوار الجزائر فى معركتهم ضد الاحتلال الفرنسى، وأصيب أثناء إحدى المعارك برصاصة، وبعد ستة شهور عاد إلى القاهرة بسلام وكان كل عشاق ومحبى إبداعه ينتظرون منه عملاً أدبيًا عن تجربته فى حرب تحرير الجزائر!.



لكن يوسف إدريس كتب رائعته «رجال وثيران» وحرص أن يكتب مقدمة يوضح فيها لماذا لم يكتب عن تجربته فقال:

حين عدت من الجزائر فى صيف عام 1962 كان يحدث كلما لقيت صديقًا أن يسألنى عن موعد صدور الرواية أو المسرحية، التى لا بد سأكتبها وأستوحيها من أحداث الثورة الجزائرية، خاصة أثناء تلك الفترة الحرجة التى أعقبت الاستقلال!

كانت تلك هى المرة الثانية التى أعيش فيها مع الثورة الجزائرية، الأولى حدثت قبل الاستقلال بعام حين ذهبت مع بعثة والتحقنا بجيش التحرير، وحضرنا بعض معاركه والثانية كانت تلك المرة، وكنت لا أستغرب لهذا الإجماع الغريب على ضرورة أن أكتب رواية أو مسرحية عن ثورة الجزائر.

إذ لا بد فى نظر هؤلاء الأصدقاء الطيبين، لشخص مثلى عاصر الثورة كفاحًا مسلحًا ورآها إلى أن تجسدت على هيئة دولة بما صاحب التجسد من ميلاد أمة وخلق كيان، لا بد أن يكون أحق الناس بالكتابة عن هذا الحدث التاريخى، ومن ناحيته لا بد أن يجد هو أن من واجبه أن يكتب هذا العمل! ولكن كل تلك اللقاءات والتساؤلات كانت تدفعنى لمزيد من التعاسة! أن مشكلتى دائمًا أنى لا أستطيع أن أكتب لأن من «واجبى أن اكتب! ولم أجرب أبدًا أن أفرض على نفسى موضوعًا ولا أن أعطى لموضوع بالذات حق الأولوية فى الخروج إلى حيز الوجود، ولقد انفعلت بكل ما رأيت فى الجزائر قبل الاستقلال وبعده ولكن يبدو وكأن الانفعال لم يكن قد نضج إلى الدرجة الكافية لكسر القشرة الإدارية والخروج إلى الحياة، كانت الصورة الأساسية لأى عمل يكتب عن ثورة عظيمة كثورة الجزائر يجب أن يكون فى مستوى عظمة هذه الثورة!

وأنى لى بهذا المستوى وأنا لا أزال بالكاد أتامل ما رأيت ووعيت؟! وأنى لى به والمهمة شاقة، فالقضية لا تزال دافئة بالحماس، ولا يستطيع الإنسان فيها إلا أن يجارى الشعور العام المنفصل بها بحيث تبدو الموضوعية نوعًا من السخف لا محل له!

كنت أهز رأسى للأصدقاء وأقول: أجل سأكتب.. حتما سأكتب! أقوله وأنا أول المدركين أنى فى تلك الفترة بالذات لن أستطيع، وأن احساسى بنفسى يؤكد لى أنى فى حاجة إلى زمن استوعب فيه كل شىء! والمواطنون أيضًا فى حاجة إلى الزمن نفسه لتثمر لهم الكتابة عن قضية حافلة كالقضية الجزائرية!

وفجأة ـ تمامًا كما تعودنا أن نقول فى القصص أنا وجدت موضوع «رجال وثيران» يدق مطالبًا بالخروج، موضوعًا كان مفاجأة تامة لى فلم أكن أتوقع أبدًا وأنا عائد من إسبانيا ـ ولم تمض على عودتى أيام ـ أن يأتى بمثل تلك السرعة ولا أن يجد لدى كل تلك الاستجابة وهذا الحماس!

وهكذا كتبت «رجال وثيران» ليس بدلاً من المدفوع الأول ولا هربًا منه ولا محاولة للرمز أو ربطه بصراع مرت به القوى الثورية فى الجزائر ولا أى شىء من هذا كله.

إنها قصة مستقلة تمامًا، حوادثها وإن كانت تدور فى إسبانيا إلا أن بطلها هو الإنسان فى إسبانيا أو فى أى مكان، قصة كانت ولا تزال تثير دهشتى، فلم أكن أتوقع من مرة واحدة شاهدت فيها مصارعة الثيران بعد ظهر ذلك اليوم من أيام أغسطس المديريرة وفى ملعبها الكبير، آخر ما كنت أتوقعه أن يختمر خلال ساعتين عشتهما مع المصارعة والثيران والمصارعين هذا العمل أو أى عمل آخر حتى لو كان سلسلة من المقالات، كنت سعيدًا جدًا، لا أكاد أنتهى من مشاغلى اليومية حتى أسرع إلى المكتب حيث تنتظرنى معركة أخوضها، بكل ذرة من كيانى، متحمسًا منتشيًا، لقد كانت أيام كتابتها جميلة حقًا».

سلمت يداك ـ يا دكتور يوسف إدريس.