الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المندوب السامى يسجن إحسان عبدالقدوس!

المندوب السامى يسجن إحسان عبدالقدوس!

عندما كان الأستاذ الكاتب الكبير «كمال عبدالرءوف» ينشر ترجمة حلقات مذكرات لورد كيلرن فى مصر بعنوان «الدبابات تحاصر القصر» كانت تلقى متابعة واهتمامًا لا حدود لهما..



وعندما صدرت فى كتاب اليوم كان الأستاذ الكبير «إحسان عبدالقدوس» يرأس مجلس إدارة أخبار اليوم التى صدر عنها الكتاب، وحرص «إحسان» على كتابة مقدمة مهمة للكتاب بعنوان «قبل أن تقرأ هذه المذكرات» روى فيها بعض الأسرار والذكريات المهمة وكتب يقول:

ترددت طويلًا قبل أن ننشر مذكرات اللورد كيلرن فالمذكرات تضع جميع الأحداث الوطنية وجميع الشخصيات السياسية والمصرية فى مستوى الاستهانة وفى قفص الاتهام بالاستسلام الكامل للاحتلال البريطانى الذى لم يفقد شيئًا من سيادته حتى بعد معاهدة 1936 التى كان المفروض إنها معاهدة استقلال تام!

ولكن بعد مناقشات طويلة قررنا أن ننشر المذكرات، لأنها أولًا تعبر عن نظرة رجال الاحتلال لشخصيات وأحداث البلد الذى يحتلونه، ونشرها يعتبر مساهمة فى الدعوة التى نطلق عليها شعار «اعرف عدوك» ثم أن نشرها يعتبر تحذيرًا لكل من يحاول التحالف مع الذين يحتلون بلده بأنه سيفضح يومًا ما بمثل مذكرات اللورد «كيلرن» حتى لو افترضنا أن كل ما جاء فى هذه المذكرات كذب!!

ومن ناحية أخرى فإن اللورد كيلرن تجاهل فى مذكراته أو ربما كان لا يعرف أن فترة حكمه فى مصر والأسلوب الذى كان يتبعه فى ممارسة سيادته هو الذى أدى فى النهاية إلى ثورة 23 يوليو 1952، فحادث 4 فبراير المشهور يوم حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين، كان هو الدافع الأقوى إلى تحريك الثورة الوطنية داخل الجيش وبدء قيام التنظيمات السرية بين الضباط والتى كان من بينها تنظيم الضباط الأحرار.

كما كان هذا الحادث هو أقوى ضربة وطنية وقعت على رأس حزب الأغلبية الشعبية وهو حزب الوفد، مما أدى إلى أن فقد الحزب قوته وسلطاته الوطنية وزعامته الشعبية، مما أدى بالتالى إلى القضاء على النظام السياسى الذى كان يحكم مصر.

ويصل الأستاذ إحسان فى مقدمته إلى ذكرياته عن لورد كيلرن: فيقول:

وأذكر أن أول مرة دخلت فيها السجن كانت بسبب اللورد كيلرن.. كان ذلك عام 1945 وكانت الحرب العالمية قد انتهت وكانت الرقابة على الصحف قد بدأت تخف، فكتبت مقالاً فى «روزاليوسف» بعنوان «هذا الرجل يجب أن يذهب» طالبت فيه بأن يخرج اللورد كيلرن من مصر لأنه لا يعتبر نفسه سفيرًا فوق العادة، ولا حتى مندوبًا ساميًا ولكنه يعتبر نفسه حاكمًا ولأنه هو الذى قام بتخطيط حادث 4 فبراير!

وكانت هذه هى أول مرة فى تاريخ اللورد يهاجم فيها علنًا وعلى صفحات الصحف المصرية، وفوجئت بمصادرة «روزاليوسف» وجمعها من الشوارع ثم القبض علىّ وادخالى السجن، ولكن المفاجأة الأكبر هى أن رئيس الوزراء أيامها كان «محمود فهمى النقراشى»  وكان صديقًا للأسرة وزميلا دائمًا فى الخط السايسى، وكنت أنا شخصيًا أثق فى وطنيته ونزاهته.. فكيف يقبض عّلى الصديق الذى أثق فى وطنيته ويدخلنى السجن حماية للسفير البريطانى وبريطانيا تحتل مصر؟!

وقيل لى أيامها بعد أن خرجت من السجن أن «النقراشى» كان مضطرًا للقبض علىّ حتى لا يثير أزمة مع السفارة البريطانية ولكنى كنت فى بداية شبابى ولم أكن أستطيع أن أقبل التفريق بين الإجراءات السياسية والدوافع الوطنية، وكانت هذه هى بداية التفكير الذى  جمعنى مع تفكير كل الجيل السياسى الذى انتمى إليه، وهو الذى أدى إلى رفض الكيان السياسى كله القائم فى مصر والذى كان يعتمد على النظام الملكى والأحزاب القائمة التى تمثل طبقة واحدة هى طبقة رأس المال الاقطاعى!

أى أن اللورد كيلرن كان أحد الأسباب التى أدت إلى تأكيد الفكر الثورى ثم تحقيق الثورة وهذا ما لم يعترف به اللورد كيلرن فى مذكراته!

وأخيرًا فقد مر على آخر الأحداث التى وردت فى المذكرات قرابة ثلاثين عامًا وهى مدة كافية لتجعلها كلها أحداثًا ملكًا للتاريخ، وليست أسرارًا تمس الحياة السياسية القائمة.

ونحن ننشرها للدراسة التاريخية فقط، دون أن يكون من وراء نشرها قصد الحكم على الحياة السياسية فى مصر قبل الثورة، ولا الحكم على الشخصيات السياسية التاريخية التى تردد اسمها فى هذه المذكرات». وللحكاية بقية!